لعب الإعلام دورا حاسما في ثورات "الربيع العربي"، تماما كما لعب الدور ذاته في الثورات المضادة. وھو ما يشكل مادة خصبة للباحثين في الإعلام على مستوى العالم
ولعل الملمح الأبرز في ثورات "الربيع العربي"، ھو الربط بين شبكات التواصل الاجتماعي والاعلام التقليدي. ففي تأريخ "الربيع العربي"، نُشرت قصة محمد البوعزيزي وتداعياتھا على صفحات "فيسبوك"، ثم بثت على نشرة الجزيرة المغاربية. وفي
مصر تكرر الأمر ذاته. أما سورية، فقد شھدت أغنى تجارب الإعلام الحديث، من خلال تمكن الناشطين من اختراق الستار الحديدي، وتطويع تقنيات التصوير والبث على مواقع التواصل الاجتماعي
في "الربيع" كله، يمكن دراسة الموضوعية، وتمييز خيط الصحافة عن خيط النضال؛ والمناضل والثائر عن الصحفي، وحدود العاطفة عند مشاھدة المجازر المروعة. لكن في كل "الربيع العربي"، توجد "خرافات"؛ كل الشخصيات حقيقية، من البوعزيزي في تونس إلى خالد سعيد في مصر وصولا إلى حمزة الخطيب في.سورية.
في الثورات المضادة، يمكن دراسة العلاقة بين "الصحافة والخرافة". وليست محاكمة الرئيس محمد مرسي ھي الفصل االأخير فيھا. فالمدعي العام والإعلام المساند له، لم يقولا ما قالاه في الشھيد خالد سعيد؛ بأنه ابتلع .لفافة "بانغو". لكنه قدم سيناريو فيلم سينمائي متكامل.
في "الفيلم"، يظھر اسم القائد القسامي حسن سلامة المعتقل منذ العام 1996، والذي ُحكم بمؤبدات تنوء بھا أجيال. ومن القبر، ُضم شھيدان من حرب 2008. والغريب أن الجيش المصري الذي منح مدير مخابراته العسكرية المسؤولة عن سيناء رتبة مشير، تبخر أمام ھجمة سبعين مقاتلا قساميا، قطعوا صحراء سيناء، وسيطروا على الحدود وحرروا السجناء! والغريب أن الأمم المتحدة وإسرائيل، كما الحكومة المصرية آنذاك، لم تثر القضية في الأمم المتحدة التي تضمن أمن سيناء وحدود الحركة العسكرية فيھا، حتى للجيش المصري.
لا يتوقف "الفيلم" ھنا. إحدى الصحف اليومية عنونت على صفحتھا الأولى عن مؤامرة "
حماس" التي يقودھا الشھيد أحمد الجعبري؛ المسؤول العسكري للحركة. مع أن الصحيفة نفسھا نشرت من قبل خبر استشھاده الذي أشعل شرارة الحرب الثانية في غزة. والشھيد نفسه التقى برئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، في إطار صفقة شاليط التي رعتھا المخابرات المصرية!
وفي التفاصيل "أفلام" أخرى طويلة وقصيرة، يعلم منتجوھا أنھا نسج خيال، لكنھا تؤدي دورھا في شيطنة الفلسطيني والمقاومة والإخوان، وتلميع صورة العدو الصھيوني الذي يقيھم تلك الشرور
لم تبدأ الخرافة بعد
الانقلاب. بل مبكرا بدأت منذ فوز الإخوان في انتخابات مجلس الشعب. ھل يذكر أحد فيلم "قانون جماع الميت" الذي تقدم به نواب الإخوان؟
لا تتوقف الخرافة عند تشويه الخصم. ففي حملة المشير، الذي حمل لقبا يمنح لمن انتصر في حرب (لم يخض عبدالفتاح
السيسي أي حرب في حياته)، يتحدث "عالم آثار" على فضائية مصرية، مترجما عن وثيقة .فرعونية باللغة الھيروغليفية، أن السيسي ھو منقذ مصر! وھي ليست الملمح الوحيد لظاھرة تأليه الدكتاتور.
يبقى رصد ذلك وتحليله مھمة على كاھل آلاف الباحثين، الذين قد يجدون ربطا بين الإعلام الفرعوني قبل الميلاد والإعلام الفرعوني اليوم؛ والذي تشكل الخرافة ركيزة أساسية له. ومن لا يصدق، فليشاھد عكاشة على "الفراعين"، والذي اعترف صراحة بأنه ظل يكذب ستة أشھر بأن السيسي إخوان، ليوھم الاخوان بأنه كذلك.