وصفت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" وضع
حقوق الإنسان في
مصر بأنه يزداد قبحا وسوءا يوما بعد يوم، في الوقت الذي تفكر فيه إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإصدار أمر لتزويد حكام مصر الجدد بالمال والسلاح.
وكتب مراسل الصحيفة دان ميرفي أن الانتهاكات التي تمارس ضد المواطنين المصريين، بددت كل الآمال بولادة مجتمع ديمقراطي تشاركي في أي وقت، ويعني بهذا بعد عقد من الزمان.
ويعلق ميرفي بأن هذا كلام فيه الكثير من التشاؤم، ولكن "فكر في آثار حبس 16 ألف ناشط سياسي، فيما تتزايد تقارير التعذيب في مراكز الاحتجاز والشرطة، وكسر المحظور عندما هاجمت
الشرطة موقع الاعتصام في "
رابعة" في آب/ أغسطس، حيث حظرت بعدها جماعة الإخوان المسلمين وملاحقة أتباعها الذين نالهم الجزء الأكبر من القمع".
ويضيف أن الولايات المتحدة تفكر باستئناف الدعم العسكري للجيش المصري، وإرسال شحنات المروحيات اباتشي التي يحتاجها الجيش المصري لمواجهة المسلحين في شبه جزيرة سيناء.
وكان وزير الخارجية الامريكي جون كيري أخبر الكونغرس أن الولايات المتحدة ترغب في استئناف الدعم لمصر وبشكل كامل. وقال: "نرغب بنجاح هذه الحكومة المؤقتة، ونحن ملتزمون بالعمل على نجاحها، وهم بحاجة إلى مساعدتنا لإجراء بعض الإصلاحات التي تحدثنا معهم حولها مثل احترام التعددية، الصحفيين، والاعتقالات وما إلى ذلك"، مضيفا ان إدارة أوباما ستقرر "قريبا تسليم الأسلحة" للنظام المصري الحالي.
ورأى ميرفي أنه "لو عقدت الانتخابات الرئاسية (كما وعد بها في تموز/ يوليو) وكانت نزيهة (وهو ما لم يحدث إن أخذنا بعين الاعتبار عدد الناشطين السياسيين المعتقلين) فالواقع يقول إن حقوق الإنسان في مصر في تراجع مستمر".
وأوضح الكاتب أن الولايات المتحدة التي تتباهى بحقوق الإنسان في الخارج، تواجه وضعا يكشف عن نفاقها، ويؤدي إلى تراجع موقفها الأخلاقي عندما تريد انتقاد سجلات حكومات تعارضها.
ويقول إن مذبحة رابعة التي راح ضحيتها 900 شخص على يد القوى الأمنية، ليست إلا رسالة مقصودة تؤكد أن دولة الإرهاب عادت، وبحس انتقامي.
ونقل الكاتب هنا حيثيات تركيب وإعادة ما جرى في ميدان رابعة يوم 14 آب/ أغسطس العام الماضي، الذي قام به موقع "
غلوبال بوست"، ويقوم تقييم الموقع على روايات شهود عيان، وزيارات مكان الأحداث، وملاحظات حقيقية ودراسة وتحليل لصور الفيديو والصور والادلة التي جمعت حول حادث فض اعتصام رابعة الذي علق فيه آلاف من المعتصمين والمتظاهرين عندما شنت قوات الأمن هجوما بدون تمييز على المعتصمين فيه.
وجاء في التقييم أن 100 من المتظاهرين قتلوا أثناء هجوم شنته قوات الشرطة على المكان في 8 تموز/ يوليو، وفي المواجهات في محيطه في 27 تموز/يوليو؛ مما أدى إلى تصميم المتظاهرين على مواجهة السلطات وزيادة أعداد المعتصمين.
وأثبت تحقيق "
غلوبال بوست" أن المتظاهرين كانوا في معظمهم مجردين من السلاح، وأن عددا قليلا من الرجال واجهوا الشرطة ببنادق كانوا يحملونها وهي قليلة العدد، إضافة إلى قنابل المولوتوف والحجارة، وكانوا يطلقونها من بناية تحت الإنشاء في الجزء الجنوبي من معسكر الاعتصام؛ مما أدى الجيش إلى الرد وبقسوة بدون تمييز على ميدان الاعتصام كله.
ولا يعرف من أطلق النار أولا، لكن الإدلة التي جمعها موقع "غلوبال بوست" تظهر أن قوات الأمن استخدمت الرصاص الحي ضد المتظاهرين بشكل غير متناسب، بدلا من استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، أو أي وسيلة معروفة في تفريق التظاهرات.
ويقول ميرفي إن مراجعة منظمة "هيومان رايتس ووتش" للأحداث لم يجد أي مبرر لاستخدام القوة المفرطة من قبل الدولة، ووصفت المنظمة
المذبحة بأنه "أخطر حادث وقتل جماعي غير مشروع يحدث في تاريخ مصر الحديث".
وهو ما لم يحدث مثله منذ أن أطاح الضباط الأحرار بالملكية في مصر، وواجه النظام المصري في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي تمردا إسلاميا يشبه عمليات القاعدة، وخلال هذه الفترة حكمت مصر ولمدة أربعين عاما من أنظمة ديكتاتورية، وحصلت فيها ممارسات ضد الناشطين وتعذيب حتى الموت في الإسكندرية، ولكن لم يحدث على قاعدة واسعة كما في "رابعة".
ويرى الكاتب أن الأحداث الكبرى عادة ما تكون وسيلة للتأثير في المجتمعات التي حدثت فيها المأساة مباشرة وما بعد ذلك. ويشير إلى أنه "كيف أدى حادث مقتل أربعة شباب شاركوا في احتجاج بجامعة أوهايو / ولاية كينت إلى توسع حرب فيتنام إلى كمبوديا عام 1970، وأدى هذا الحادث إلى حالة من الاضطرابات في الولاية والجامعات الأمريكية الأخرى، وظل محفورا في ذاكرة سكان الولاية، وفازت صورة لأم وهي تنتحب على جثة واحد من الأربعة بجائزة بوليتزر المهمة، ولحن نيل يونغ اغنيته الشهيرة "أوهايو" بعد حادث إطلاق النار بأسابيع.
ويقول الكاتب: "لهذا اليوم يتم تذكر ولاية كينت كنقطة مهمة في الحياة السياسية الأمريكية الخطيرة والمنقسمة في ذلك الوقت، عندما قام شبان غاضبون بمواجهة حكومة مصابة بالرهاب".
ويلتفت الكاتب إلى "رابعة" حيث يقول إنها حادث تركت أثرا مدمرا وعميقا في مصر. وكما أخبر إسندر العمراني من مجموعة الأزمات الدولية في حلقة نقاش في جامعة هارفارد أن مشاعر عدم الثقة بين الإخوان المسلمين -قادة وأعضاء- والحكومة في أدنى مستوياته، ولا يرى أية فرصة للتصالح بين الطرفين في أي وقت قريب.
واتهم الكاتب الجيش والمحاكم في "مصر الانقلاب" بالاستهانة بمبادئ الديمقراطية، مشيرا إلى الحكم الذي أصدرته محكمة مصرية على مراسل صحيفة؛ لأنه عارض الدستور الجديد، وحكم عليه لمدة عام مع الأشغال الشاقة.