في وقت تستعر فيه المؤامرات، من أجل إفشال التجربة التركية الحديثة في عهد رجب طيب
أردوغان، عبر الانتخابات المرتقبة لبلدية إسطنبول، فإن مؤشرات استطلاع الرأي ترجح الكفة لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم.. بل إن قادة الفكر والرأي في
تركيا، يدلون بما لديهم من أجل الحفاظ على هذه التجربة المدنية، وما تمثله لعموم الشعب التركي وتاريخه الإسلامي.
ومن ذلك، ما نشره موقع "نون بوست" الإخباري، من حديث للشيخ عبد الله
يغين، آخر تلاميذ العلامة التركي وصاحب الطريقة، بديع الزمان سعيد
النورسي، عن ما أسماه "تآمر" جماعة فتح الله جولن ضد "أول رئيس وزراء تركي متدين" قائلا بأن الجماعة تريد إنهاء تجربة أردوغان التي أدت إلى "وضع تركيا في مصاف الدول المتقدمة وجعلها محط قلوب أبناء العالم العربي والإسلامي لتتحقق نبوءة العلامة النورسي، بأن تركيا ستقود الأمة الإسلامية من أنقرة".
وقال عبد الله يغين، البالغ من العمر 92 سنة، إن "جولن أصبح أسير الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية وأسير الأنظمة الحاكمة في الدول التي افتتح فيها مدارسه خارج تركيا"، مضيفا أن "تلك الدول أصبحت تشترط عليه استخدام نفوذ جماعته لإسقاط حكومة أردوغان مقابل السماح له بالمزيد من النشاط عندها".
وأشار عبد الله يغين، وهو من أبرز شيوخ الطريقة النورسية التي تنتمي إليها جماعة فتح الله جولن، إلى أن تحالف الجماعة مع حزب الشعب الجمهوري يتعارض بالكامل مع منهج العلامة النورسي، داعيا كولن إلى "ترك أمريكا والعودة إلى بلاده وعدم التآمر على مصالح بلاده والتوقف عن المكيدة لحزب العدالة والتنمية".
وبالإضافة إلى مرافقته للعلامة سعيد النورسي خلال فترة حياته، فإنه يذكر لعبد الله يغين أنه قام بكتابة المؤلفات التي يحملها اليوم كل المنتمين إلى الطريقة النورسية كمراجع في مختلف التخصصات العلمية والإسلامية والأدبية والفلسفية.
وحول الضربات التي تعرضت لها حكومة حزب العدالة والتنمية مؤخرا، قال عبد الله يغين في حوار صحفي مع صحيفة الصباح التركية: "أرى أن هذه الحرب تقودها الاستخبارات الأمريكية واللوبي الإسرائيلي بالولايات المتحدة، وللأسف استطاعوا أن يخدعوا أيضاَ الأستاذ فتح الله جولن، حتى أصبح يردد كلامهم ويرضخ لأوامرهم"، مشيرا إلى أنه لا يعود إلى تركيا لأن الاستخبارات الأمريكية لا تسمح له بذلك.
وعند حديثه عن تحالف جماعة فتح الله جولن مع حزب الشعب الجمهوري، قال عبد الله يغين: "العلامة بديع الزمان قال عام 1950 على حزب الشعب الجمهوري ”لن يصلوا إلى الحكم بأصواتهم مرة أخرى"، وبالفعل لم يستطع حزب الشعب الجمهوري أن يصل للحكم بمفرده، ومحاولاته اليوم كلها دون جدوى ولن يتمكن من الوصول للحكم"، مضيفا: "الجماعة تتحرك فقط بأوامر فتح الله جولن وليس بآرائها.. وجولن نفسه أسير هناك مع الأسف. فليأت إلى تركيا ولير بنفسه، مدى الراحة التي يعيشها المسلمون هنا.. لكنه لا يملك الجرأة لفعل ذلك".
وقال عبد الله يغين: "الخدمات التي قدمها أردوغان لتركيا تفوق بأضعاف ما قدمته جماعة جولن للبلاد.. فقد افتتح أردوغان مدارس وبيوتا للطلبة ومدارس جديدة للأئمة والخطباء في كل مكان.. ووضع دروس الدين ضمن المناهج التعليمية الرسمية.. ولا يمكننا أن نتجاهل كل هذا".
وأكد عبد الله يغين أنه إن التقى بفتح الله جولن في السابق، فإنه قال: "لم يعد لدي ما أقوله له، لقد خيب ظني فيه"، مضيفا: "جولن محبوس بين أربعة جدران في الولايات المتحدة الأمريكية، ولو كنت مكانه لضحيت بكل شيء ولما قمت بأي نشاط ضد مصلحة البلاد".
وحول توقعاته لما يمكن أن ينتهي إليه صراع جماعة جولن مع حزب العدالة والتنمية، قال عبد الله يغين: "هذا المسار لا يتناسب مع رسائل النور للعلامة سعيد النورسي، إذا كانوا يريدون الحكم بالعدل فعليهم احترام الإرادة الشعبية، غير صحيح أن تحارب حكومة متدينة، فإذا كانوا يريدون التخلص من المتدينين الذين ليسوا منهم فهذا لا يدوم، قد يتمكنون من النجاح في مجال ما ولكن هذا لا يستمر.. فشعبنا أصبح واعياً".
وختم الشيخ عبد الله يغين كلامه قائلا: "نحن كجماعة النور أحببنا رئيس وزرائنا كثيرا، وكذلك العالم الإسلامي والمتدينون أحبوه كثيرا.. ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفق رئيس الوزراء.. لقد هبّ شعبنا بشكل ينسينا مراحل الإلحاد.. فليدافعوا عن رئيس وزرائنا الذي قدم خدمة كبيرة لوطننا.. الذين يحاربون أردوغان هم بمثابة من يحارب الشعب التركي".
سعيد النورسي
يذكر أن سعيد النورسي ولد في قرية نورس الواقعة شرق الأناضول في تركيا عام (1294هـ – 1877م) من أبوين صالحين كرديين، كانا مضرب المثل في التقوى والورع والصلاح، ونشأ في بيئة كردية يخيم عليها الجهل والفقر، كأكثر بلاد المسلمين في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وإلى قريته نورس ينسب.
ولم تكن حياة سعيد النورسي إلا ملحمة من الوقائع والأحداث التي وضعت جميعها في خدمة القرآن
العظيم وتفسير نصوصه وبيان مرامي آياته البينات، ضمن رؤية تبلورت مع الزمن ومع أطوار رحلة العمر، وكانت غايتها النهائية بث اليقظة وإعادة الحياة والفعل للأمة الإسلامية بعد طول رقاد.
وما برح سعيد أن التحق بمجموعة من الكتاتيب والمرافق التعليمية المبثوثة في تلك النواحي من حول قريته نورس. وكان يستوعب كل ما يقدم له من علم.
وظل يرتحل من مركز إلى مركز ومن عالم إلى آخر حتى حفظ ما يقرب من تسعين كتابًا من أمهات الكتب.
وتهيأ بعد ذلك وبفضل المحصول العلمي الجم الذي اكتسبه في طفولته المبكرة تلك أن يجلس إلى المناظرة ومناقشة العلماء، وانعقدت له عدة مجالس تناظر فيها مع أبرز الشيوخ والعلماء في تلك المناطق وظهر عليهم جميعًا. وانتشرت شهرته في الآفاق.