بينما كانت ثماني أسر لضحايا من جنود وضباط القوات المسلحة غارقة في الحزن على فقدان ذويهم الأسبوع الماضي، كان العقيد أحمد محمد علي المتحدث الرسمي للقوات المسلحة يستمتع بالحفل الغنائي الذي يحيه مطرب "الذوات" والطبقة الراقية عمرو دياب وزميلته المطربة جنات، أثناء افتتاح فندق تابع للقوات المسلحة.
قبل أسبوع راح ستة من شباب
مصر ضحية عمل غادر بهم قبل طلوع النهار، ظهرت روايات كثيرة حول هوية الجناة، كان أكثرها لفتا للانتباه هو وقوع الحادث انتقاما لقيام ضباط شرطة بقتل اثنين من البلطجية في فرح شعبي، إلا أن سلطة النظام الفاشي والفاشل فضلت الاستسهال، وحملت الحادث كالعادة لجماعة الإخوان المسلمين التي لم يعد لمنتسبيها مكانا سوي القبور والسجون.
و رغم أن الشباب مجندون بالشرطة العسكرية فإن ذلك لم يمنع أحمد علي من حضور الحفل والتقاط الصور التذكارية مع معجبيه.
قبل الحفل بيوم واحد كانت هناك أسرتا عميد وعقيد من خبراء المفرقعات بالجيش تنتحبان كمدا وحزنا على فقدان الاثنين، وهما بالتأكيد كبار في تراتبية الجيش.
و مع ذلك كان العقيد الوسيم الجاذب للسيدات والآنسات يحتفل بالفندق الفاخر مع المطربين والمطربات الذين جاؤوا ترفيها لأفراد القوات المسلحة الباسلة، التي تخوض حروبا طاحنة نيابة عن الشعب المصري.
الأسبوع الماضي أيضا كشف عن زيارة وفد من ضباط بالجيش إلى
الكيان الصهيوني، قيل تارة أنها لحث حلفائهم الصهاينة للتدخل لدى الولايات المتحدة لإعادة 10 طائرات أباتشي، رفضت أميركا إعادتها بعد إجراء عمليات صيانة لها، وقيل أخري أنها لتدعيم العلاقات والتنسيق الأمني ضد الإرهاب وهو بالضرورة عمليات المقاومة ضد إسرائيل.
خلال أقل من عام قتل الجيش المصري بمساعدة مؤسسة الشرطة الإرهابية آلاف المصريين العزل الذين لم يرتكبوا جريمة سوى المطالبة بحريتهم وكرامتهم، وحرق جثث العشرات ورماها على أكوام القمامة. وبخلاف عمليات القتل والإرهاب التي تمارسها السلطة من خلال القتلة المنتسبين إليها. اعتقل عشرات الآلاف، معظمهم تعرض للتعذيب وشردت أسرهم وكثير منهم مطاردون.
كل هذه الجرائم ضد الإنسانية لم يرتكبها الجيش الإسرائيلي في حروبه ضد العرب، فمعظم الفظائع التي ارتكبها لم يزد عدد ضحاياها عن ربع حصاد يوم واحد لقوات قائد
الانقلاب بحق شعبه عندما يكون شبقا لرؤية الدماء.
و هنا يجب التساؤل: عن ماذا يدافع الجيش المصري؟ وأي وطن يحمي؟ وأي عقيدة يعتقدها؟ وإلى من يوجه سلاحه؟
الواقع يقول إن الجيش المصري يعمل ضد مصر وشعبها، ويقوم بالوكالة بما كان يخجل من فعله أعداؤها إذا ما قرروا يوما احتلال أرضها.
فإسرائيل صديقة للجيش المصري، والاثنان عدوان للشعب الفلسطيني ويعملان على حصاره وقتل أبنائه؟ وأيضا للشعبين المصري والسوري، وكل الأحداث والوقائع تؤكد ذلك. حتى الخطاب الإعلامي الذي يفترض فيه الخداع، والتضليل، أصبح أكثر وقاحة ومحرضا على فلسطين باعتبارها عدوا، ومؤيدا لإسرائيل باعتبارها صديقة.
و بغض النظر عن خلاف الرؤية حول طبيعة دور الجيش المصري وعقيدته، فإن ما يحدث يؤكد أننا أمام حكم عصابة إجرامية، لا يهمها سوى بقائها وبقاء النظام الذي تدور في فلكها، وهو نظام قائم على الفساد والخيانة ومستعد لارتكاب الفظائع في سبيل بقائه، حتى لو كان ذلك يجعله يضحي بمنتسبيه، ليس صغار الجنود فحسب وإنما كبار الضباط أيضا. ولا يجد أي غضاضة في الرقص والطرب على جثث شهدائه.
ولم لا فقائد الانقلاب الدموي، كان يخطب في الراقصات والمطربين بينما العشرات من أبناء شعبه يموتون برصاص قواته بجوار حفل راقص أقامه في ميدان التحرير احتفالا بذكرى النصر على أصدقائه الصهاينة في أكتوبر 73.
كل المعايير اختلت والموازين انقلبت في عهد الانقلاب النازي، ففي أعرافهم ووفقا لتفسيراتهم أصبحت الوطنية ضد الوطن، والفجور قمة التدين، والإقصاء هو لم الشمل الوطني، وحرق المساجد وقتل المسلمين هو محاربة الإرهاب، والسرقة هي حماية أموال الشعب، والنصب باستخدام الكفتة في العلاج هو التطور العلمي، وتحول مصر إلى مسخرة العالم وأضحوكة الدنيا هو المعني الحقيقيي لعبارة "أد الدنيا" التي وعدهم بها قائد الانقلاب، وتسليم قناة السويس للإمارات هو الوقوف ضد المطامع القطرية، وتدخل شيوخ القبائل في الإمارات والسعودية هو الاستقلال الوطني.
المهم أن سيادة المشير جعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ينام مع أذان المغرب، وفي سبيل هذه العبارات التي تجاوزت المعنى الحقيقي لكلمة مهزلة، علينا أن نضحي بمصر وشعبها في سبيل هزل ومهازل سيادته.
الشعب المصري الصامد في الميادين والذي يمثل كتلة قوية ووحيدة لفئة متماسكة من كافة الطبقات والأطياف هو الأمل في سحق هذه
العصابة الحاكمة التي داست على كل القيم والمعاني، وضحت بالشعب وأبناء مؤسساتها ورقصت على جثثهم جميعا ولم تراعي مشاعر أي منهم في سبيل بقائها.
هذه العصابة التي أعادت في شهور قليلة نظاما عفنا يريد أن يسيطر على مقدرات الوطن ويجعله تابعا ذليلا للكيان الصهيوني، يجب أن يعمل الجميع إذا كان يحب هذا الوطن وهذه الأرض على استئصالها وإلى الأبد، فلا حرية بها ولا رخاء معها.
(صحفي وباحث إعلامي)
https://www.facebook.com/ahmed.k3oud
https://twitter.com/ahmedelkaoud