غادر الرئيس الاميركي باراك
أوباما الرياض، قبل ظهر السبت، منهيا
زيارة قصيرة حاول خلالها طمأنة القادة السعوديين بالنسبة لموقف بلاده حيال
إيران وسوريا.
واختتم أوباما في الرياض جولة استغرقت ستة أيام قادته إلى هولندا وبلجيكا وإيطاليا، شارك خلالها في قمم واجتماعات تمحورت في غالبيتها حول الأزمة الأوكرانية.
وخلال زيارته الثانية إلى المملكة منذ 2009، التقى أوباما العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز ساعتين، مساء الجمعة، مؤكدا أمامه أن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين ستبقى "متوافقة".
وسعى الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى طمأنة العاهل السعودي الملك عبد الله، بأنه سيدعم مقاتلي المعارضة السورية المعتدلين، وسيرفض إبرام اتفاق سيء مع إيران، خلال زيارته التي تهدف إلى تهدئة مخاوف المملكة من تداعي التحالف القائم بين البلدين منذ عقود.
واستقبل الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في روضة خريم (100 كلم، شمال شرق العاصمة الرياض)، مساء الجمعة، الرئيس الأمريكي باراك أوباما والوفد المرافق له.
وأكد أوباما الذي طار بالهليكوبتر إلى مخيم الملك بالصحراء، أهمية علاقة واشنطن بأكبر مصدر للنفط في العالم خلال اجتماع استمر ساعتين، ركز على الشرق الأوسط ولكنه لم يتناول الطاقة أو حقوق الإنسان.
كـمـا بـحــث الزعيمان مجمل الأحداث فـي الـمـنـطـقـة، وفي طـلـيعـتها تطـورات الـقـضـيـة الفلسطيـنية، والـوضع في سـوريا إضافـة إلـى الـمستـجـدات عـلـى الـسـاحة الدولـية ومـوقـف الـبـلـدين مـنـهـا.
وحـضر الاجتماع من الجانب السعودي ولي العهد ووزير الخارجية وولي ولي العهد، كما حـضـره مـن الـجـانـب الأمريكي وزير الخارجية جون كيري، ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس.
أنبوب أكسجين
وفي السياق ذاته قال شهود إن عددا من أمراء الأسرة الحاكمة كانوا حاضرين، وأن أنبوب أكسجين فيما يبدو كان موصولا بأنف الملك عبد الله في بداية اجتماعه بأوباما في روضة "خريم" إلى الشمال الشرقي من العاصمة الرياض.
وعرض التلفزيون الرسمي السعودي أوباما الذي كان بصحبته وزير الخارجية جون كيري ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس يصغي باهتمام للملك عبد الله وهو يتكلم.
ورغم أن إمدادات النفط
السعودية للولايات المتحدة أقل مما كانت عليه من قبل، لا يزال تأمين الحصول على موارد الطاقة من السعودية -أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم- يمثل أهمية بالنسبة لواشنطن إضافة إلى تعاون البلدين في مواجهة تنظيم "القاعدة".
في الوقت نفسه، يريد السعوديون مزيدا من التأكيدات بشأن النوايا الأمريكية فيما يتعلق بالمحادثات بشأن البرنامج النووية الإيراني التي يمكن أن تفضي إلى اتفاق يرفع العقوبات عن طهران مقابل تنازلات بشأن منشأتها النووية.
وتخشى الرياض أن يأتي هذا الاتفاق على حساب السنة العرب في الشرق الأوسط، والذين يخشى بعضهم أن تستغل إيران الشيعية أي خفض في الضغوط الدولية لنشر نفوذها.
تحول كبير
وفي العام الماضي حذر مسؤولون سعوديون كبار من "تحول كبير" عن واشنطن بعد خلافات شديدة بشأن استجابتها لانتفاضات "الربيع العربي" وسياستها إزاء إيران وسوريا حيث تريد الرياض دعما أمريكيا أكبر لجماعات المعارضة.
وقال مسؤول أمريكي للصحفيين بعد الاجتماع، إنه على الرغم من أن الزعيمين ناقشا "الاختلافات التكتيكية"، فقد اتفقا على أن المصالح الاستراتيجية للبلدين "لا تزال متوافقة".
وقال المسؤول: "أعتقد أنه كان من المهم الحصول على فرصة للقدوم لرؤيته (الملك عبد الله) وجها لوجه وتوضيح مدى إصرار الرئيس على منع إيران من امتلاك سلاح نووي".
وأضاف أن الاجتماع كان فرصة للتأكيد "أننا لن نقبل باتفاق سيئ، وأن التركيز على القضية النووية لا يعني أننا غير مهتمين بأنشطة إيران لزعزعة الاستقرار في المنطقة، أو أننا لا نركز كثيرا على المسألة".
وتابع المسؤول، أن الزعيمين أجريا مناقشة شاملة حول
سوريا، حيث قتل 140 ألف شخص خلال الصراع الدائر منذ ثلاث سنوات.
وقال إن البلدين يعملان معا "على نحو جيد جدا"، لتحقيق الانتقال السياسي ودعم جماعات المعارضة المعتدلة.
مساعدات سرية
وفي الشأن السوري قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الجمعة، إن الولايات المتحدة مستعدة لزيادة المساعدات السرية للمعارضة السورية في إطار خطة جديدة تشمل تدريب المخابرات المركزية الأمريكية لمقاتلين بالمعارضة السورية، وأنها تدرس تزويدهم بقاذفات صواريخ مضادة للطائرات.
ولم يغلق البيت الأبيض الباب أمام احتمال القيام بهذه الخطوة في المستقبل، لكن مسؤولا قال إن موقف واشنطن لم يتغير.
وقال بن رودس نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي للصحفيين على متن طائرة الرئاسة: "أوضحنا أن أنواعا معينة من السلاح من بينها قاذفات الصواريخ المضادة للطائرات يمكن أن تشكل خطر الانتشار إذا أدخلت إلى سوريا.. مازال لدينا هذه المخاوف".
ولم يصدر تعليق على الفور من المسؤولين السعوديين بشأن الاجتماع، لكن وسائل إعلام حكومية، قالت إن المحادثات تركزت على جهود السلام في الشرق الأوسط والأزمة السورية.
توتر العلاقات
وبحسب مراقبين، شهدت العلاقات الأمريكية السعودية، خلال الشهور الأخيرة، توتراً بسبب انفتاح واشنطن على إيران وتحفظاتها في سوريا، فضلاً عن موقفها المتردد من السلطات الحالية في مصر.
وتعتبر زيارة أوباما هي الثانية، بعد الأولى التي كانت في يونيو/ حزيران 2009، وتأتي أهميتها لارتباطها بأزمات متلاحقة في المنطقة العربية، أبرزها القضايا الخلافية المتعلقة بالأزمة السورية، والملف الإيراني.
واستبقت الرياض زيارة أوباما بحدثين هامين، أولهما عودة الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية، إلى العاصمة الرياض، بعد غياب استمر أكثر من شهر عن الساحة السياسية، وهو غياب لم يتم الكشف عن أسبابه.
والحدث الثاني، هو استحداث منصب جديد بمسمى ولي ولي العهد، حيث أصدر الملك عبد الله مرسوما ملكيا يقضي بتعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز وليا لولي العهد، في إجراء اعتبره مراقبون خطوة استباقية لأي محاولة ضغط من الرئيس أوباما على الملك عبد الله لتعيين أمراء من الجيل الثاني في منصب النائب الثاني.
تكريم "أشجع إمرأة"
وقبل مغادرته الرياض عند الساعة 11,00 (8,00 تغ) التقى أوباما الناشطة الاجتماعية السعودية مها المنيف في أحد فنادق الرياض لتسليمها جائزة "أشجع إمرأة"، التي منحتها وزارة الخارجية الأميركية قبل أسابيع.
لكن المنيف لم تكن حاضرة في حفل توزيع الجائزة برعاية السيدة الأميركية الأولى ميشيل أوباما.
والمنيف هي المديرة التنفيذية لبرنامج الأمان الأسري الوطني، وعضو في الشبكة العربية لحماية الطفل من الإيذاء وتبذل جهودا لمكافحة العنف الأسري والعنف ضد الأطفال.
والجائزة التي تقدمها الخارجية الأميركية تمنح للمدافعين عن حقوق الإنسان والمساواة والتقدم الاجتماعي.
وكانت منظمات حقوقية مثل العفو الدولية دعت أوباما إلى ممارسة ضغوط على الرياض لإنهاء "قمع حرية التعبير (...) والتمييز ضد النساء والأقليات وجميع أشكال التعذيب" في المملكة المحافظة دينيا واجتماعيا.
وأضاف المسؤول "لدينا الكثير من القلق الجدي حول أوضاع حقوق الإنسان فيما يخص النساء والحريات الدينية وحرية التعبير، كما أن بعض القوانين التي أقرت أخيرا، تطرح اسئلة حول قدرة الناس على التعبير عن آرائهم بحرية".
ولدى الإلحاح عليه بسؤال حول امتناع أوباما عن إثارة هذه المسألة مع الملك، أوضح المسؤول أن اللقاء كان مخصصا لملفات جيوسياسية كبيرة في المنطقة.
وأضاف أن "هناك اختلافات في وجهات النظر في علاقتنا مع الرياض بينها مسألة حقوق الإنسان".
وفي السياق ذاته، تدعو ناشطات سعوديات إلى قيادة المرأة للسيارة، السبت، ضمن موعد محدد مسبقا لكنه يتزامن مع زيارة اوباما.
والسعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي يمنع النساء من قيادة السيارات.