لا يكترث يونس أبو عودة (20 عاما) لتشققات يديه، ونزف جروحه التي تسيل بغزارة، جراء انشغاله في جمع الحصمة (الحصى-الزلط)، بين كثبان الرمال، شمالي قطاع
غزة، فكل ما يتمناه هو أن يُغادر المكان سريعا بعد امتلاء عربته الصغيرة بالحصى، قبل أن يتحول إلى رقم جديد في قائمة المصابين برصاص الجيش
الإسرائيلي.
ويخشى أبو عودة من رصاصات الموت، التي لا يتردد الجنود الإسرائيليون المتمركزون على بعد أمتار من السياج الفاصل على امتداد قطاع غزة، في إطلاقها على كل من يتحرك في تلك المنطقة.
غير أن هذا المشهد المحفوف بالمخاطر، لا يمنع أبو عودة من الخروج في الصباح الباكر يوميا، لجمع الحصمة من المناطق الحدودية، شمالي القطاع، والبحث عن لقمة العيش في "بؤرة الموت والخوف"، على حد قوله.
ويضيف أبو عودة وهو يحاول جاهدا الإسراع في مهمته، خوفا من رصاصات قد تصيبه، كما هو الحال مع العشرات من زملائه، الذين وجدوا في بؤر الموت هذه، مكانا وحيداً للبحث عن مصدر رزق، في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر، في قطاع غزة لمستويات غير مسبوقة.
وتطلق الدبابات الإسرائيلية والآليات العسكرية المتمركزة على حدود قطاع غزة الشرقية، نيرانها الرشاشة بشكل شبه يومي، تجاه خط التماس مع قطاع غزة، وأراضي المواطنين الزراعية ومنازلهم، منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، ما تسبب بقتل وإصابة العديد من الفلسطينيين، بالإضافة لإحداث أضرار مادية كبيرة في ممتلكات ومنازل السكان المحليين.
وتابع أبو عودة: "نتمنى أن تدور عقارب الساعة بسرعة، وتنتهي مهمتنا في جمع الحصمة، قبل أن يقوم الجنود المتمركزون على الحدود بإطلاق الرصاص صوبنا".
ويبدأ أبو عودة عمله منذ ساعات الصباح الأولى وينتهي بعد العصر، في محاولة منه لتوفير لقمة العيش لأسرته وإخوانه الأربعة.
ورغم تلك المخاطرة، إلا أن أبو عودة يحصل في المقابل على مبالغ زهيدة من عمله في جمع الحصمة، لا تكاد تكفي لتوفير قوت يوم واحد لأسرته، بحسب قوله.
وتُباع عربة الحصمة في السوق المحلي-بحسب أبو عودة- بـ (50 شيكل إسرائيلي) ما يعادل 14 دولارا أمريكيا فقط.
وبينما يتساءل عن سبب تعرضهم للاستهداف اليومي من قبل القوات الإسرائيلية، قال أبو عودة: "نحن لا شأن لنا في توتير الأوضاع على الحدود، ولا نضايق الجنود المتمركزين عليها.. وكل ما نقوم به فقط هو جمع الحصمة في أرض مفتوحة ومكشوفة تماما وبأيد عارية".
ويفرض الجيش الإسرائيلي المتواجد على حدود الشريط الساحلي، منطقة أمنية، بعمق يتراوح ما بين 300-500 متر، يمنع الدخول إليها من قبل السكان على طول الحدود الشمالية والشرقية التي تفصل قطاع غزة عن إسرائيل، ويطلق النار على من يقترب منها.
وبحسب بيانات لوزارة الصحة في غزة، فإن ثمانية عمال أصيبوا برصاص الجيش الإسرائيلي ،خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي.
ويعمل عشرات الشبان الفلسطينيين في جمع "الحصمة" المستخدمة في البناء، من المناطق الحدودية، بهدف بيعها لشركات تصنيع الباطون، نظرا لافتقاد السوق الفلسطيني لها، بفعل منع السلطات الإسرائيلية لإدخال مواد البناء لغزة.
وتمنع إسرائيل إدخال العديد من البضائع، وأهمها مواد البناء لغزة، منذ فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية بداية عام 2006، حيث فرضت حصارا مشددا على القطاع.
وسمحت إسرائيل بإدخال كميات محدودة من مواد البناء بداية شهر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، ثم عادت ومنعت إدخالها في الشهر التالي (13 تشرين أول/ أكتوبر 2013)، بدعوى استخدامها من قبل حركة حماس في بناء تحصينات عسكرية، وأنفاق أرضية.
ويتسبب منع إسرائيل لإدخال مواد البناء، وبضائع أخرى كالمواد الخام الخاصة بالمصانع، في تعطل الحركة الاقتصادية في القطاع، وزيادة نسبة البطالة في صفوف السكان.
ويعيش 1.8 مليون فلسطيني في قطاع غزة، في الوقت الراهن واقعا اقتصاديا وإنسانيا قاسيا، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي والمتزامن مع إغلاق الأنفاق الحدودية من قبل السلطات المصرية.
وكان مركز الميزان لحقوق الإنسان، في غزة، أصدر تقريرا في 14 نيسان/ أبريل الجاري، ذكر فيه أن "جامعي الحصى" والحجارة، باتوا هدفا لنيران قوات الجيش الإسرائيلي، التي تواصل استهدافهم بإطلاق النار في المناطق القريبة من الحدود.
وقال المركز الحقوقي، إن قوات الجيش الإسرائيلي المتمركزة شمال وشرق قطاع غزة، "تفتح نيران أسلحتها، صوب عدد من جامعي الحجارة والحصى، بشكل متعمد ما تسبب في إصابة خمسة منهم بجراح متوسطة، وطفيفة".
ولفت المركز إلى أن عملية جمع الحجارة والحصى من مخلفات المباني والطرق المدمرة، والبحث عنها بالقرب من الحدود مع إسرائيل، ظهرت في ظل تشديد الحصار المفروض على قطاع غزة، ومنع السلطات الإسرائيلية إدخال مواد البناء.
وترتفع معدلات البطالة والفقر، وفق وزارة الاقتصاد التابعة للحكومة المقالة في غزة إلى ما يزيد عن 39%.