تعيش الجمهورية الإسلامية
الإيرانية فرحة "انتصار"حليفها في
سوريا بشار
الأسد. وتميزت تصريحات المسؤولين الإيرانيين قبل وبعد الانتخابات التي نظمت يوم الثلاثاء وأعلن عن فوز الأسد فيها بسبع سنوات أخرى في السلطة، مما يغلق الباب أمام أي حل دبلوماسي ويفتح الباب أمام استمرار نزف وسفك دماء السوريين.
وبدت البهجة والاحتفال في تعليقات المسؤولين الإيرانيين من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أية الله علي خامنئي إلى قادة الحرس الثوري الجمهوري الذي قالوا أن لديهم 130.000 مقاتل من الباسيج مستعدون للسفر لسوريا، وحتى محمد جواد ظريف وزير الخارجية الذي استقبل ممثلا عن 30 دولة في مؤتمر لأصدقاء إيران ساخرا من مجموعة أصدقاء سوريا والذي دعا فيها الدول الراغبة بحسم عسكري التخلي عن جهودها، ثم جاء الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله والذي أكمل اللهجة الانتصارية. وليس غريبا أن يشكر الأسد في أول تصريح له بعد إعلان النتائج الانتخابية السوريين أو الموالين وإيران.
فقد استمر الأسد في السلطة ليس بسبب قدراته العسكرية ولكن للدعم المستمر والحاتمي من إيران وروسيا، فهاتان الدولتان اسثتمرتا في الأسد ماليا ودبلوماسيا. ووقفت روسيا أمام كل مشروع قرار في مجلس الأمن ضد النظام السوري، وظلت موسكو تزوده بالأسلحة تحت ذريعة اتمام صفقات عسكرية مبرمة بين البلدين. أما طهران فقد ضخت المليارات في الاقتصاد السوري المترنح وقامت بتدريب قوات الدفاع الشعبي التي تعمل كرديف للجيش السوري الذي لم يعد قادرا على التجنيد بسبب خسائره والانشقاقات وهروب الشباب من الجندية. وبحسب جبين غودارزي الخبير في العلاقات الإيرانية - السورية في جامعة ويبستر في جنيف "تلعب إيران دورا في تمويل آلة الحرب التابعة للنظام السوري فيما يتعلق بالمال والمواد والنفط، ويوفرون كل ما يحتاج إليه النظام"، مضيفا "لا أعتقد أنهم يترددون في تقديم أي شيء يرونه حاسما في المعركة"، فيما نقلت عنه صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور".
حزب الله
وبالإضافة لهذا حفزت إيران وكيلها في المنطقة حزب الله للقتال إلى جانب النظام السوري. وكانت أول مشاركة علنية لحزب الله في القصير العام الماضي عندما ساعد الحزب الجيش السوري على إخراج المقاتلين في البلدة في محاولة لقطع خط الإمدادات عن الثورة من لبنان. وخرج نصر الله حينها مدافعا عن "محور المقاومة" وأنه يدافع عن سوريا لقتال إسرائيل. وكان اعتراف نصر الله بمشاركة جهوده بعد أكثر من عام من النفي حيث قال في البداية إن المقاتلين دخلوا لسوريا للدفاع عن المزار الشيعي، السيدة زينب في جنوب دمشق. ولعل ذريعة المقام هذا هي كانت وراء دخول المستشارين العسكريين الإيرانيين، فعلى خلاف حزب الله لا تزال إيران تنفي وجود قوات لها في سوريا تقاتل إلى جانب الجيش الحكومي، وتؤكد أن دورها استشاري فقط. وقد كشفت وثائق وأشرطة فيديو عن مشاركة للإيرانيين في مدينة حلب، وبثت محطة "بي بي سي" البريطانية العام الماضي فيلما عن مذكرات صحافي إيراني سجل مهام وحدة إيرانية في سوريا وقتل هناك، حيث عثرت فصائل المقاتلين على الأشرطة. ويبلغ عدد "المستشارين" الإيرانيين الذين قتلوا في سوريا حتى الآن 60 مستشارا كان آخرهم عبدالله اسكندري الذي قتل في ريف حماة قبل أسبوع وذلك حسب راديو "زماني" المدعوم من هولندا.
أكبر من دور استشاري
وتتفق معظم التقارير والدراسات التي بحثت حول الدور الإيراني في سوريا بأنه لا يقتصر على المساعدة المالية، اللوجيستية أو الاستشارة وتوفير المعلومات الأمنية بل والمشاركة على الأرض. ويمكن تقسيم الجهود الإيرانية لقسمين رسمي وشعبي، أما الرسمي فبالإضافة لما سبق وذكر تقوم إيران بتحشيد المرتزقة
الشيعة من العراق وإيران ومن أبناء اللاجئين الأفغان في إيران. أما الشق الشعبي فهناك مواقع انترنت تقوم بعمليات تجنيد يشرف عليها مؤيدون للنظام أو من يطلقون على أنفسهم "المدافعون" عن مقام السيدة زينب والتي اعلنت عن استعداداها لإرسال متطوعين لسوريا. وقدر موقع عدد المتطوعين بحوالي 3.107 مقاتل. وتظل هذه جزء من محاولة إيران الحفاظ على الأسد. فقد قررت طهران الدخول في سوريا بقوة في وقت كانت فيه قوات الأسد في حالة الدفاع وقدرت الاستخبارات الأمريكية والغربية أنه لم أمامه في السلطة إلا اشهرا أو أسابيع. ولهذا استدعت شيعة لبنان والعراق وأفغانستان حيث قالت تقارير إن لاجئين من الحرب الأفغانية علقوا وسط الحرب الاهلية السورية كانوا محل اهتمام النظام السوري لتجنيدهم. وتعرض اللاجئون في إيران لنفس العملية. فيتم جذب اللاجئين هناك للقتال في سوريا من خلال تقديم 500 دولار أمريكي لكل متطوع ووعود لعائلاتهم بتسجيل أبنائهم في المدارس الإيرانية ومنحهم الإقامة في إيران. وفي العراق تقوم مكاتب في بغداد باستقبال المتطوعين من "عصائب الحق" حيث تتولى إيران الرحلات والتدريب وتبدأ رحلتهم من العراق عبر إيران وإن قتلوا تعاد جثثهم لإيران ومن ثم العراق حيث يدفنون في مقبرة وادي السلام في النجف. وعادة ما يتم إغراء المتطوعين بالمال والوعود بوظائف جيدة في حكومة المالكي، ولم يكن غريبا ان يتفاخر أحد المرشحين في الانتخابات العراقية الأخيرة بدوره في سوريا. وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في أيار/مايو عن قيام الحرس الثوري الإيراني قام بتجنيد وتدريب اللاجئين الأفغان وأشار التقرير إلى جنازات المقاتلين التي لوحظت منذ بداية تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي. وقال تقرير "وول ستريت جورنال" إن تجنيد الأفغان الشيعة جاء كمحاولة لتعويض خسائر الحرس الثوري في سوريا.
ولا بد من الملاحظة أن الحديث ظل متركزا على دور المتطوعين الأجانب في صفوف المعارضة السورية وعلاقة هذا بصعود تأثير الجماعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة. وكان قرار الرئيس الأمريكي تقديم أسلحة متقدمة نوعا في خطابه الأخير في "ويست بوينت" من اجل أن تكون هذه المعارضة قادرة على هزيمة الجماعات الجهادية وليس حرف ميزان المعركة كما ترى بعض التحليلات السياسية الأمريكية. ويظل عدد المتطوعين الأجانب في صفوف الثورة السورية قليل مقارنة مع المتطوعين الشيعة وهو ما أشارت إليه تقارير أمنية إسرائيلية.
وكانت فصائل المعارضة السورية قد أعلنت أكثر من مرة عن وجود عملاء إيرانيين. ومشاركة عراقيين وحتى يمنيين من الحوثيين في التنظيم العسكري "لواء أبو الفضل العباس". ففي تشرين الأول/ أكتوبر قالت عناصر في الجيش الحر إنها أسرت مقاتلا شيعيا أفغانيا وتم التحقيق معه ونشر مقطع من التحقيق على اليوتيوب. ولم يلفت الأفغان الشيعة الأنظار إلا بعد دخول حزب الله للقصير حيث بدأت صورهم بالتداول. وقي تموز/ يوليو ظهر ملصق لأحد "الشهداء" واسمه سفر محمد خان كواحد من الأفغان الذين لقوا حتفهم في سوريا وكان مزينا بعلم النظام وأفغانستان وحزب الله. ولكن كيف وصل خان لسوريا؟
من أين جاءوا
في دراسة أعدها فيليب سميث عن المقاتلين الشيعة الأفغان في سوريا ونشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى قال فيها إن المقاتلين الأفغان جاءوا من ثلاثة مصادر إما من الشيعة الأفغان في سوريا، او من اللاجئين الأفغان في إيران أو من الأفغان المقيمين في الدول الأخرى. ويعود تاريخ الأفغان في سوريا إلى الثمانينات وفترة التسعينات عندما فر ألفي أفغاني من إثنية "الهزارة" إلى سوريا وأقاموا حول مقام السيدة زينب. وعندما اندلعت الحرب في سوريا وجدوا أنفسهم عالقين في وسطها وتحولوا لنازحين داخليين وانضم بعضهم لـ "لواء أبو الفضل العباس" الذي تكون أصلا من لاجئين شيعة عراقيين في سوريا على شكل لجنة شعبية للدفاع عن المقام، ثم انضم إليهم فيما بعد المتطوعون العراقيون من "عصائب الحق" و "حزب الله" العراقي و"حزب الله اللبناني" حيث وسعوا من قدرات هذا الفصيل.
المجموعة الثانية من الأفغان جاءت من إيران والتي تعتبر الأكبر حسب المصادر الشيعية والصحف الإيرانية. ومعظم هؤلاء من اللاجئين الأفغان، حيث يعيش هناك نصف مليون من الهزارة، وأمضى معظم هؤلاء نصف حياتهم في إيران. وبناء على بيوت العزاء والمأتم التي أقيمت لـ" الشهداء" فقد جاءوا من مختلف المدن الإيرانية من قم وأصفهان ومشهد وطهران. وكان أحد الشباب الذين قتلوا في سوريا وهو أحمد رضا، طالبا في جامعة مشهد ونشرت له صورة وهو يحمل بندقية "إم-4" في سوريا.
المجموعة الثالثة من الأفغان، وهم الأفغان الذين جاءوا لسوريا من بلدان غير سوريا وإيران. وربما جاءوا من أفغانستان حيث أعلن مسؤولون في أفغانستان في نيسان/إبريل أنهم يقومون بدراسة تقارير عن سفر أفغان للقتال إلى جانب قوات الأسد. وتهدد كابول بتقديم شكوى للمفوضية السامية للاجئين حالة ثبت تورط إيران بتجنيد لاجئين أفغان. ويشير التقرير إلى صورة قيل إنها لمقاتل أفغاني شبعي حصل على حق اللجوء في أستراليا.
لواء الفاطميين
يرى سميث أن تغيرا حدث في طبيعة خريطة الفصائل الشيعية المقاتلة في سوريا فلم يعد "لواء أبو الفضل العباس" الوعاء الذي يستوعب جماعات الشيعة من الخارج، بل تظهر الصور والتقارير والمأتم أن بعض الأفغان جندوا ضمن فصيل جديد وهو "لواء الفاطميين"، وتنفي إيران الضلوع في تجنيد أي من الأفغان للواء هذا لكن جنازات من قتلوا من أفراده عادة ما كان يحضرها ممثلون عن الحرس الثوري الإيراني و "مؤسسة شؤون الشهداء والمحاربين القدامى" وهي مؤسسة رسمية. وتكشف التقارير الصحافية الإيرانية أن المقاتلين الأفغان ضمن هذا اللواء ينسقون ويتعاونون مع الفصائل الأخرى مثل "عصائب الحق" العراقية و "لواء ذو الفقار" مما أتاح لهم فرصة المشاركة في كل العمليات العسكرية داخل سوريا. ويلاحظ في هذا السياق أن لواء الفاطميين ربما كان منضويا تحت راية فصيل آخر وهو "حزب الله أفغانستان" وما يدعونا لهذا هو التشابه بين بيانات اللواء والفصيل، ويعتقد أن حزب الله أفغانستان بلور هويته ضمن الجماعات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.
ما الهدف؟
والسؤال هنا إن كان الحرس الثوري الإيراني لديه 130.000 باسيج على أهبة الاستعداد للسفر لسوريا بحسب الجنرال حسين حمداني، فلماذا يستهدف جماعات اللاجئين الأفغان، والجواب مرتبط بالطريقة التي تنظر فيها إيران للمجتمعات الشيعية، وهي محاولة السيطرة عليها واستغلالها في حروبها. فعندما تقوم إيران بتجنيد الأفغان فإنها تهدف لإظهار الدعم الشيعي الكبير للأسد، ولربما جاءت الاستعانة باللاجئين الأفغان وغيرهم كمحاولة يائسة لتعويض الخسائر التي تكبدها الحرس الجمهوري والجماعات الأخرى في سوريا، خاصة أن الأفغان لديهم تجربة عسكرية وخبرات في ساحات المعارك، مع أننا لا نعرف الكثير عن فعاليتهم ودورهم في سوريا. ولربما أرادت إيران الاستفادة من الساحة السورية لتدريب اللاجئين الأفغان وتوجيه قدراتهم نحو أفغانستان مع اقتراب سحب القوات الأمريكية من هناك، وسيكونوا حجر زاوية في توسيع نفوذها في أفغانستان.
خاتمة
منذ بداية الحرب السورية اتخذت طهران قرارا استراتيجيا بالدفاع عن الأسد حتى النهاية وحشدت كل ما لديها من قوى اقتصادية وسياسية وعسكرية وشعبيه لتأمين بقائه في السلطة، بهدف الحفاظ على مصالحها في سوريا والعراق ولبنان. وظلت تنفي انخراطها في الحرب أو ضلوعها في التجنيد والتدريب مع ان بعض التقارير تقول إنها دربت أكثر من 500.000 متطوع سوري وغير سوري. وكما يقول الخبير غودارزي إن فعدد القوات الإيرانية في سوريا يصل الـ 1.000 وتقوم إيران بتدريب آلاف السوريين وتشرف على الميليشيات الشيعية. مضيفا أن "الإيرانيين يحاولون لعب دور بعيد عن الأنظار قدر الإمكان". وأسهمت إيران في السياسات التي تقوم بها الحكومة السورية ولعبت دورا في الوساطة التي أدت لخروج المقاتلين من حمص الشهر الماضي. ونقلت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" عن مسؤول غربي في بيروت قوله "الإيرانيون يقومون بإدارة العرض".