مع ازدياد شدة الحرب في
سوريا، فإن أغلب
النساء الحوامل يعانين ظروفا إنسانية صعبة تؤرق مضاجعهن خوفا على المواليد القادمة، فبعد تعرض 60% من المشافي في سوريا للدمار أو الضرر وسفر كثير من الأطباء، فقد ازدادت مخاطر
الولادة وارتفعت معدلات الوفيات من الأمهات والأطفال حديثي الولادة بشكل ملحوظ.
ففي كثير من المناطق المحاصرة لا تحتوي المشافي الميدانية على التجهيزات الكافية لإجراء عمليات ولادة "قيصرية"، كما هو في مدينة دوما.
وبحسب إفادة أحد الأطباء، فقد قدم إلى المشفى الميداني خمسة نسوة في حالات ولادة طارئة في وقت واحد، وسط انقطاع الكهرباء وقلة التجهيزات المتوفرة، وفي وقت لم تتوفر فيه إلا طبيبة واحدة أعلنت عن خوفها على النساء الخمس وعدم مسؤوليتها عن النتائج، خصوصا أن التخدير المتوفر لا يكفي إلا لنصف حالة فقط، حيث قامت بتوليدهن بدون مخدر بمساعدة نساء من أقاربهن.
ويروي لـ "عربي21"، أنه "كان صراخ المواليد يشق السماء، وتعلو فوق أصواتهم صرخات أمهاتهم اللاتي قضين أشهر حملهن في الجوع والحصار.. بعد أن رأى الطفل الأول النور نقلت الأم إلى الغرفة المجاورة وهي تصرخ من شدة
الألم وترتجف بردا حيث لا يوجد أي وسيلة للتدفئة، لتفسح مجالا للحالة الثانية. تكررت المأساة خمس مرات، وكتب الله للجميع النجاة. كانت الواحدة منهن تطلب "سيروم" لوليدها لأنها لا تستطيع إرضاعه، فنجيبها بالنفي".
حالات عديدة أخرى حصلت في غوطة دمشق فقدت فيهن الأمهات مواليدهن، بسبب نقص الأغذية وصعوبة تأمين الحليب أو نتيجة القصف على بلدات الريف.
في المقابل، أعربت الطبيبة مي عن قلقها المتزايد من ارتفاع عدد حالات الحمل بأجنة مشوهة، على خلفية الغازات المنتشرة في الجو عقب انفجار القذائف بشتى أنواعها.
وتروي لـ "عربي21" أن إحدى الحالات التي عاينتها كان الجنين فيها مشوها بلا أطراف، كما أن حالات الولادة القيصرية ازداد بنسبة 3 إلى 5 أضعاف، حيث تلجأ الأمهات إلى تحديد موعد مبكر للعملية مقدماً في محاولة منهن لتجنب الاضطرار للإسراع إلى المستشفى في ظل ظروف لا يمكن التنبؤ بها، وهي غالباً ظروف خطرة.
وقد تضطر بعضهن عادة إلى المشي أو استقلال الحافلة للرجوع إلى المنزل في غضون ساعات من انتهاء العملية، بسبب انعدام الأمن والخوف من عدم التمكن من الوصول إلى المنزل، كما أن بعضهن لا يرافقهن أزواجهن خوفا من حالات اعتقال تعسفية.
ولكن حتى مع التخطيط المسبق، فقد تتعرض إحداهن لحالة طارئة غير متوقعة كالسيدة "مرام" التي توجهت في حالة طارئة إلى المستشفى، لكنه مع الأسف توفي الطفل عقب الولادة مباشرة بسبب تأخر وصولها إلى المشفى نظرا لاعتراض الحاجز مرور سيارتهم باعتبار أنه "لا توجد حالة طارئة".
أما السيدة هدى فمنعتها إدارة أحد مشافي العاصمة من الدخول لقسم العمليات لأنها نازحة على حد تعبيرهم.
تروي والدتها لـ "عربي21" أنه "بعد أن اشتدت بها آلام
المخاض أسعفناها إلى مشفى حكومي في قلب العاصمة، حيث إنه لا قبل لنا بدفع تكاليف في مستشفى خاص بعد أن قدمنا إلى العاصمة هربا من الغارات الجوية المتلاحقة على الريف. وهناك لم يقبلوا أن ندخلها إلى العمليات رغم صراخها المستمر وتوسلي لهم باعتبار أننا مهجرون ولا نملك أوراقا ثبوتية ما اضطرنا إلى نقلها حالة إسعاف إلى مشفى آخر، وسط خوفنا الشديد من خسارة ابنتي في ازدحام طرقات العاصمة" .
هنا حيث يتسابق الموت والحياة، يعلن الأطفال بصرخاتهم الأولى أملا قادما، رغم المأساة التي ما زالت تعصف بالبلاد وسط خوف على حياتهم وقلق متزايد من عجز تأمين احتياجاتهم الأساسية.