لم تجد عائلة أبو ماهر أمامها من خيار سوى السكن في العراء ونصب خيمة صغيرة داخل إحدى ساحات رمي النفايات في إحدى ضواحي بغداد الفقيرة، بعد ما تهدم بيتها بالكامل بسبب البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات عسكرية عراقية على منازل المدنيين في
الأنبار.
يقول أبو ماهر 45 عاما، النازح من حي الملعب في الرمادي منذ حوالي شهرين، "أسكن أنا وعائلتي المكونة من 9 أفراد في ساحة مخصصة لرمي النفايات، بعد أن تهدم بيتي بالكامل إثر سقوط برميل متفجر ألقته إحدى الطائرات العسكرية".
ويتابع لـ"عربي21": "نجوت بأعجوبة أنا وأفراد أسرتي حيث لم يصيبنا ضرر، فقررت بعدها النزوح عن المحافظة هربا من كثافة القصف، لنجد أنفسنا بين ليلة وضحاها نسكن العراء داخل خيمة لا تقينا حرارة الصيف اللاهبة، إذ لا يوجد فيها أي شيء لا ماء ولا كهرباء ولا طعام، فقط خيمة وبعض الأشياء".
وحول اختياره هذا المكان للسكن، يوضح: "ليس لدي القدرة على استئجار بيت أو الهرب إلى إقليم كردستان مثل باقي النازحين، أنا لست موظفا وأعمل بأجر يومي، كل الذي كان بحوزتي من مال ساعدني على الهرب من الأنبار فقط، وأعيش ظروفا اقتصادية صعبة".
معاناة عائلة أبو ماهر لا تقل عن معاناة من عائلات أخرى هجرت منازلها هربا من العمليات المسلحة حيث سكنت وسط العراء بانتظار الفرج وحل أزمة الأنبار والعودة إلى ديارهم، حيث لم يعد الأمر مستغرباً في بغداد أن ترى كلما تجولت، عائلات بأطفالها ونسائها تتخذ من الأماكن العامة والساحات الخالية والمدارس ودور العبادة أماكن تأويها.
بدوره يقول الحاج أبو يوسف 66 عاما، وعلى وجهه ملامح الألم والحيرة، لـ"عربي 21": "لا أعلم ما ذنبنا نعيش بالعراء المتبقي من عمرنا، كل ما نريده هو أن نعيش بسلام آمنين في ديارنا، أنا أعيش في العراء منذ حوالي 3 أشهر معاناة قاسية بعدما أجبرتنا الأوضاع الأمنية الصعبة في الطارمية على ترك منازلنا خوفا من الاعتقال والخطف على الهوية التي تنفذها الميليشيات، والمواجهات العنيفة المستمرة داخل القضاء بين المسلحين والجيش".
يضيف أبو يوسف: "درجات الحرارة فوق الـ55 درجة مئوية في هذه الخيمة ونحن لا نملك ماء نشربه، ولا نملك سقفاً يؤوينا ويحمينا، أصبحنا نعيش نازحين داخل بلدنا الغنيّ بالنفط"، وتابع: "هناك البعض من أقاربنا يعيشون في حال أسوأ منا، والبعض الآخر منذ 6 اشهر مازال في القضاء محاصر يواجه قذائف الهاون وفرق الموت؛ لأن قوات الجيش لا تسمح لهم بالخروج من المدنية فليس أمامهم إلا تحمل المعاناة، وهم الآن يعيشون مثل حالنا بين الموت والحياة".
أما أم وسام 42 عاما، فتسكن تحت أحد أهم الجسور في بغداد، في خيمة صغيرة مع أطفالها الثلاثة بعدما فرت من عمليات القصف على تكريت شمال
العراق.
وتقول لـ"عربي 21" وهي تذرف الدموع: "أطفالي يعانون من درجات الحرارة القاسية والتشرد سوء التغذية، وضعنا صعب جدا فابني الأكبر حرم من أداء امتحان السادس العلمي، هربنا وتركنا كل شيء حتى بيتنا الذي تعبنا في بنائه هدمه الجيش في دقائق معدودة، وأصبحت أنا وأطفالي بالعراء".
يشار إلى أن النازحين العراقيين الهاربين من الأنبار وصلاح الدين وحزام بغداد المشتعل يواجهون ظروفا معيشية صعبة، ناهيك عن المناخ القاسي جراء ارتفاع درجات الحرارة، وتدهور الوضع الأمني، وقلة المساعدات واحتمال تدفق مزيد من النازحين مع ازدياد المخاوف من حدوث كارثة إنسانية.