كتب مارك ألموند، المؤرخ والباحث في جامعة أوكسفورد البريطانية، مناقشا موقف الحكومة التركية من تقدم تنظيم الدولة المعروف بـ "
داعش"، قائلا إن الجيش التركي القوي لن يقوم بسحق مقاتلي تنظيم الدولة إذا كان هذا التدخل يصب في مصلحة أكراد سوريا ويقوي كيانهم المستقل.
وقال ألموند، الذي يعمل أستاذا زائرا بجامعة بيلكنت في أنقرة، إن الأتراك لن يقوموا بالعمل القذر نيابة عن
الغرب.
ويضيف ألموند، في مقال نشر في صحيفة "ديلي تلغراف"، إن التدخل ضد "داعش" في شمال سوريا يبدو للدول الغربية حلا مناسبا ومنظما، حيث يرغب المسؤولون في واشنطن ولندن والعواصم الغربية بتدمير "داعش" دون أن تتسخ أقدامهم بالتراب.
ويرى ألموند أن فكرة إرسال قوات برية "بساطير على الأرض" تعتبر بالنسبة للرئيس الأميركي باراك أوباما أو رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمرا محرما لا يمكن الحديث عنه. وعليه فكل العيون تتجه نحو الحليف القديم أنقرة، كي تقوم بالمهمة وتحل المشكلة. ولأن
تركيا تتمتع بحدود مع كل من سوريا والعراق يسأل المسؤولون في الدول الغربية، أليست لتركيا مصلحة قومية في تحقيق الاستقرار على الحدود؟
ويمكن لتركيا بجيشها، الذي يعتبر ثاني أقوى الجيوش في حلف الشمال الأطلنطي- الناتو، سحق قوات "داعش" بسهولة، لكن المدرعات التركية أخذت ومنذ أيام مواقعها على الحدود وتراقب من بعيد المعارك الشرسة الدائرة في كوباني، تماما مثل الجيش السوفييتي الأحمر أمام وارسو عام 1944. وبرغم المناشدات المتكررة من جون كيري، وزير الخارجية الأميركي لا تزال أنقرة متفرجا على الأزمة، وفق ألموند.
ويعتقد المؤرخ أن السبب الذي يجعل تركيا مترددة هو أن كوباني بلدة كردية، حيث يطالب الأكراد في تركيا وفي كل أنحاء أوروبا الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان بالتدخل، وحاصر متظاهرون أكراد البرلمان الهولندي. فيما قتل حوالي 14 متظاهرا برصاص الشرطة التركية في احتجاجات، ولكن أنقرة لا تزال تنتظر.
ويمضي ألموند قائلا إن حلفاء تركيا في دول الناتو يعتقدون أن "داعش" هي المشكلة والأكراد جزء من الحل. وفي المقابل تعتبر طموحات الأكراد بإقامة دولة تهديدا على استقرار تركيا، فيما لا تقبل المعارضة السنية لبشار الأسد باقتطاع جزء من سوريا وإقامة دولة كردية عليه.
ويشير الكاتب إلى أن تركيا بالرغم من كونها الحليف الأقدم للناتو، إلا أنها ومنذ عام 2002 تفترق عن حلفائها الغربيين في عدد من القضايا الرئيسية المهمة.
ويذكر الكاتب أن تركيا تحكم ومنذ 12 عاما من قبل حزب العدالة والتنمية، الذي يتجذر في ردود الأفعال الإسلامية على موجة العلمنة، التي اجتاحت البلاد بعد إلغاء مصطفى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية قبل 90 عاما. ومن المثير للمفارقة أن أردوغان ومنذ انتخابه رئيسا للبلاد حقق شعبية واسعة لم يحققها زعيم منذ وفاة أتاتورك عام 1938. ومع ذلك يظل أردوغان الرمز النقيض لمؤسس الدولة التركية الحديثة.
ويواصل ألموند حديثه: لقد حاول أتاتورك إبعاد تركيا عن الدولة العثمانية وعلاقتها بالعرب والمسلمين. وبالنسبة لأتاتورك فأوروبا هي المستقبل، وكان شعاره "إنس الماضي"، لكن العثمانيين الجدد هو الاسم الأوسع لسياسة أردوغان الخارجية. وبالرغم من أن تركيا أردوغان لا تزال وفية لمحاولات الانضمام للاتحاد الأوروبي إلا أن إغراء التضامن مع حماس في غزة والإخوان المسلمين في مصر وسوريا أقوى من الناحية العاطفية.
فقد دعا أردوغان منذ بداية الانتفاضة السورية عام 2011 لرحيل الأسد، ودعم المعارضة السنية، التي لم تتحالف مع الجماعات الكردية. وبالنسبة للأكراد فشروط أردوغان للتدخل في كوباني غير مقبولة، لأنه يطلب منهم العمل مع الجيش السوري الحر.. فهم واعون للعمليات التي قامت بها الجماعات المتطرفة في المعارضة السورية ضدهم، وعنف "داعش" هو أكثر تطرفا، بحسب ألموند.
ويؤكد المؤرخ أنه بالإضافة إلى هذا فالانقسام الطائفي الحاصل اليوم في العراق وسوريا يغلي تحت السطح في تركيا. وتبلغ نسبة العلويين في سوريا الربع من السكان. وبالرغم من أن الباحثين يرون ضرورة التفريق بين علوية تركيا والعلويين في سوريا، إلا أن حزب العدالة والتنمية غالبا ما رفض نقاد أردوغان باعتبارهم من الموالين للأسد. ويرى العلويون في تركيا وحتى في الجيش أن التدخل ضد "داعش" هو أمر والتقدم نحو الأسد في دمشق أمر آخر.
ويجد الكاتب سببا آخر يفسر بطء أردوغان في الرد على كوباني، فإن أخذنا حس الرئيس التركي المسياني بالمهمة وقدرته على تخطي العقبات، التي وقفت في طريقه حتى وصل لهرم السلطة في تركيا، وهو أن أردوغان يقوم بعملية مقايضة مع الغرب.
ويتساءل ألموند: هنا ماذا تريد تركيا الحصول عليه مقابل تدخلها ضد "داعش"؟، فمن المؤكد أنها ستحاول منع نشوء كيان كردي، وفي الوقت نفسه هل سيواصل أعضاء الناتو معارضتهم لدخول تركيا الاتحاد الأوروبي؟ وبالتأكيد لن يتحرك أردوغان طالما لم يسمح باستبدال الأسد بنظام سني.
ويخلص ألموند إلى أن التدخل التركي سيحل مشكلة الغرب، ويحميه من الخسائر البشرية، لكن قرار تركيا سيكون من طرف واحد، ولن يكون للغرب قدرة على التأثير عليه. وقد يختفي "داعش" بسبب قوة النيران التركية، لكن صندوق الأفاعي في الشرق الأوسط سيظل قائما، فهل سترضى إسرائيل عن وصول حلفاء حماس إلى دمشق على ظهر الدبابات التركية.
ويحذر ألموند قائلا إن القفز فرحا على سحق "داعش" أمر يدعو للاحتفال، لكن عندما تنتهي الحفلة ونفيق في اليوم الثاني فسنجد صداعا جديدا في الشرق الأوسط.