اعتصم حوالي ألف رجل من الشرطة
الجزائرية خارج مكتب الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة في الجزائر العاصمة، الأربعاء، للمطالبة بتحسين ظروف العمل في ثالث أيام احتجاجاتهم.
ونادرا ما تنزل قوات الأمن إلى الشوارع للاحتجاج في الجزائر التي هيمن حزب "جبهة التحرير الوطني" والجيش على السياسة فيها منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962، لكن
الاحتجاجات التي يطالب منظموها بوظائف ومساكن وزيادة الأجور كثيرة.
واحتشد رجال الشرطة أمام مدخل المجمع الرئاسي، وهتفوا بسقوط قائد الشرطة، ورددوا النشيد الوطني.
وقال أحد رجال الشرطة المحتجين لـ"عربي21": "سئمنا من هذا الوضع، نريد نقابة تحمينا ،إننا نعيش ظروفا اجتماعية قاسية".
وأضاف: "طيلة فترة تواجدنا هنا، تعرضنا لضغوط شديدة، بين مواطنين يحتجون ويحرقون ويخربون وبين قيادة الشرطة التي دأبت على فتح تحقيقات ضدنا على ما تسميه تجاوزات، هذه الأمور ترهقنا بالتأكيد".
وقال رجل شرطة آخر مشيرا إلى نوبات العمل إنهم واقعون تحت ضغط لا يحتمل بسبب النوبات التي تصل إلى 48 ساعة دون راحة.
وتعليقا على احتجاجات الشرطة، قال الخبير الأمني المنشق عن النظام الجزائري، كريم
مولاي، إن التحركات التي دشنتها قوات الشرطة في مدينة غرداية والتي امتدت إلى العاصمة الجزائر، ووصلت حد تطويق قصر الرئاسية بالمرادية، تعكس طبيعة الصراع السياسي حول رسم مستقبل الجزائر بعد الرئيس الحالي بوتفليقة، على حد قوله.
وأوضح مولاي أن السيناريو، الذي كان قد كشف النقاب عنه في وقت سابق، وهو يتعلق بتهيئة المناخ لخلافة رئيس الحكومة الحالي عبد المالك سلال للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وإعادة أحمد أويحيى إلى رئاسة الحكومة، على حد قوله.
وأضاف: "لا أحد من الجزائريين يشك للحظة واحدة أنه كان بإمكان قوات الأمن، وهي لا تمتلك أي تنظيم نقابي يجمعها، يمكنها أن تقود مظاهرات بالضد عن القانون الذي يمنع التظاهر في العاصمة، بل وتجد الحماية من بقية الأجهزة الأمنية لتصل بزيها الرسمي، لكن من دون سلاح إلى قصر المرادية، في إشارة واضحة إلى أن المطلوب هو الكشف عن مصير الرئيس، وليس فقط تلبية المطالب، التي جرى بشأنها حوار مع مدير الأمن الوطني اللواء عبد الغني الهامل، ووزير الداخلية بلعيز، وإنما هو تصعيد الموقف لكي تظهر الحقيقة جلية أمام أعين الرأي العام الجزائري، من أن الرئيس بوتفليقة لم يعد قادرا على القيام بمهامه، ولا يستطيع أن يتدخل في ظرف يتعرض فيه أمن الجزائر إلى التهديد".
وأشار مولاي، إلى أن الساحة السياسية في الجزائر تبدو الآن مهيأة للإقدام على خطوة نوعية في الانتقال السياسي في الجزائر بشكل سلس، وقال: "لقد تأكد بالملموس أن الشعب الجزائري وقواه السياسية المعلنة والمعروفة، بما في ذلك أحزاب المعارضة التي اجتمعت مؤخرا، ليست قادرة على تحريك الشارع، وأن قوات الأمن التي تظاهرت في سلاسل بشرية فاجأت الجميع، وأحدثت بلبلة في الشارع الجزائري، وهي بلبلة لا أعتقد أنها ستدوم طويلا، إذ سرعان ما ستتدخل الأطراف المؤثرة في جناحي الرئاسة والجيش لحسم الأمور والإقدام على الإخراج السياسي للتغيير على نحو هادئ، ويمكن من مواجهة عاصفة التغيير الإقليمية والدولية بأقل التكاليف الممكنة".
وأكد مولاي أن تمسك قوات الشرطة برحيل مدير الأمن الوطني اللواء عبد الغني الهامل ورفض السلطات الرسمية لذلك من شأنه أن يحدث إرباكا في الجزائر، ويعقد عملية التوصل إلى حلول مرضية لجميع الأطراف.
وأضاف: "الجزائر دخلت الآن سكة التغيير، وهو تغيير سيأتي من فوق هذه المرة، ومن داخل النظام نفسه وليس من خارجه"، على حد تعبيره.
ونظم ضباط مدينة غرداية الصحراوية التي تبعد نحو 600 كيلومتر عن العاصمة، الاثنين الماضي مسيرات احتجاجا على ظروف العمل واضطرارهم إلى التعامل مع العنف، إثر اندلاع اشتباكات في المدينة أسفرت عن مقتل شخصين وأحراق عدد من المحال التجارية.
والمنطقة مسرح معتاد للاشتباكات التي يتسبب فيها صراع على الوظائف والمساكن والأراضي.
وليس من المرجح أن تتسبب احتجاجات رجال الشرطة في انفلات أمني في وقت يتجنب فيه الجزائريون الاضطرابات والقلاقل بعد حرب التسعينات بين الجيش ومواطنين التي قتل خلالها 200 ألف شخص.