في إحدى ساحات إسطنبول الشهيرة "أكسراي" يرسم الثلاثيني وسيم الهارب من لهيب الحرب في
سوريا خطوط رحلته عبر "قوارب الموت" مع أحد
المهربين قاصدا
أوروبا "أرض الأحلام" كما يرسمها لاجئون سوريون في مخيلتهم.
رحلة يعلم اللاجئ السوري أنه قد يلاقي حتفه فيها، إلا أنها "تذكرة" الدخول الوحيدة "لحياة أفضل" بعد أن استعرت نيران الحرب في البلد الأم.. ولفظته الدول المضيفة للاجئين أو ضاقت به بما رحبت.
هذا الأمر دفع مئات العائلات السورية التي حرمها النظام السوري من إصدار جوزا سفر للتوجه لشبكات تهريب البشر التي تعمل على استقطاب المهاجرين من خلال العلاقات الشخصية وصفحات التواصل الاجتماعي التي غصت بمئات الصفحات على موقع الفيس بوك تحت اسم "الهجرة من
تركيا لأوروبا عبر القوارب".
لقاء بمهربين
أين يبدأ خط الرحلة وأين ينتهي؟ تتبعت "عربي21" مسار رحلة قوارب
الهجرة غير الشرعية التي أودت بحياة المئات غرقا في قعر البحر بينهم أكثر 500 لاجئ سوري حسب تقارير حقوقية دولية.
قادنا التقصي من خلال سوريين انتهى بهم المطاف في أوروبا إلى "سماسرة" وشبكات لتهريب اللاجئين عبر البحر إلى أوروبا، منهم سوريون و عراقيون و أتراك.
واستطاعت "عربي21" اللقاء بأحد السماسرة وهو "سوري الجنسية" و يدعى أبو ناصر كان له اليد الطولى بتهريب لاجئين إلى أوروبا عبر بحر ايجه نحو اليونان ومن ثم إلى الدول الإسكندنافية.
السمسار أبو ناصر لديه قائمة بكلفة التهريب تتفاوت بين 1500 يورو إلى 2500 يورو حسب جودة القارب الذي سيقل المهاجرين إلى أرض جديدة أو إلى حتفهم الأخير في قعر البحر.
فحسب لائحة أسعار المهرب تنقسم "قوارب الموت" التي تنقل المهاجرين إلى عدة أنواع تبدأ بالمطاطية بتكلفة 1400 دولار ـوغالبا ما تغرق في البحرـ و اليخت السياحي بتكلفة 2500 يورو، وتشترك جميع هذه القوارب بأنها تحمل أضعاف ما هو مخصص لها من مقاعد.
ويشترط المهربون على المهاجرين "وضع مبلغ مالي في مكتب تأمين في إسطنبول مزود بكلمة سر، وفي حال وصول المهاجر لمبتغاه يقوم بإعطاء كلمة السر للمهرب في المركب للحصول على أجرة التهريب فيما بعد".
أما في حال إلقاء القبض على مركب المهاجرين من قبل خفر السواحل اليوناني وإعادتهم من حيث أتوا لا يحصل المهرب على كلمة السر، على حد قوله.
هذا ووقعت تركيا اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوربي تنص على رفع فيزا "تشنغن" عن مواطنيها، مقابل إعادة السوريين غير الشرعيين ممن يحملون إقامات تركية ولديهم بصمة في تركيا.
وتنطلق رحلات أخرى من مدينة مرسين التركية إلى إيطاليا بنفس التكلفة، وتشير التقديرات إلى أن ما يزيد عن 100 ألف نازح من سوريا قد وصلوا إلى سواحل إيطاليا خلال العام الحالي.
حكايات قوارب الموت
سوريون باتوا اليوم في أوروبا يستذكرون رحلتهم مع قوارب الموت وزيف وعود المهربين التي كانت ستقودهم إلى قاع البحر.
يقول عماد الذي دخل السويد بواسطة مهربين من تركيا إلى اليونان "إنه اتفق مع المهرب أن يأخذه بقارب سياحي من ثلاث طوابق، حيث لا يتجاوز سعة اليخت خمسة وعشرين راكبا -كما هو متفق عليه- ليصدم بالواقع ويجد نفسه بقارب شراعي يحمل خمسة وثمانين راكبا".
ويقول عماد لـ"عربي21" إن القارب مكون من ست غرف فقط مساحة الغرفة الواحدة متر ونصف، وضعوا في كل منها أربعة عشر شخصا بين نساء وأطفال وشيوخ، وبعد أن انطلقنا أضاع القبطان وجهته، فوجدنا أنفسنا بعد عدة ساعات في المكان ذاته، و كان القارب يهتز بشدة والموج مرتفع جدا، أراد القبطان العودة إلى تركيا لكن المهرب رفض ذلك وهدده بالقتل، واستغرقت الرحلة ثماني عشرة ساعة وتعطل أثناءها المحرك، لكن الموج قذفنا للشاطئ بعد ساعتين من تعطل المحرك، كنا بحالة رعب ودوار، خوف حقيقي لم نشهده من قبل".
و لم تكن رحلة أميمة وأحمد مختلفة كثيرا، حيث كانت معاناة طويلة وشاقة، خرجت بهذه الرحلة، أملا بحياة أفضل لها ولعائلتها في أوروبا، إذ خرجت هي وزوجها من تركيا ومعها ستة أطفال طُلب منهم التزام الصمت وعدم إصدار أي جلبه خلال الرحلة، وتقول إن "المهربين لم يزودوا الركاب بطعام وشراب كافيين وعمدوا إلى وضع الشبان في أسفل القارب هو مكان أشبه بالمعتقلات عانوا فيه من نقص الأكسجين، بينما تركوا سطح القارب للنساء والأطفال والشيوخ".
تقول أميمة لـ"عربي21" إن "أجرة المهربين تبدأ من ألفي يورو للراكب الواحد و هي أشبه بالسوق السوداء وتخضع للتفاوض، حيث انطلقنا من مدينة مرمريس الساحلية في تركيا صوب اليونان واستغرقت الرحلة سبع ساعات، وقبيل الوصول لم يستطع القارب أن يرسو على الجزيرة اليونانية خوفا من خفر السواحل، لذا قام القبطان بإطفاء أضواء القارب محاولا الاقتراب من الشاطئ فارتطم القارب بجرف صخري، عندها حاول المهرب ترك الركاب والهروب بقارب صغير لكننا لم نسمح له وتحت ضغط الركاب فقد القارب وأفلت منه في البحر".
وتتذكر أميمة ما حدث مع سيدة تدعى أم محمد التي ماتت بالسكتة بعد ارتطام القارب وقالت "كان الظلام حالكا والخوف والترقب يسيطر على الجميع، فجأة وقعت على الأرض، حاول الشبان إسعافها لكنها لم تستجب توقف قلبها و توفيت ببساطة".
وتتابع "جاء خفر السواحل اليوناني واتهمونا بالإجرام، قالوا إنكم مجرمون وستحاسبون عن هذه المرأة المتوفية، أنتم من قتلها كنا مبللين ونرتجف من البرد وأخذوا منا هواتفنا، تركونا في الخلاء بعد أن تبللت ثيابنا بالعاصفة المطرية، نقلونا لمكان مفتوح في شرفة تابعة للمخفر، كنا 75 شخصا، تركونا في الهواء الطلق، لا نملك سوى أكياس للنوم، قديمة ورائحتها كريهة.. كان الوضع سيئا جدا جدا".
قصص أخرى للاجئين ناجين من الموت يؤكدون قيام بعض المهربين بتدريب الشباب المهاجر على قيادة القارب، وعند الوصول إلى نقطة معنية يتولى اللاجئ قيادة القارب لنقطة الصفر تخوفا من اعتقال المهرب والقبطان بتهمة الإتجار بالبشر، بينما يقوم مهربون بإنزال اللاجئين في الماء وعلى مقربة من الشاطئ حيث يضطرون للمشي أو السباحة في المياه الضحلة نحو اليابسة.
معاناة لا تنتهي
ولا تنتهي معاناة السوري بوصوله لليونان، إذ عليه البحث عن مهربين جدد لنقلهم أما بحرا أو جوا أو برا إلى الدول الإسكندنافية، ومن طرق التهريب برا عبر ألبانيا ومقدونيا، يروي الشاب السوري حمزة تجربته مع التهريب برا يقول إنه "اعتقل ثلاث مرات خلال رحلته في ألبانيا ومقدونيا الدولة الاشتراكية التي لا ترى مشكلة في اعتقال السوريين" على حدّ قوله.
و يستذكر حمزة قصة سيدة تعرضت هي وأطفالها الأربعة لحادث سير، "ورغم دخولها المستشفى لم يفرجوا عنه وأعادوها للاعتقال، وقد يستمر الاعتقال من يوم لستة أشهر فهناك أناس قابعون في سجن "غازي بابا" بمقدونيا منذ أشهر".
الاندماج مع بلد المهجر
و تختلف قدرة المهاجرين على الاندماج في الدول الأوروبية حسب خلفياتهم الثقافية، فحسب المرشدة الاجتماعية والقانونية كارلا حبيب -المكلفة من قبل الحكومة السويدية للإشراف على شؤون اللاجئين في السويد- "أهل المدن أكثر قدرة على التأقلم من سكان القرى، فهم أسرع في تقبل الحياة الجديدة".
أما عن أعداد السوريين القادمين من الأراضي السورية مباشرة إلى السويد تقول حبيب إن نسبتهم لا تتجاوز عشرين بالمئة من حجم اللاجئين الذين جاء أغلبهم عن طريق أوربا الشرقية وإسبانيا وتركيا وتقول إن هناك "حديثا للتركيز أكثر على استقدام لاجئين من المخيمات ولبنان والدول المجاورة، وهناك خطة لاستقبال حتى نهاية 2015 مئة ألف سوري".