أعلنت الولايات المتحدة وكوبا، الأربعاء، عن بدء تقارب تاريخي بينهما بعد أكثر من نصف قرن من التوتر المتوارث من حقبة الحرب الباردة، مع وعود بالعمل على إعادة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء وعلى تعاون اكبر في المجال الاقتصادي.
وأعلن الرئيس الأميركي باراك
أوباما، الأربعاء، فتح "صفحة جديدة " في العلاقات مع
كوبا ملتزما بان يبحث مع الكونغرس رفع الحظر المفروض على الجزيرة منذ نصف قرن.
وقال أوباما في خطاب تاريخي من البيت الأبيض، إن "عزل كوبا لم يعط نتيجة"، داعيا إلى اتباع "نهج جديد" ومعلنا بالإسبانية "نحن كلنا أميركيون".
من جانبه أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون استعداد المنظمة للمساعدة في تحسين العلاقات بين الجانبين. كما عبر البابا فرنسيس عن ارتياحه الكبير لما وصفه بأنه "قرار تاريخي" كما شكره أوباما على دوره في هذا التقارب بين بلدين لا يفصل بينهما سوى مضيق فلوريدا و150 كلم.
وسرعان ما رحب رؤساء أميركا اللاتينية بإعلان أوباما وكاسترو الذي وصفه الرئيس الفنزويلي نيكولا مادورو بأنه "تصحيح تاريخي".
وقال مادورو خلال قمة ميركوسور، السوق المشتركة التي تضم البرازيل والأرجنتين وفنزويلا والأوروغواي وباراغواي، في بارانا شمال الأرجنتين، "نحن نشهد الآن يوما تاريخيا".
وأضاف أن تطبيع العلاقات يرمز إلى "انتصار الأخلاق والقيم. إنه انتصار لفيديل
كاسترو، انتصار تاريخي لشعب كوبا".
ورحب وزير خارجية ألمانيا فرانك-فالتر شتاينماير بما وصفه بأنه "نبأ سار جدا في هذه الأوقات الحافلة بالنزاعات". وأضاف "في بيان أكن الكثير من الاحترام لشجاعة الرئيس أوباما بإنهاء سياسة عمرها ستة عقود لم تسفر سوى عن تكريس الأمر الواقع ، وغياب الحوار والفرص".
وقال وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس في بيان "أحيي الإعلان الذي يفتح كما رغبت بذلك فرنسا منذ فترة طويلة المجال أمام التطبيع التام، وكما آمل، رفع
الحصار المفروض على هذا البلاد في نهاية المطاف".
وقال أوباما، الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة، في كلمة بمناسبة وصوله إلى البيت الأبيض "هناك تاريخ من العلاقات المعقدة بين الولايات المتحدة وكوبا، لكن الوقت حان لفتح صفحة جديدة"، معلنا عن فشل سياسة العزل ضد النظام الكوبي.
في الوقت نفسه، أعلن الرئيس الكوبي راول كاسترو من هافانا أنه اتفق مع أوباما على إعادة العلاقات الدبلوماسية.
وأضاف في خطاب بثته وسائل الإعلام الرسمية "هذا لا يعني أن المشكلة الرئيسية أي الحصار الاقتصادي تمت تسويتها". وفرض الحظر في عهد الرئيس الديموقراطي جون كينيدي في 1962.
ووعد أوباما بمناقشة مسألة الحظر في الكونغرس، لكن النقاش يتوقع أن يكون صاخبا.
وأشاد الرئيس الكوبي راؤول كاسترو بالتبادل التاريخي للسجناء مع الولايات المتحدة وأثنى على الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
وقال كاسترو في خطاب تلفزيوني أثار مشاعر البهجة في شوارع هافانا حيث ينظر إلى الجواسيس الكوبيين على أنهم أبطال "نحتاج أن نتعلم العيش سويا بطريقة متحضرة رغم خلافاتنا".
وقال "أود أن اشكر الفاتيكان على دعمه وخصوصا البابا فرنسيس".
وسيبدأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري "فورا" مباحثات لإعادة العلاقات الدبلوماسية على أن تفتح سفارة أميركية في هافانا خلال "الأشهر القادمة" وهو امر ظل لفترة طويلة غير مطروح.
وإثر خطاب أوباما، أعلن البيت الأبيض أن قيام الرئيس الأميركي بزيارة إلى كوبا ليس "مستبعدا".
وأضاف المتحدث جوش أرنست "ليس هناك أي شيء مقرر حتى الآن (..) لكني لا استبعد زيارة رئاسية" لكوبا مؤكدا أن أوباما "إذا سنحت له فرصة للزيارة فإنه لن يفوتها".
ومن بين الإجراءات المعلنة لتحسين المبادلات الاقتصادية، أن يسمح للأميركيين باستخدام بطاقات الائتمان في كوبا، وللشركات الأميركية بفتح حسابات في المصارف الكوبية، وبتصدير بعض أجهزة وبرمجيات الاتصالات لتحسين خدمات الإنترنت.
وسيسمح للمسافرين الأميركيين بجلب ما قيمته مئة دولار من التبغ بما في ذلك السيجار الكوبي الشهير.
ولكن لن يسمح بعد بالزيارات السياحية البحت إلى كوبا، مع تسهيل الإجراءات لسفر الباحثين والمدرسين والصحافيين وحتى الزيارات العائلية.
وقال مسؤول أميركي إن الرئيس السابق فيديل كاسترو الذي أخلى منصبه لأخيه راول في 2006، لم يشارك في مباحثات التقارب. واشتهر كاسترو بخطاباته الطويلة التي كان يتهجم فيها على العدو الأميركي الإمبريالي البغيض.
وأعلن عن التقارب بعد أن توصل البلدان إلى اتفاق لمبادلة سجناء تم بفضله الإفراج عن الأميركي الآن غروس (65 عاما) لقاء الإفراج عن ثلاثة كوبيين أدينوا بالتجسس هم جيراردو هرنانديز ورامون لبانينو وانطونيو غيريرو.
وقال الرئيس كاسترو إن الكوبيين الثلاثة الذين تعتبرهم هافانا "أبطالا" وصلوا إلى كوبا الأربعاء.
وأضاف "عاد جيراردو ورامون وانطونيو اليوم إلى وطنهم". وأوضح "لأسباب إنسانية عاد المواطن الأميركي ألان غروس اليوم أيضا إلى بلاده".
واشترطت واشنطن دائما الإفراج عن غروس المتعاقد مع وكالة المعونة الأميركية الذي أوقف في 2009 في كوبا وحكم عليه بالسجن 15 عاما لأنه ادخل معدات للاتصال عبر القمر الاصطناعي ممنوعة في كوبا.
كما أعلنت الولايات المتحدة عن الإفراج عن كوبي كان يعمل لصالح الاستخبارات الأميركية ولم يكن سوى قلة يعرفون بوجوده.
وقال أوباما "مقابل الكوبيين الثلاثة، أفرجت كوبا عن أحد أهم عملاء الاستخبارات الأميركيين في كوبا، والذي كان مسجونا منذ قرابة عشرين عاما (...) إنه الآن بأمان لدينا".
وعرض التلفزيون الكوبي لقطات للثلاثة المفرج عنهم وهم يحتضون كاسترو وأقاربهم وأصدقائهم ومسؤولين بالحكومة.
ومنذ تولي راول كاسترو الحكم، ظهرت بوادر خجولة للانفراج بين البلدين حيث خفف أوباما قيود السفر إلى كوبا. وفي كانون الأول/ديسمبر 2013، تصافح أوباما وكاسترو في جوهانسبورغ خلال حفل تأبين نلسون مانديلا.
وتبادل الجانبان إشارات المودة في إطار مكافحة إيبولا حيث أرسلت كوبا مئات الأطباء والممرضين إلى غرب إفريقيا رغم إمكانياتها المتواضعة. وفي حدث نادر، حيا كيري جهود كوبا.
ورغم اتباع واشنطن سياسة حازمة إزاء كوبا، أبدت استطلاعات الرأي أن غالبية الأميركيين يؤيدون تغيير السياسة إزاءها بما في ذلك سكان فلوريدا حيث تعيش جالية كبيرة أميركية كوبية مناهضة لنظام كاسترو.
ومنذ 50 عاما، هاجر مئات الآلاف من الكوبيين معظمهم إلى الولايات المتحدة. وإلى أوائل المهاجرين السياسيين في بداية الثورة، أضيف آلاف من المهاجرين لأسباب اقتصادية ظلوا على علاقة مع وطنهم الأم.
وقال بان كي مون أثناء ترحيبه "الحار" بإعلان التقارب إنه مستعد لمساعدة البلدين على تطبيع علاقاتهما.
وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في آخر جلسة موسعة في أيلول/سبتمبر وككل سنة قرارا يطالب بإنهاء الحظر الأميركي المفروض على كوبا.