أثار التقرير الذي نشرته صحفية "النهار" اللبنانية، المقربة من تيار الرابع عشر من آذار لأحد صحفييها موجة من الانتقادات والاتهامات للصحيفة، ووصفها البعض بـ"العنصرية"، وأنها تأتي في إطار حملة التحريض ضد المواطنين السوريين المقيمين في لبنان.
وشن ناشطون وحقوقيون، هجوما على"النهار" بسبب نشرها تقريرا بعنوان "الحمرا ما عادت لبنانية.. التوسّع السوري غيّر هويّتها"، أورد فيه الكاتب إشارات إلى ما سماه بـ" التغيير الديموغرافي الذي طرأ على منطقة الحمرا وشارعها الذي يعد أحد أشهر الشوارع في العاصمة بيروت، سببه الوجود السوري، بل إن "اسمها تغير من الحمرا إلى السودا" بحسب الكاتب .
غضب أصحاب المحلات والمطاعم
التقرير المثير للجدل أثار غضب أصحاب المحلات والمطاعم بالحمرا، فأصدروا بيانا يهاجم الصحفية، ويعتبر المنشور أساء "ليس للمنطقة فقط (الحمرا) بل لشعب بأكمله، بلغة عنصرية مهينة"، وقال البيان إن"الحمرا منطقة من بيروت التي صنعت تاريخها على الانفتاح وتقبّل الآخر واحتضانه هاربا من الظلم، حتى في أسوأ أيام الحرب الأهلية اللبنانية"، بحسب البيان.
فيما انتقد قانونيون التقرير وقالوا إنه يحمل دلالات عنصرية تجاه الآخر عندما تحدث عن "أناس كثر من أصحاب البشرة السمراء يعرفها اللبناني بإتقان أنها ذات هوية سورية أصبحوا ينتشرون في المنطقة، حتى أمست الحمرا في أيدي الأشقاء أو الغرباء سياحة، عمالة وتسول"، على حد تعبيره.
حملة "أسمر يا أسمراني"
وأطلق ناشطون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "هالأسمر اللون"، تنديدا بتقرير "النهار"، وأطلقت حملة أخرى بعنوان "أسمر يا أسمراني مين دلّك عالحمرا" يسخرون فيها من كاتب التقرير بعد أن تبين أنه ينتسب لمنطقة فقيرة معظم سكانها من الفقراء، بينما يندد البعض الأخر بما أسموه بـ"العنصرية لدى ملاك الصحيفة".
وتفاعل سياسيون وإعلاميون مع الحملة، ونشروا تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" ترفض ما جاء في التقرير، حيث قال الزعيم الدرزي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في تغريدة له "بعرف أن الحمرا رجعت إلى ما كانت عليه، كل عمرها متعددة الجنسيات وهذا ما يجعلها جذابة"، بينما انتقدت الإعلامية ندى عبد الصمد ما نشرته الصحفية بالقول "ما الذي جرى للنهار؟ مقال عنصري يثير
عاصفة انتقادات يعتبر أن الوجود السوري غيّر منطقة الحمرا وحول لونها إلى أسود".
عنصرية مرفوضة
وبدوره اعتبر الناشط الحقوقي وأستاذ القانون الدولي الدكتور طارق شندب أن التقرير يعبر عن عنصرية مرفوضة، ضد اللاجئ السوري الذي اضطر الى اللجوء إلى لبنان أصلا بسبب "مشاركة فريق سياسي لبناني بالقتال إلى جانب النظام السوري"، في إشارة إلى القتال الذي يخوضه حزب الله إلى جانب نظام بشار الأسد.
وأشار شندب في حديثه لـ"عربي21" إلى أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان كان قبل مشاركة حزب الله في القتال في سوريا في يبرود والقلمون والقصير نحو 100 ألف لاجئ، غير أن العدد ارتفع بعد هذه المشاركة، وما نسبته 80% من اللاجئين هم أصلا من هذه المناطق".
حفظ حقوق اللاجئين
وقال "شندب" إن الدولة اللبنانية موقعة على اتفاقيات دولية تحفظ حقوق اللاجئين، مضيفا "يجب عليها أن تتحمل مسؤولية إنسانية وأخلاقية وحقوقية، وأن تحفظ لهم كرامتهم، وأن تقدم لهم حقوقهم في الطبابة والتعليم"، وقال إن "العمال السوريين موجودون أصلا قبل الثورة، إضافة إلى أن كثيرا ممن يأتون إلى لبنان يشاركون في حركة الاستثمار ودعم الاقتصاد".
وأبدى شندب استغرابه من نشر صحيفة "النهار" هذا التقرير، معتبرا أن ما جاء فيه هو امتداد لحملات التحريض "التي يقودها فريق سياسي معين، لم يكتف بالتوجه إلى السوريين وقتلهم في بلدهم، بل يحرض عليهم في بلد لجؤوا إليه عبر حملات إعلامية وتشريعات وقوانين تستهدف وجودهم".
"النهار" وشبه اعتذار
وفي محاولة لاحتواء ردود الفعل الغاضبة أُصدرت صحيفة "النهار" بيانا أشبه بالاعتذار عن التقرير قالت فيه إنه "لا يمكن أن يعبّر عن قيم النهار، ولا يعكس خطها التحريري العام، بأي شكل من الأشكال"، مضيفة أن "الزميل الذي كتبَ المقال قام بنقل مشاهداته الخاصة، وتصريحات من التقاهم في شارع الحمرا، وإنْ ضمّنها بعضا من انطباعاته الشخصية، التي لا تعكُس الخط التحريري العام للصحيفة".
يذكر أن نشر التقرير تزامن مع بدء الحكومة اللبنانية فرض تأشيرة مسبقة على السوريين الراغبين بدخول لبنان، إضافة لجملة من الإجراءات التي تتعلق بالعمال السوريين في البلاد، حيث أصبح العامل بحاجة لكفيل لبناني لتكون إقامته في البلاد قانونية.