كان أطفال مخيمات النزوح في منطقة "اليمضية" المتاخمة للشريط الحدودي مع تركيا بأحذيتهم القديمة والمهترئة وملابسهم كبيرة المقاس؛ فرحين بقدومنا إليهم، يقولون لنا: "صورونا كيف عمل المطر فينا"، ساهين عن مشاكل الكبار الذين يفتقرون للخيم والأغطية، والذين ما فتئوا يرددون عبارة "رح نموت من البرد".
عشرات العائلات السورية النازحة لم تجد مكاناً تحمي فيه أطفالها من العاصفة التي اجتاحت المنطقة قبل أيام، بعد أن اقتلعت الرياح الخيام وضاعفت من المأساة، فمنهم من انتقل إلى الأراضي التركية بمساعدة الجيش التركي، ومنهم من فضل الذهاب إلى مناطق مجاورة أكثر أمناً، إلا أنهم لم يجدوا متسعاً يستقبلهم بسبب تأذي الجميع من هذه العاصفة.
أبو خالد، رجل عجوز طاعن في السن، استقبل ابنه العاجز، بعد أن دمرت الرياح خيمة الأخير، ولم تكن خيمة الوالد في مأمن أيضاً، حيث تهتكت وتمزقت بشكل شبه كامل لكثرة الأمطار المتساقطة.
ثلاثة مخيمات رئيسية تنتشر في المنطقة هي مخيم "التنسيقية" ومخيم "الزيتونة" ومخيم ثالث ملاصق للشريط الحدودي مع تركيا. ومنذ أربعة أشهر بدأ كل مخيم يتوسع بشكل عشوائي مع هجرة من تبقى من السكان في القرى القريبة بسبب الاشتباكات.
ويبلغ عدد سكان هذه المخيمات أكثر من عشرة آلاف نازح على الشريط مع تركيا، إضافة إلى مخيمات أخرى ونازحين يقطنون في كل من قرى اليمضية وأوبين والزيتونة وخربة الجوز، التي يبلغ عدد
النازحين فيها أكثر من عشرين ألف نازح.
وهؤلاء النازحون يعانون الفقر بعد أن فقدوا معظم أرزاقهم وممتلكاتهم، وغالبيتهم من أهل
ريف اللاذقية الذين تركوا قراهم بسبب شدة القصف، لا سيما من مناطق التركمان والأكراد، كقرية ربيعة والخضرا وقرية عكو في جبل الأكراد.
الأستاذ محمود، مدير مدرسة اضطر إلى النزوح لأنه لم يعد قادراً على حماية أطفاله، فحملهم إلى خيمة صغيرة بجانب مخيم صغير حديث لا يحوي أياً من الخدمات الأساسية. حاول الأستاذ محمود الاستعداد للعاصفة، وثبّت خيمته بشكل جيد على حد قوله، لكنه تفاجأ في بداية العاصفة بوقوع الخيمة على رأس أطفاله بعد أن عاد من المدرسة التي أقفلت لأيام أيضاً.
واقتلعت العاصفة الخيام الستة لمدرسة اليمضية التي تحوي عشرات الأطفال، ولم يبق إلا قليل من المقاعد تشير إلى وجود آثار المدرسة التي توقفت حتى إشعار آخر.
وقدمت المنظمات الإغاثية كل أنواع الدعم المتاح، ومن بين هذه المؤسسات "منظمة الشام الإسلامية" التي سارعت إلى تقديم كل أنواع العون لا سيما من خيام وأغطية للأطفال الصغار، وقام الدفاع المدني بإمكانيات محدودة بمساعدة النازحين وحاول إعادة إعمار المخيمات، في حين لم تسجل أي إصابة مرضية بسبب انخفاض درجات الحرارة مع تساقط الثلوج الذي من المحتمل ان يستمر لعدة أيام. ويخشى أن يحمل اليومان القادمان مزيدا من التعب والشقاء على سكان المخيمات، وخصوصاً الأطفال الأكثر تضرراً من ويلات العاصفة في ظل النزوح.