أربع سنوات تمر اليوم علي "
موقعة الجمل"، التي سقط فيها 14 قتيلا و1500 مصاب، وفق وزارة الصحة
المصرية، والتي تعد الحادث الأبرز إبان ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، التي أنهت حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.
ووصفت الموقعة، التي استمرت على مدى يومي 2 و3 شباط/ فبراير 2011 بأنها "النقطة المفصلية" إبان الثورة، حيث جاء هجوم أنصار مبارك بالجمال والبغال والخيول على المعتصمين المطالبين برحيله بميدان التحرير (وسط القاهرة)، لينهي تعاطفا كان قد أبداه البعض مع خطاب "عاطفي" ألقاه مبارك في مساء 1 شباط/ فبراير 2011، وزادت المواجهات من تمسك الشباب باستكمال ثورتهم حتى رحيله.
بدأت أحداث "موقعة الجمل" في اليوم التالي لخطاب مبارك، الذي وصف حينها بـ"العاطفي"، حيث إنه تعهد بعدم الترشح مجددا في الانتخابات الرئاسية، وقال إنه "ولد وعاش في هذا البلد وحارب من أجله وسيموت على أرضه"، مطالبا المعتصمين بمغادرة ميدان التحرير.
وجاء خطاب مبارك مساء يوم كان قد شهد مظاهرات مليونية، وصفت أنها الأكبر منذ بداية الاحتجاجات ضد حكمه.
وبينما كان قطاع ليس بالقليل من الشعب المصري يتجه للتعاطف مع مبارك، جاء هجوم أنصاره في اليوم التالي بالجمال والبغال والخيول على المتظاهرين السلميين بميدان التحرير، ليزيد من تمسك الشباب باستكمال ثورتهم.
وينظر مصريون لهذه الموقعة، التي اصطلح على تسميتها إعلاميًا باسم "موقعة الجمل"، باعتبارها دليلا على أن نظام مبارك بات هرمًا، فعجز عن مواجهة شباب "فيسبوك" الذي صنع الثورة بالحوار، فلجأ إلى الهجوم عليهم بأساليب تشبه معارك العصور الوسطى.
واستمرت موقعة الجمل الحديثة لمدة يومين متواصلين، نجح خلالها الشباب في التصدي لمن وصفوا بـ"البلطجية" (الخارجين عن القانون) الذين جاءوا للانقضاض على المتظاهرين في ميدان التحرير لإرغامهم على إخلاء الميدان بوسط القاهرة، إلا أن ذلك زاد من عزم المعتصمين على الاستمرار في ثورتهم، حتى اضطر مبارك للتنحي في 11 شباط/ فبراير 2011.
ومع منتصف يوم 2 شباط/ فبراير، أعلن التليفزيون الرسمي أن معلومات وصلته بـ"توجه عناصر إثارية إلى ميدان التحرير لقذف كرات من اللهب على المتظاهرين"، وطالب المعتصمين بميدان التحرير مغادرته فورا حرصا على سلامتهم، وهو الأمر الذي حدث بالفعل بعد ساعات، حين اعتلى مجهولون أسطح البنايات القريبة من ميدان عبد المنعم رياض، المتاخم لميدان التحرير من الناحية الشمالية، وبدأوا في قذف المعتصمين بالحجارة وزجاجات المولوتوف الحارقة، وسمع دوي إطلاق نار.
في الوقت نفسه، خرجت مسيرات مؤيدة لمبارك من ميدان مصطفى محمود (غرب القاهرة)، في اتجاهها إلي ميدان التحرير، داعية إلى اقتحامه وطرد المعتصمين منه، وتزامنا مع هذا التحرك، تبادل المحتجون في ميدان التحرير رسائل على مواقع التوصل الاجتماعي، بعد عودة خدمات الاتصالات التي انقطعت 5 أيام متواصلة، بأنه تم حشد أعداد كبيرة من أعضاء الحزب الوطني (المنحل)، الذي كان يترأسه مبارك، فضلا عن قيام رجال أعمال، موالين لمبارك، بالاستعانة بـ"بلطجية" للاشتباك مع المحتجين مقابل 400 جنيه (68 دولاراً تقريباً) للشخص.
وتزامنا مع تلك التحركات، ظهرت تجمعات أخرى لمؤيدي مبارك في عدة أحياء بالقاهرة، وأمام مبنى التلفزيون الرسمي، بمنطقة ماسبيرو القريبة من ميدان التحرير، رفعوا لافتات كتب عليها "نعم لمبارك من أجل الاستقرار".
وبعد عصر ذلك اليوم بقليل، هاجمت مجموعة من مؤيدي مبارك، على ظهور جمال وخيول وعربات تجرها الخيول، الميدان، وهم يلوحون بالسياط والعصي من المدخل الشمالي للميدان، وسرعان ما تحولت إلي اشتباكات عنيفة بالحجارة استمرت لساعات طويلة. ومع استمرار سقوط الضحايا، أقام المعتصمون مستشفى ميدانيا لعلاج الجرحى الذين قدروا بالمئات، كما أن سبعة أشخاص لقوا مصرعهم، وفق وزارة الصحة.
ومع نهاية اليوم، نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، عن نائب رئيس الجمهورية آنذاك، عمر سليمان، قوله إن "رسالة المشاركين في هذه التظاهرات قد وصلت، سواء من تظاهر منهم مطالبا بالإصلاح بشتى جوانبه، أم من خرج معبرا عن تأييده للسيد رئيس الجمهورية (مبارك)".
ومساء اليوم الأول للموقعة، بدأ المعتصمون في إزالة آثار المصادمات بعد أن أحبطوا الهجوم عليهم، لكن مع الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، بدأ هجوم جديد من أكثر من مدخل. وأكثرها شراسة جاء من ميدان عبد المنعم رياض المدخل الشمالي لميدان التحرير، وجسر 6 أكتوبر القريب من الميدان، حيث تمثل الهجوم في سيارات تمر بمحيط الميدان قبل أن يطلق أشخاص يستقلونها النار عشوائيا من أسلحة آلية، ما أدى إلى سقوط سبعة قتلى جدد، فضلا عن 1500 مصاب بجروح مختلفة، كمحصلة نهائية، بحسب بيان لوزارة الصحة.
غير أن المعتصمين استبسلوا في الدفاع عن الميدان رغم سقوط القتلى والجرحى، وسط نداءات متكررة من رموز المعارضة حينها للمواطنين بالنزول إلى الميدان والدفاع عنه، وفي النهاية أحكم المعتصمون قبضتهم على الميدان بالفعل ونجحوا في صد الهجوم عليهم.
ومع نهاية اليوم الثاني لـ"موقعة الجمل"، خفتت المظاهرات المؤيدة لمبارك، مقابل زيادة التعاطف الشعبي مع المتظاهرين الرافضين لحكمه، وتظاهر مئات الآلاف في ميدان التحرير لمطابة مبارك بالتنحي في ما أطلقوا عليه "جمعة الرحيل".
وفي 11 أيلول/ سبتمبر 2011، بدأت أولى جلسات محاكمة المتهمين في "موقعة الجمل" التي ضمت 25 متهمًا؛ أمام محكمة جنايات القاهرة، حيث وجهت النيابة، اتهامات لهم بقتل متظاهرين، والشروع في قتل آخرين، وإحداث عاهات مستديمة بهم، والاعتداء عليهم بالضرب بقصد الإرهاب، واستئجار مجموعات من البلطجية والمسجلين خطرًا للاعتداء على المتظاهرين السلميين بميدان التحرير، وتحريضهم على فضِّ التظاهرات المناوئة لمبارك بالقوة والعنف.
وتضمنت قائمة أدلة الثبوت، الواقعة في 55 صفحة، أقوال 87 شاهد إثبات، ما بين صحفيين ومحامين وأطباء ورجال أعمال وموظفين، وأعضاء بالحزب الوطني، وخيالة بمنطقة نزلة السمان، القريبة من أهرامات الجيزة، التي جاء منها المهاجمون.
وطالت تهمة الإعداد لهذه الموقعة العديد من رموز النظام الأسبق بين رجال أعمال ومسؤولين وأعضاء بالحزب الوطني الحاكم سابقا الذي تم حله بعد الثورة، وأبرزهم: الأمين العام السابق للحزب الوطني صفوت الشريف، وفتحي سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق (الغرفة الأولى للبرلمان)، وعائشة عبد الهادي وزير القوى العاملة الأسبق، وحسين مجاور رئيس اتحاد العمال الأسبق، ورجل الأعمال وعضو الهيئة العليا للحزب الوطني إبراهيم كامل، ورجل الأعمال محمد أبو العينين، ومرتضى منصور رئيس مجلس إدارة نادى "الزمالك" الأسبق، الذي ادعى بأن هذا الاتهام "مكيدة له"؛ كونه نوى ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة في مصر.
وخلال جلسات المحكمة، كانت شهادة محمد البلتاجي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين (محبوس حاليا) هي الأبرز، عندما قال إن لقاء جمعه بضابط في المخابرات العامة المصرية برتبة لواء (لم يذكر اسمه) داخل مكتب شركة للسياحة بميدان التحرير قبل وقوع أحداث موقعة الجمل، حيث إنه أكد له خلال هذه المقابلة أن أنصار مبارك، سيخرجون في مظاهرات تأييد له، وسيأتون لميدان التحرير، طالبًا منه "انسحاب المتظاهرين من الميدان حتى لا يقع صدام بين الجانبين يتسبب في إراقة الدماء".
وأضاف البلتاجي في شهادته، أنه قال للواء: "كيف تسمحون لهؤلاء البلطجية بالدخول إلى ميدان التحرير؟"، فردَّ عليه قائلاً إنهم "مواطنون مصريون يريدون التعبير عن رأيهم بتأييد الرئيس"، فرد البلتاجي قائلاً: "هل ضاق بهم ميدان مصطفى محمود وكل ميادين مصر للتظاهر فيها، ومن الممكن أن يتم فتح استاد القاهرة الذي يستوعب الآلاف إن كانوا يريدون التعبير عن رأيهم؟"، فكان رد اللواء: "هم يريدون التعبير عن رأيهم بميدان التحرير مثلكم ولا أستطيع منعهم".
وفي 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2012، قضت محكمة جنايات القاهرة، ببراءة جميع المتهمين في القضية، قبل أن تغلق محكمة النقض، في وقت لاحق، ملف القضية نهائيا برفض الطعن المقدم من النيابة على أحكام البراءة، وتبقى "موقعة الجمل" بلا جانٍ بعد مرور أربع سنوات.
وفي نهاية شهر كانون الثاني/ يناير الماضي ، قال الحقوقي المصري جورج إسحاق إن النائب العام هشام بركات، "أمر بحفظ التحقيق في مذكرة قانونية بخصوص أحداث موقعة الجمل"، التي وقعت إبان ثورة كانون الثاني/ يناير 2011.
وأشار إسحاق إلى أن "النائب العام أمر بحفظ المذكرة القانونية ورفضها، والتي طالبوا فيها بإعادة محاكمة المتهمين في قضية موقعة الجمل، التي وقعت بميدان التحرير، وسط القاهرة، مخلفة قتلى ومصابين"، موضحا أن "أسباب رفض المذكرة انتهاء المدة القانونية للتقدم بالطعن".