ابتكر المدنيون السوريون طرقا عديدة للاحتماء من
البراميل المتفجرة التي يلقيها
طيران النظام السوري على مختلف المناطق الخارجة عن سيطرته، وبات السكان يتسابقون للاختباء في المغارات والكهوف، ثم الترقب ربما خلال 15 ثانية، وهي الفترة الفاصلة بين رمي البرميل وانفجاره.
فمع الإعلان الأول عبر مراصد يقيمها الناشطون للإبلاغ عن إقلاع الطائرات المروحية التي تنتقل بسرعة لتنقض على أهدافها العشوائية، يسرع المدنيون للاختباء من شر ما تحمله تلك الطائرات، وقد أصبحوا عدائين يسابقون أبطال العالم، هربًا من الشؤم الذي تحمله تلك الآلات الطائرة، علهم يكتسبون نفسا جديدا في الحياة.
ونشر الناشط الإعلامي محمود عواد، من قرية الهبيط بريف إدلب الجنوبي، عبر صفحته على "فيسبوك"، جزءا من تلك المعاناة، مشيرا إلى أنه "في جلسة شتاء بارد في شباط/ فبراير الجاري، في بيتهم الصغير الذي لم يره أهله منذ 3 أعوام، وقد شوهت سقفه قذيفة هاون لطيفة لا يعلم من أي حاجز وصلتهم، وفي سكون الليل ونسمات الهواء، يعلن أبو فيصل عن إقلاع مروحي حديث وسريع من حماة".
ويضيف: "سرعة المروحي ليست أسرع منه ومن أبي منار (صديقه)، في الهروب إلى المغارة، حيث تختفي البسمة من وجوههم، وتقطع جميع الأحاديث والنقاشات، لينظروا إلى بعضهم وكأنها النظرة الأخيرة، فيلعن صديقه المروحي، ويشعل دخانه ليقاطعه بأنه ليس إلى قريتهم، ليصل صوت المعلن بأن المروحي قطع قرية كفر زيتا باتجاه شمال غرب، وهي الهبيط وما حولها".
ويمضي الناشط في وصف اللحظات المرعبة قائلا: "في لحظة انتباه، يبدأ أزيز الطائرة بالوصول من بعيد، فيركضون إلى المغارة التي سبقهم اليها جميع من يسكن حارتهم، من أطفال ورجال ونساء وشيوخ، وبعضهم أرهقه التعب، فيما بعضهم الآخر كان نائما قبل القدوم"، مضيفا أنك "ترى على وجوههم الخوف والرهبة، ليأتي صوت عجوز من داخل المغارة (تشاهدوا واسكتوا)، أي تلفظوا بالشهادتين واصمتوا، الأمر الذي يبعث الخوف في نفوسهم أكثر".
ويؤكد عواد أن "15 ثانية هي مدة وصول البرميل إلى الأرض. 15 ثانية وكأنها 15 عاما. 15 ثانية تفصلك عن الموت. 15 ثانية فقط كفيلة بأن تستعيد فيها ذاكرة حياتك، وماذا فعلت، ولمن أسأت، ومن ظلمت. 15 ثانية تدعو بها الله أن يسامحك عما فعلته".
من جهته، قال المواطن السوري في بلدة سلقين، محمد سلقيني، إنه "من الصعب تخيل أن الناس تفضل كل أيام السنة أن تكون ماطرة وغائمة، وأن لا تسطع عليهم شمس، لأن ذلك الطقس (المشمس) يجلب لهم وحوشا كاسرة في الفضاء، تلقي عليهم رعبا يكلف المدنيين أعمارهم".
ويرى سلقيني، أنهم ربما كانوا محظوظين أكثر من مناطق أخرى، حيث إنه لا يشملهم القصف بشكل مكثف، "إلا أن أي تحليق مروحي، أو أي أزيز طائرات، يجعل كل المواطنين يعيشون حالة من الرعب، ويتخوفون من شر قد ينبئ عائلة ما بكارثة ومأساة كبيرة".
وبيّن أنه كان من الأمور التي لا يمكن تخيلها نبذ الناس للطقس المشمس، وهو الذي تنتظره البشرية بشكل عام من أجل بدء يوم عمل جديد منتج، تمنح الأطفال هامشا من اللعب، والعمال والمزارعين فرصة للإنتاج.. ولكن الوقت الحالي لا يمكن تشبيهه بما مضى، وإنما وقت خوف من أشعة الشمس، وحب لطقس غائم ماطر، يمنع عنهم طائرات الموت، رغم حرمانهم من الميزات التي ذكرها في الطقس المشمس.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد وثقت استمرار استخدام النظام السوري للبراميل المتفجرة، ما تسبب بمقتل آلاف المدنيين رغم القرار الأممي 2139 الصادر في 22 شباط/ فبراير 2014 الذي ينص على "التوقف الفوري عن كافة الهجمات على المدنيين، ووضع حد للاستخدام العشوائي عديم التمييز للأسلحة في المناطق المأهولة، بما في ذلك القصف المدفعي والجوي، مثل استخدام القنابل البرميلية".