يبدو أن
اليمن مقبلة على أيام عصيبة، عقب سحب الرئيس
عبد ربه منصور هادي استقالته التي قدمها للبرلمان في 22 من كانون الثاني/ يناير الماضي، فضلاً عن نجاحه في الفرار من الحصار الذي فرضه الحوثيون عليه في صنعاء إلى مدينة عدن جنوبي البلاد، السبت الفائت، ما أثار حفيظة جماعة "أنصار الله" المعروفة بــ (
الحوثيين) الذين اعتبروا أن "هادي فاقد الشرعية، ومطلوب للعدالة".
ويتساءل عدد من المراقبين حول إمكانية نجاح مساعي الرئيس هادي في العودة مجدداً رئيساً لليمن، بعد غياب عن دائرة صناعة القرار السياسي لشهر تقريباً، نتيجة الإقامة الجبرية التي فرضها الحوثيون عليه، بينما يتساءل آخرون عن خيارات الحوثيين في هذا السياق.
هادي هو الرئيس الشرعي للبلاد
ويؤكد السياسي اليمني والقيادي في الحزب الناصري عبده غالب العديني أن "عبد ربه منصور هادي، مايزال هو الرئيس الشرعي للبلاد، ولا يحتاج لاستعادة شرعيته، ولم يمنعه من أداء مهامه سوى وضعه تحت الإقامة الجبرية من قبل مليشيات الحوثي الانقلابية".
وأضاف العديني في حديث لــ"
عربي21" أن "مغادرة هادي لإقامته الجبرية في العاصمة صنعاء والتوجه إلى مدينة عدن جنوب البلاد، لممارسة مهامه من القصر الجمهوري، يعد وضعا طبيعيا لكونه رئيساً شرعياً، ولا توجد مبررات لإجراءات الحوثيين الانقلابية أو أي شرعية لديهم أمام الرأي العام الداخلي والخارجي".
وقال العديني إن الحوثيين أمام خيارين، الأول: "المضي في المقامرة المدمرة للذات وللوطن، اعتمادا على ما يسمى بشرعيتهم الثورية، التي أوصلتهم إلى طريق مسدود"، أو الخيار الآخر، وهو: "العمل على تدارك الأخطاء التى وقعوا فيها دون مكابرة، والمضي قدما مع القوى الوطنية لبناء الدولة المدنية القائمة على العدالة والشراكة والمواطنة المتساوية".
وطالب السياسي اليمني "العقلاء في جماعة الحوثي بكبح جماح النفوس المريضة المتوغلة في حركتهم، التي تقودها نحو التدمير تحت شعارات وهمية، وعليهم أن يعوا أن مغامرتهم ستعود بهم إلى البداية، بعدما صاروا قوة فاعلة في المجتمع يمكنها أن تحدث تحولات جذرية في البناء والتنمية والتغيير في ظل شراكة حقيقية مع كافة القوى السياسية اليمنية".
خيارات محدودة للحوثيين
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي رشاد الشرعبي أن "الرئيس هادي هو شرعية لأهم مؤسسة في الدولة اليمنية، رغم بقائه محتجزا في منزله بصنعاء من قبل مسلحي الحوثي، ظناً منهم أن هذا الإجراء مكسب لانقلابهم"، لكنه وقد صار الرئيس اليمني في مدينة عدن اليمنية، التي لاشك أنه سيدير الدولة ومؤسساتها من هناك، وتحرير المناطق التي سيطر عليها الحوثيون مسنودا بتأييد شعبي ودعم إقليمي ودولي".
وأوضح في حديث خاص لــ"
عربي21" أن الحوثيين لا خيارات أمامهم "سوى التراجع عما ارتكبوه من جرائم توجت بانقلاب على الدولة والشرعية ومخرجات الحوار الوطني وقبلها المبادرة الخليجية"، أو "الاستمرار في خطواتهم المهووسة بالحكم دون اهتمام لما يترتب عليه ذلك الهوس والعزلة المضروبة عليهم وطنياً وإقليميا ودولياً، فضلاً عن تصاعد الرفض الشعبي لهم في إطار الجغرافيا التي يسيطرون عليها بالقمع وقوة السلاح المنهوب من الجيش والأمن"، متوقعاً "سقوطهم قريباً، ولن يصمدوا أمام ذلك لأشهر كثيرة وستنهار الجماعة والمؤشرات تشير من جانب إداري واقتصادي واجتماعي".
وأشار الشرعبي إلى أن "الرئيس السابق علي صالح لم يعلن موقفا واضحا من مغادرة الرئيس هادي، بل سادت حالة من الارتباك لدى قيادة حزب المؤتمر الشعبي العام، لكونه قلق من قرارات مجلس الأمن التي وضعته ضمن ثلاثة معرقلين للعملية السياسية، وحالياً الموقف الإقليمي وخصوصاً الخليجي وتحديداً السعودي". لكنه نوه إلى أن "صالح سيستمر باللعب بطريقته المعتادة، وسيعمل في الواقع عكس ما يعلنه، ما يكون موضع رقابة واتهام ومن ثم عقوبات".
وأكد الكاتب والمحلل السياسي الشرعبي أن "اليمن أمام سيناريوهات متعددة" أبرزها "قيام الرئيس هادي بمسؤولياته كمؤسسة رئاسية تتمتع بالشرعية وإدارة الدولة من مدينة عدن جنوب البلاد، ونقل الحوارات وجلسات البرلمان إليها، أو إلى مدينة أخرى، وإعلان أن العاصمة صنعاء والمدن القريبة منها "محتلة" من جماعة مسلحة تعمل لصالح دولة أجنبية، في إشارة منه إلى
إيران حليف الحوثيين الشيعة.
أما السيناريو الآخر -وفقاً للكاتب الشرعبي- فإن "البلد سيتفكك الى كانتونات تسيطر عليها جماعات متطرفة كــ"الحوثي والقاعدة وأمراء وتجار الحروب"، وبالتالي انهيار تام للدولة اليمنية، وفق توقعاته.
المناخ ملائم لاستعادة تأثيره السياسي
وفي هذا الإطار، رأى الصحفي وعضو الدائرة الإعلامية لحزب الإصلاح اليمني عبد الله المنيفي أن "الفرصة سانحة لأن ينتهج الرئيس هادي سياسة بديلة تتعاطى مع التحديات المحدقة بالبلاد، وترك أداوته وأساليبه القديمة، حتى تنجح مساعيه في إعادة التموضع مجدداً رئيسا لليمن، وعلى مستوى الثقة التي منحتها القوى السياسية المناوئة لمشروع الحوثي، بعيدا عن الخداع السياسي الذي حدث في السابق وأسقط مدنا يمنية بما فيها العاصمة صنعاء".
وقال المنيفي في حديث خاص لــ"
عربي21" إن "المناخ ملائم، لاستعادة الرئيس اليمني تأثيره السياسي، من خلال التفاف القوى السياسية والكتلة البرلمانية الجنوبية ككتلة لها تأثير كبير، إضافة الى الدعم والمساندة الإقليمية والدولية، وخاصة دول الخليج التي رأته في الفترة السابقة عاجزاً عن حماية العاصمة"، على حد قوله.
وبحسب عضو دائرة الإصلاح اليمني، فإن خيارات جماعة "أنصار الله" باتت محدودة، فإما السعي لتفجير الأوضاع باتجاه "مأرب أو مدن جنوب البلاد"، أو "المناورة السياسية عبر الحوار الذي يرعاه المبعوث الأممي لليمن جمال بنعمر، وبالتالي ليس أمامهم من مسار سوى التنازل عن كل الخطوات الانقلابية، رغم صعوبة هذا الخيار، الذي سيضعهم في موقف محرج أمام مسلحي الجماعة"، وفق تعبيره.
لكنه أشار إلى أن "الحوثي بدا مكابرا أمام تمسك الرئيس هادي بشرعيته رئيسا لليمن، لا سيما بعد وصوله إلى مدينة عدن (جنوبا)، وبالتالي فإنهم جماعة تفتقر لأدوات السياسة، ومغمورة بأدوات عنف تمكنهم من الاستسلام لخيار القوة الذي يراهنون عليه، سواء في مناطق شرق أو جنوب البلاد".
ولفت الصحفي المنيفي إلى أن "حزب صالح التزم الصمت مع التطورات التي أنتجها فرار هادي من قبضة الحوثي، لدراسة المتغيرات، خصوصاً أنه لا يرغب إغضاب المجتمع الدولي وبالذات دول الخليج مرة أخرى، رغم أنه لا يريد عودة هادي للرئاسة، حتى لا تضيع فرص عودته وأقاربه للمشهد، من خلال إشعال الصراعات في البلد والظهور كالمخلص لليمنيين، ولذلك مازال يقيس ردود الفعل، حتى يتمكن من اتخاذ مواقف تخدم أجندته كحليف للحوثي"، على حد وصفه.
مثلث التآمر مازال فاعلاً
وفي السياق ذاته، أكد رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات أنور الخضري أن "عبد ربه منصور هادي، بعودته مجددا إلى المشهد السياسي متكئا على العامل الإقليمي الضاغط ضد تمدد الحوثي، وهو اتجاه من الواضح أن المملكة العربية السعودية في ظل قيادتها الجديدة، تسير على هذا الخط للحفاظ على أمنها الإقليمي".
وقال الخضري في حديث خاص لــ"
عربي21" إن "القوى المناوئة للحوثيين ترى في الرئيس هادي خيارا سيئاً أمام ما هو أسوأ، ولذلك قبلت به على مضض غطاءً لشرعية المبادرة الخليجية وما صدر عنها، في ظل خشية بعضها من جبن وغدر هادي الساعي للهيمنة عبر الرقص على رؤوس الثعابين كما كان سلفه الرئيس المخلوع علي صالح يدير البلاد"، وفق تعبيره.
وبيّن رئيس مركز الجزيرة للدراسات أن "شخصية هادي غيرُ مطمئِنة في قراراتها وتحالفاتها وخطاباتها، غير أنها شخصية غير مؤهلة لإدارة المرحلة الانتقالية بسلام". داعيا "القوى الثورية والحزبية الوطنية ألا تراهن على هادي بشكل كبير".
وبشأن خيارات جماعة الحوثي، رأى الخضري أنها "تتضاءل مع مرور الوقت"، ويبدو أن الحوثيين عندما تم توظيفهم ضد الإصلاح لم يقرأوا حسابات المرحلة والمشهد وتغيراته"، لكنه استدرك أن "رهان الحوثيين على العامل الخارجي، وتحديدا "إيران، وروسيا، ناهيك عن القبول الأمريكي، لن يجدي نفعاً"، نظرا لحالة الرفض الداخلي لمشروع المتصاعد يوما بعد يوم، الذي لاشك، أن "الخناق سيضيق بهم".
ونوه إلى أن "حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق علي صالح، رهين وكر التآمر والتخريب، الذي عمل على إنتاج المصائب لليمن"، موضحا أن "مثلث التآمر على البلاد الذي يقوده "المخلوع صالح، بدعم من دولة الإمارات وبعض الدول العربية، والولايات المتحدة الأمريكية، مازال فاعلاً في المشهد السياسي، ولكن جديد هذا المثلث ما ستكشفه الأيام المقبلة".