كانت عقوبة المدخن الجلد، عندما سيطر
تنظيم الدولة على مناطق في
سوريا ومنع فيها التدخين، أما الآن فإن من تقبض شرطة تنظيم الدولة الدينية عليه متلبسا بالجرم يغرم 65 دولارا. ويرى مراقبون أن هذا تطور ينبئ عن أزمة مالية تعاني منها ما تعرف بـ"الدولة الإسلامية".
وتقول إريكا سولومون، مراسلة صحيفة "فايننشال تايمز" من بيروت، إن حكام سوريا المحليين يقومون بتفكيك منشآت الدولة وبيعها لمواجهة التحديات المالية. ويشكو أصحاب المحلات والبقالات من أن المقاتلين لم يعودوا ينفقون بالطريقة ذاتها التي كانوا ينفقون بها.
ويبين التقرير أن السوريين يقولون إن أكثر الجماعات الجهادية ثراء لم تعد لها الوفرة المالية التي كانت لديها منذ البداية. فقد خفض تنظيم الدولة الدعم للوقود والخبز، في الوقت الذي بات يطالب فيه السكان بدفع أموال إضافية. ويشعر
المقاتلون على ما يبدو بالوضع المالي الحاد الذي أثر عليهم.
وتنقل الصحيفة عن أحد سكان مدينة الميادين في محافظة دير الزور، قوله: "تعرض تنظيم الدولة لنوع من الضربة المالية، فقد خفضت رواتب بعض المقاتلين وبينهم ابن أخي"، حيث لم يعد التنظيم قادرا على تغطية نفقاته، بسبب التوسع في المناطق وزيادة أعداد المقاتلين الذين انضموا إليه، بعد نصره الحاسم والسريع واحتلاله مدينة الموصل، شمال
العراق.
وتشير الكاتبة إلى أن عدة مصادر أكدت سياسة شد الأحزمة التي تبناها التنظيم في الفترة الماضية، مع أن مالية التنظيم سرية وتنبع من طبيعته السرية، التي لا يعرف تركيبتها سوى من يعمل في الطبقة المقربة للتنظيم.
وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية، فإن لدى التنظيم 500 مليون دولار من الأصول النقدية السائلة، ولكن قادة التنظيم خفضوا من النفقات، ما أثر على عملية بناء "الخلافة" التي يزعمون أنهم يقومون بإنشائها.
ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من ذلك، إلا أن هذه التخفيضات لن تؤثر على عمل وقدرات التنظيم العسكرية، بحسب تقديرات "وحدة المهام الخاصة المالية"؛ لأن التنظيم يحتاج إلى عشرة ملايين دولار في الشهر لتمويل عملياته العسكرية ومقاتليه.
وتنقل الكاتبة عن دبلوماسي غربي قوله: "بات من الصعب عليهم الحفاظ على وهم إدارة دولة أمام السكان المحليين"، ويستدرك بأنه "إن كنت عضوا في التنظيم ذاته أو مقاتلا، فالأموال لا تزال متوفرة".
وتلفت الصحيفة إلى أن هذا لا يعني عدم وجود أزمة مالية، فالمصادر التي كان يعتمد عليها تنظيم الدولة بدأت تنفد. فقبل الغارات الجوية للتحالف الدولي كان التنظيم يحتكر الحقول النفطية كلها، التي سيطر عليها في كل من العراق وسوريا، حيث إنه سيطر على ثلث كل من البلدين. وتحكم الحكام الجدد بملامح الصناعة النفطية كلها، من استخراج النفط إلى تصديره وبيعه في الداخل والخارج.
وتوضح سولومون أنه منذ بداية الغارات، التي استهدفت مصافي النفط البدائية وشاحنات النفط، فقد حولت عملية تصفية النفط للسكان المحليين، وتعتمد بشكل مباشر على استخراج النفط، ويباع برميل النفط بـ 20 دولارا. ويقول عامل في مجال الغاز إن اعتماد التنظيم على النفط الخام فقط يعني خسارته نصف عائدات النفط التي كان يحصل عليها في السابق.
ويقدر المحلل توربورن سولتيد أن عائدات النفط تراجعت إلى 300 ألف دولار، مع أن التنظيم كان يحصل في العام الماضي على ما بين مليون إلى مليوني دولار في اليوم من قطاع النفط.
وتنقل الصحيفة عن سولتيد، الذي يعمل في شركة الاستشارات "فيرسيك مابلكروفت"، قوله: "لا أعتقد أن التنظيم يقترب من الانهيار، لكن هذا الوضع سيعجل الانفجار الداخلي".
ويفيد التقرير بأن التنظيم خسر في مجال النهب والاختطاف الذي در عليه العام الماضي 20 مليون دولار، بحسب سولتيد، فيما قدرتها وحدة المهام المالية الخاصة بحوالي 45 مليون دولار، فقد أفقدت هجمات التحالف الدولي التنظيم شيئًا من زخمه.
وتذكر الكاتبة أن أعباء التنظيم المالية زادت من ناحية تكفله بعائلات قتلاه، فهو يقدم لكل عائلة 900 ألف ليرة سورية (ما يعادل 400 دولار أمريكي)، وقتل من جنوده في المعركة في عين العرب (كوباني)، حوالي ألف مقاتل، وهذا يزيد من المطالب المالية عليه.
ويورد التقرير أن منظمات سورية تقول إن التنظيم يعاني من مشاكل أخرى تفاقم مصاعبه، فهناك قادة محليون يحاولون الهرب ومعهم كميات كبيرة من المال. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فقد أعدم التنظيم الشهر الماضي خمسة قادة ميدانيين بارزين كانوا يحاولون الهرب، ومعهم كميات كبيرة من المال. ويقول قيادي فرَّ من التنظيم إن لديه مالا وفيرا حفظه في الخارج ويمكنه من العيش.
وتؤكد الصحيفة أن لدى التنظيم ما يمكنه من البقاء، من الاستثمارات التي عملها في الخارج، ومن الضرائب التي فرضها على أصحاب الآعمال في المناطق التي تقع تحت سيطرته.
ويقول المسؤول السابق الهارب إن "تنظيم الدولة لا يعاني من مخاطر
اقتصادية"، ويمكنه البقاء مدة سنوات أخرى. ويقول ناشطون إن القيود التي فرضتها تركيا على الحدود جعلت من الصعوبة على ناشطي التنظيم دخول المناطق التابعة له بأموال من الخارج، بحسب الصحيفة.
ويشير التقرير إلى أن السكان في سوريا يذكرون عددا من الإشارات التي تعطي صورة عن الأزمة المالية، فكل صاحب محل لا ينظف مدخل محله يغرم. وقال صاحب محل في الرقة إنه أجبر على دفع 50 ألف دولار لتلاعبه بالأسعار، مع أن جرما كهذا كان صاحبه يغرم 200 دولار.
وتفيد الكاتبة بأن تجارا يقولون إن التنظيم يقوم بخصخصة القطاع العام، ويبيع العيادات الطبية والمخابز، التي كانت تابعة للحكومة، لمستثمرين خاصين. ويشكو صاحب محل في دير الزور من تراجع القدرة الشرائية لدى المقاتلين الأجانب.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن تاجرا يقول إن ريعه الشهري انخفض بمعدل النصف.. ويضيف: "لا يشتري المقاتلون الأجانب الكثير، ولا يملك السوريون الكثير من المال، فقد انهار اقتصادنا، إننا نعتمد على هؤلاء المقاتلين، وبالنسبة لنا فقد ساء الوضع".