وجدت الفتاة السورية أمل الحاصلة على شهادة في الدراسات العليا نفسها بائعة في إحدى محلات مخيم
الزعتري للاجئين السوريين (شمال الأردن)، براتب لا يتجاوز الـ 100 دولار لتعيل أسرتها هي ووالدتها التي تعمل بائعة للأعشاب بسوق المخيم؛ بعد استشهاد والدها المعيل الوحيد للأسرة في داخل
سوريا.
قصة أمل تمثل واقعاً تعيشه المرأة السورية في اللجوء بعد رحلة معاناة رافقتها من القصف والقتل إلى التهجير والتشريد، لتجد نفسها ضحية أينما حلت، يمارس بحقها انتهاكات من المجتمع والأسرة وأصحاب العمل والقوانين، لدرجة أن منظمات دولية اعتبرت ما يقع بحق النساء السوريات في دول اللجوء ومنها الأردن عبودية واتجاراً بالبشر.
يبين تقرير حديث نشرته منظمة (ووك فري) المعنية في القضاء على أشكال
العبودية الحديثة، بأن "حالات العبودية في الأردن ازدادت في الفترة الأخيرة مع تدفق اللاجئين السوريين، ومن أبرزها حالات زواج فتيات سوريات بشكل قسري في مخيم الزعتري وفي مدينة المفرق، حيث تم رصد حالات تزويج سوريات قاصرات يسكن المخيم لأثرياء من دول الخليج بمقابل مادي يبدأ من 2.8 ألف دولار وحتى 14 ألف دولار" حسب التقرير.
الأخصائية الاجتماعية في اتحاد المرأة الأردنية منتهى التيم ترى في حديث لـ "عربي21" أن أبرز التحديات التي تواجه المرأة السورية في دول اللجوء ومنها الأردن "، تحملها مسؤوليات كبيرة داخل الأسرة، إذ أصبحت تتولى قضايا كان يقوم بها الرجال، فهي الآن تسعى لتسجيل البصمة لغايات الوثائق والحصول على الكوبونات الإغاثية، والبحث عن العمل، وهذا الوضع لم يكن واقع المرأة داخل سوريا قبل الحرب، فقد كان الرجل يتحمل العبء الاقتصادي الأكبر على الأسرة".
وحسب إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن ما لا يقل عن 5.835 مليون سوري لجؤوا إلى بلدان الجوار والدول الأخرى، يشكل الأطفال مالا يقل عن 50% منهم، بينما تبلغ نسبة النساء نحو 35%، في حين تبلغ نسبة الرجال نحو 15%..
تقول التيم إن "من التحديات الأخرى التي تواجه
اللاجئات السوريات هي الزواج المبكر، وهي ثقافة مجتمعية موجودة في المجتمع السوري قبل الحرب، إلا أن ظروف اللجوء الجديدة زادت من هذه الظاهرة؛ إذ تعتقد عائلات أن زواج البنت مبكراً يعني التخلص من عبء إعالة أحد أفراد الأسرة، وهذا خلق نوعاً آخر من المشاكل، يتمثل بعدم مقدرة الفتاة على إنشاء أسرة والتعامل مع الأطفال وأحياناً الطلاق".
تقول الخبيرة المعنية في شؤون الدعم الاجتماعي أن "جهل النساء السوريات بقوانين أردنية عديدة كقوانين العمل وأمور الزواج القانونية، تسبب بتعرضهن للعديد من المشاكل، لذا نشطت مؤسسات المجتمع المدني للعمل على جانب التوعية والدعم النفسي للاجئات، لمواجهة التحديات الجديدة نتيجة الظروف الجدية في المجتمع المضيف ".
وعلى صعيد مختلف حاولت ناشطات سوريات رسم صورة إيجابية للمرأة السورية في دول اللجوء، بعيداً عن الصورة الحالية المتمثلة بالمرأة الضحية المنتهكة حقوقها، ففي لبنان وتحت اسم "جمع مؤنث ثائر" أطلقت شبكة الصحفيات السوريات حملة بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة للتركيز على تجارب و قصص نجاح نساء سوريات في دول اللجوء ".
تقول عضو شبكة الصحفيات السوريات رولا الأسد لـ "عربي21" إن "الصورة الطاغية للمرأة السورية في العالم، هي الضحية التي تتعرض للانتهاكات أو هي المرأة اللاجئة بدول الجوار أو الناشطة الصحفية أو السياسية، ونحن وبمناسبة يوم المرأة العالمي أردنا في بيروت التذكير بقضايا النساء السوريات من خلال قصص النجاح، بعيداً عن صورة النمطية للنساء خلال الحروب كضحية ولاجئة، وذلك بالتركيز على قصص النجاح التي صنعتها اللاجئات ضمن الظروف الصعبة، من خلال عرض أشغال النساء اليدوية وعرض فلمين: (جليلة) و (جرح ) يتناولان قصصاً لنساء سوريات، بالإضافة لعرض شهادات نساء تعرضن لعنف سواء من النظام أو على يد الدولة الإسلامية ".
ودفعت الظروف الاقتصادية السيئة سيدات سوريات في الدول المضيفة للتوجه إلى سوق العمل، تحت ظروف صعبة وانتهاكات وظروف عمل سيئة، بعد أن فقدن أزواجهن وآبائهن في الحرب، يشير تقرير نشر على موقع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تحت عنوان " نساء بمفردهن" أن أكثر من 145,000 لاجئة سورية يدرن البيوت بمفردهن، ويعملن على تأمين أجرة البيت وتكاليف إعالة الأسرة.
مستشارة الإعلام والاتصال في صندوق الأمم المتحدة للسكان، ربى حكمت، ترى في حديث لـ"عربي21" أن السيدات السوريات وبعد أربع سنوات على الحرب، يعانين يومياً من الخوف والقلق والعزلة وظروف صعبة؛ نتيجة خسارة آبائهن أو أولادهن أو حتى عائلاتهن و منازلهن، ومنهن من تعاني من عنف مبني على النوع الاجتماعي بأشكال مختلفة؛ كالعنف الأسري و الزواج المبكر وزواج الأطفال وهي الحالات التي تم توثيقها ".
وحسب حكمت يبلغ عدد السيدات السوريات اللواتي في عمر الإنجاب، أربعة مليون امرأة سن 15 – 45 ، بينما يوجد نصف مليون امرأة حامل في سوريا والدول المضيفة .
وتمتد معاناة اللاجئات السوريات للصورة النمطية التي ترسمها بعض وسائل الإعلام في الدول المضيفة، التي ألصقت في اللاجئات ممارسات "كانتشار الدعارة" والتسول" والزواج السهل الرخيص"، صورة نمطية ضمن خطاب كراهية تبثه وسائل إعلامية.
تقول الأخصائية الاجتماعية منتهى تيم إن "اللاجئات السوريات يعانين من مشاكل في المجتمع بعد أن كرست وسائل إعلام صورة نمطية غير صحيحة حول اللاجئات السوريات؛ كزواج الأردنيين من السوريات بنسب مرتفعة وانتشار الدعارة، لكن عند مراجعة سجل المحاكم من مؤسسات المجتمع المدني، تبين أن نسبة زواج الأردنيين من السوريات انخفضت عما كانت عليه قبل اللجوء ".
ولتحسين آلية تعاطي وسائل الإعلام مع قضايا اللاجئات السوريات، يطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان بالتعاون مع بعض المؤسسات يوم الاثنين دليلاً إرشادياً للصحفيين بكيفية تغطية التقارير الإعلامية المبنية على العنف الاجتماعي بحق المرأة السورية، وحسب مستشارة الإعلام والاتصال في صندوق الأمم المتحدة للسكان، ربى حكمت، سيحتوي الدليل على العديد من المعلومات حول العنف المبني على النوع الاجتماعي، وسيطرح عدداً من القضايا التي تخص المرأة السورية، وما هي الإجراءات التي يجب اتباعها من الصحفيين، كما سيقدم لمحة عامة حول التقنيات التي يجب على الصحفي اتباعها للحفاظ على سلامة اللاجئين ".
واقع أليم تعيشه المرأة السورية بالتزامن مع احتفال العالم بيوم المرأة العالمي، أرقام صادمة كشفت عنها الشبكة السورية لحقوق الإنسان الأحد بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، بينت حجم الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة السورية منذ انطلاق الحراك الشعبي بسوريا في آذار 2011 من قوات النظام أو المعارضة أو الجماعات المسلحة.
وأوضح التقرير الذي حمل عنوان "جرف الياسمين" أن القوات الحكومية قتلت ما لا يقل عن 18457 امرأة منذ آذار 2011 عبر عمليات القصف العشوائي بالصواريخ والمدفعية، والقنابل العنقودية والغازات السامة والقنابل البرميلية، وصولاً إلى عمليات الذبح بالسلاح الأبيض.
ووثقت الشبكة نحو 6580 حالة اعتقال تعسفي تعرضت لها المرأة السورية منذ بدء الحراك الشعبي، بينها ما لا يقل عن 225 حالة لفتيات دون سن الـ18.
وتقدر الشبكة أن هناك ما لا يقل عن 2500 امرأة ما زلن قيد الاحتجاز حتى الآن، بينهن ما لا يقل عن 450 في عداد المختفيات قسرياً، تُنكر السلطات السورية احتجازهن لديها، رغم أن روايات الأهالي تؤكد مسؤولية القوات الحكومية عن ذلك.
وأوضح التقرير أن عمليات القصف العشوائي والاشتباكات، أو الإعدامات التي نفذها تنظيم داعش منذ بداية عام 2014 أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 159 امرأة، بينهن أربع نساء قُتِلنَ رجمًا بالحجارة حتى الموت، على خلفية اتهامهن بالزنا، وذلك في كل من دير الزور، والرقة، وريف حماة الشرقي.
بينما اتهمت الشبكة "جبهة النصرة" بقتل ما لا يقل عن 60 امرأة، عبر عمليات القصف العشوائي أو الإعدام منذ تأسيسها في 24 كانون الثاني/ديسمبر 2012، وحتى صدور التقرير، ولفتت الشبكة إلى مقتل ما لا يقل عن 427 امرأة على يد فصائل مختلفة تتبع للمعارضة المسلحة، سقط معظمهن بالقصف العشوائي الذي تُنفذه فصائل المعارضة على المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، وبشكل خاص عبر عمليات القصف باستخدام قذائف الهاون عديم التمييز.