استنكر خبراء أوروبيون أصوات
اليمين المتطرف التي بدأت تعلو في الشهور الأخيرة، لتهاجم ما أسمته "أسلمة"
أوروبا، معتبرين أن ذلك الهجوم يهدف إلى "إقصاء المسلمين".
ومع نهاية العام الماضي، ظهرت حركة "بيغيدا" أو "القوميون الأوربيون ضد الأسلمة" التي بدأت من مدينة درسدن الألمانية وامتدت لدول أوروبية أخرى منها النمسا، ما زاد المخاوف من الصورة النمطية لدى البعض، المتمثلة في ظهور مساجد في شوارع أوروبا والحجاب للنساء، وجعل البحث في هذه الظاهرة من خلال أفكار واتجاهات سياسية ودينية مختلفة أمرا مطروحا على الساحة.
وقال طرفة بغجاتي، رئيس مبادرة مسلمي النمسا ومنبر الحوار الإسلامي المسيحي، إن "القضية تتمثل في أن اليمين المتطرف في أوروبا ينظر إلى الأمور بمنظور ضيق ينكر كل ما حوله".
وأضاف بغجاتي أن "آخر ما وصل إليه هؤلاء العنصريون في أوروبا هو استخدام العداء للإسلام بأسلوب سطحي يثير عواطف الناس كوسيلة سريعة للحصول على أصوات فئات المجتمع غير الراضية عن الوضع العام، وتعتبر نفسها مظلومة أو مهمشة"، مشيرًا إلى أن "العنصريين يقدمون الإسلام كبش فداء".
عمر الراوي، العضو المسلم في برلمان فيينا عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، قال إن "اليمين المتطرف يستخدم مصطلح الأسلمة للتحريض ضد الأقليات".
وأضاف أن "مسلمي أوروبا جزء لا يتجزأ من القارة"، مشيرًا إلى أن "تعدادهم سيزداد، كما أنهم سيكونون جزءا فعالا وإيجابيا في المجتمع ويحملون القيم الأوروبية بجانب القيم الإسلامية السمحة، ويؤمنون بالتعددية واحترام الآخر، ويشاركون كجزء من هذا التناغم الكبير في إيجاد حلول لتحديات العصر".
ووفق مركز "بيو" الأمريكي للأبحاث، فإن تعداد المسلمين في أوروبا 44 مليون نسمة ما يمثل 6 في المائة من تعداد السكان.
وأضاف المركز في تقريره الصادر في آذار/ مارس الماضي، أن هذا العدد سيصل عام 2030 إلى ما يقرب من 58 مليون مسلم أي بنسبة 8 في المائة من تعداد السكان.
من جانبه، قال السيد الشاهد، مدير مركز الأبحاث الثقافية والإسلامية في فيينا، إن "الكثير من وسائل الإعلام الغربية تلعب دورا كبيرا في تأجيج مشاعر الشعوب الأوروبية لإقصاء المسلمين".
وأضاف أن "تأثير دور الإعلام يبدو جليا عندما تنقل الصورة في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما فيما يتعلق بالأحداث الإرهابية والمتطرفة التي لا علاقة لها بالدين الإسلامي بطبيعة الحال".
يذكر أنه وفقا لتقديرات معهد الدراسات الإسلامية بجامعة فيينا، يعيش في النمسا حوالي 574 ألف مسلم بنسبة 12 بالمائة من السكان، والنسبة آخذة في الارتفاع، ومن المتوقع أن تصل نسبتهم بحلول عام 2046 إلى 21 في المائة، نظرا لزيادة الهجرة إلى أوروبا وكثرة المواليد بين المسلمين.
الشيخ محمد فرج، الناشط في مجال الدعوة الإسلامية في أوروبا، اعتبر أن المخاوف من الإسلام "لا مبرر لها".
وقال إن "المسلمين عاشوا مع المسيحيين واليهود في ظل الدولة الإسلامية في العصر الأندلسي (من 711م إلى 1492م) في سلام وأمان بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ".
وأضاف أن "المسلمين لن يكونوا أغلبية في أوروبا، وإن حدث ذلك فرضا وجدلاً فلن تتغير الصورة عنها في العصر الأندلسي".
محلل الشؤون السياسية والإسلامية، توماس شمدينغر، وفي تقرير للتلفزيون النمساوي الرسمي (أو آر إف)، فند ما رآه "ادعاءات" البعض بأن الإسلام يتسلل ببطء إلى أوروبا، وأنها ستزداد أعداد المسلمين ويصبح حضورهم أكثر على الساحة وفي وسائل الإعلام، وسيتحولون من أقلية هادئة إلى قوة قمعية عندما يصبحون الأغلبية.
وقال شمدينغر إن "الإسلام دين يعرف الدعوة مثل المسيحية التي تعرف التبشير، بهدف تعريف الغير بالدين وإقناعه بأنه هو الحق".
واعتبر أن "التحذيرات المتكررة من كارهي الإسلام ضد الأسلمة تعبير عن شكل من أشكال الحقد على الإسلام"، منوها إلى أنهم دائما ما يهاجمون الجمعيات والمساجد والحركات الإسلامية ويتهمونها بأنها "الأخطبوط الذي يريد أسلمة أوروبا"، على حد وصفه.
وتابع بأن "المسلمين في أوروبا سيظلون أقلية، ولكن أعدادهم آخذة في الارتفاع"، لافتا إلى أنه "لا يمكن فهم هذه الزيادة على أنها أسلمة لأوروبا، ومن يقول بغير ذلك فهو هراء".
وقال إن "الأسلمة بالمعنى التاريخي تمت في المراحل المبكرة من خلال التوسع الجغرافي (الغزوات) بعد أن نجح الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) في نشر الدعوة بشبه الجزيرة العربية".
سوزانا هانيه، الخبيرة في الحوار الإسلامي المسيحي، قالت في التقرير ذاته إن "موضوع الأسلمة ارتبط بالجوانب التاريخية، خاصة الحروب التي قادها الحكام المسيحيون في أوروبا (الحروب الصليبية)".
وأوضحت أنه "كان هناك عمل من أجل جعل الدين، سواء المسيحية أم الإسلام، هو دين الدولة".
ولفتت إلى أن "كثيرا من المسيحيين البروتستانت فروا إلى مناطق نفوذ الإمبراطورية العثمانية لأنهم كانوا قادرين على ممارسة شعائرهم الدينية بحرية".