نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للكاتب إيان بلاك، يسلط فيه الضوء على اتفاق فيينا، الذي يحدد علاقة إيران بالدول الكبرى، فيما يتعلق بمشروعها النووي، مشيرا إلى الدور الذي يمكن أن تؤديه إيران في المنطقة بعد هذا الاتفاق.
ويقول بلاك: "في كل يوم جمعة، يسجد عشرات آلاف المصلين في مسجد الإمام الخميني في طهران، في ظل مآذنه الشاهقة، بعد سماعهم خطبة الجمعة، التي تجمع بين الوعظ والأهداف الإستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولا تزال تنطلق الصرخات الشعائرية (الموت لأمريكا) و(الموت لإسرائيل)، ولكن تم التركيز حديثا على برنامج البلاد النووي، وإنهاء العقوبات المفروضة بسببه".
ويضيف الكاتب أنه "بينما تتدفق الجموع من الطريق السريع القريب، ومن محطة (الشهيد بهشتي) للمترو، يقوم رجال الأمن بالتفتيش الدقيق، حيث يقومون بالتفتيش الجسدي، وتفتيش الحقائب. وإيران واحدة من بين قلة من البلدان الإسلامية، التي لم تقع تفجيرات في مساجدها، ولكن وبحسب أحد المثقفين، فإنه (كان بإمكان
داعش أن تضرب في الكويت، فلم لا تضرب في طهران)".
ويشير التقرير إلى أن هناك ما يذكر بالعنف خارج المسجد في المنطقة التي تعيش فيها إيران، ويقول بلاك: "غالبا ما تجد صناديق الزكاة البلاستيكية التي تدعوك إلى التبرع للفقراء والأيتام وكبار السن في فلسطين. واليوم هناك دعوات إلى مساعدة أهل اليمن، الذين يعانون، حيث تقوم السعودية، -خصم إيران اللدود-، بعمليات قصف جوي ضد الحوثيين، وكذلك للعراقيين (للمساعدة في الحرب على داعش)".
وتبين الصحيفة أن إيران تطرح نفسها الآن، وبعد انتهاء الماراثون الذري، والأمل بتحقيق علاقات أفضل مع عدوها القديم أمريكا، على أنها جزيرة استقرار في بحر هائج، وتطلب أن تعامل بمساواة البلدان الأخرى. مشيرة إلى أن الزعيم الروحي آية الله خامنئي لا يزال يشجب "الاستكبار العالمي"، كما كان يفعل دائما، ولكنه ألمح إلى إمكانية التعاون مع أمريكا إن رفعت العقوبات، وأعيد الاعتبار لإيران.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن نائب وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط أمير حسين عبد اللهيان، قبل عدة أيام من انتهاء محادثات فيينا، قوله: "نعتقد أن لدينا دورا بناء وإيجابيا لنؤديه في المنطقة باتفاقية وبغير اتفاقية، نفهم أن اتفاقا نوويا جيدا سيساعد على ذلك"، مشيرا إلى أن مساعدة إيران لسوريا ضد "الإرهاب" متسق مع دعمها لحزب الله في لبنان، ومعارضتها للهجوم السعودي على اليمن. ويضيف: "نتيجة إيجابية للمفاوضات النووية تعني نتيجة جيدة للعلاقات مع الغرب"، والخط الأحمر الوحيد هو إسرائيل فهي "كيان غير شرعي".
ويرجح الكاتب أن تكون جارة إيران
العراق مسرح عمليات مشتركة، أو على الأقل منسقة، كما حصل في أفغانستان لفترة قصيرة عندما قامت أمريكا في 2001 بمهاجمة تنظيم القاعدة وطالبان، وقبل أن يعلن جورج بوش متسرعا أن إيران جزء من "محور الشر".
وتوضح الصحيفة أنه بينما تقوم الولايات المتحدة بضرب
تنظيم الدولة من الجو، فإن الحرس الثوري الإيراني، تحت قيادة قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، يقدمون المشورة للمليشيات الشيعية على الأرض. مستدركة بأنه ليس هناك تنسيق بين القوات الإيرانية والأمريكية على الأرض، بحسب ما أكد عبد اللهيان. إضافة إلى أن إيران لا تخفي ازدراءها لجهود الولايات المتحدة وخاصة "الكيل بمكيالين".
وينقل التقرير عن محرر صحيفة "اختبار" الإصلاحية محمد علي وكيل، قوله: "يمكن لسليماني أن يعمل مع الولايات المتحدة إن كان هناك اتفاق نووي، ولكن هذا سيأخذ وقتا؛ لأن أمريكا تعتقد أن مصالح أمنها الوطني في منافسة مع المصالح الأمنية الإيرانية. إن تنظيم الدولة هو وليد النظام السعودي والمغامرات التركية، وكلاهما حليف لأمريكا".
ويورد الكاتب أن الشائعات الدائرة في إيران تشير إلى مشكلة أخرى، فقد تم تصوير سليماني في الجبهات في العراق وسوريا، وبرز ذلك في الإعلام الغربي. مستدركا بأن بعض سلطاته قد سحبت منه، بحسب الشائعات، في إشارة إلى القلق على المستويات العليا بأن الجرائم التي ارتكبتها المليشيات الشيعية في مناطق السنة في العراق ستجعل من الصعب على إيران لوم السعودية على احتضان الفكر التكفيري لتنظيم الدولة، إن كان حلفاؤها الشيعة يرتكبون الجرائم الطائفية بشكل بشع. كما أن من بين الأقليات في إيران هناك أقلية سنية يجب أن تقلق من ردة فعلها.
وتستدرك الصحيفة، أنه رغم هذا، فمن الواضح أن إيران تصرفت بثقة عالية خلال مباحثات النووي، بينما هناك فوضى في بقية الشرق الأوسط.
وينقل بلاك عن أحد المستشارين الإيرانيين الكبار قوله: "العالم العربي في حالة ضياع، وليس هناك لاعب إقليمي بينهم سوى السعودية، فهي تلعب لعبة غاضبة تقوم على رد الفعل والعنف. إيران في حالة صعود، وثبت أنها قادرة على حل المشكلات الصعبة بالطرق الدبلوماسية، حيث تعد الاستيعاب مربحا أكثر من التهميش، وهذا ما يجعل العرب وإسرائيل يغضبون جدا تجاه القضية النووية".
ويجد التقرير أنه حتى بعد الاتفاقية، فإن هناك حواجز واضحة لمجالات التعاون مع أمريكا، وأكبر هذه الحواجز هي عداء إيران العميق لإسرائيل، ويقول وزير الدفاع الإيراني حسين دهغان: "إن إسرائيل مركز العالم للشر والجاسوسية والتحريض على الحروب".
وتذكر الصحيفة أنه يتم إحياء يوم القدس العالمي في طهران أكثر من أي عاصمة عربية، مشيرة إلى أن العلاقة الإستراتيجية بين إيران وحزب الله قوية، وفكرة المقاومة أساسية بالنسبة للتفكير الرسمي الإيراني، ويرى بلاك أن هذا لا يتلاءم بسهولة حتى مع تقارب محدود مع أمريكا.
ويلفت الكاتب إلى أن المتشددين قلقون من الآثار المترتبة على الاتفاق، فالمستشار لرئيس البرلمان الإيراني "المجلس" حسين شيخ الإسلام، الذي عمل مترجما للطلاب الذين أخذوا الدبلوماسيين الأمريكيين رهائن في طهران عام 1979، لا يثق في الأمريكيين اليوم أكثر مما كان يثق بهم يومئذ، مع أن متطرفين سابقين آخرين أصبحوا اليوم إصلاحيين، يتذكر في 1987 أن السفينة الحربية الأمريكية (فينسينس) قامت بإسقاط طائرة إيرانية مدنية قتلت فيها 290 إيرانيا، ومنح قبطانها ميدالية، ويقول: "فلماذا لا نسميهم الشيطان؟ نعم كان ذلك منذ فترة بعيدة، ولكن الوقت لن يغير الجوهر. الفرق الآن هو أننا نجلس وجها لوجه، ويدور الصراع على الطاولة".
ويكشف التقرير عن خشية مؤيدي الرئيس روحاني من حملة قمع في إيران بعد الاتفاق، حيث هناك خطر بأن رفع العقوبات وإطلاق سراح الأموال المجمدة وزيادة تصدير النفط، ستزيد من الأموال التي يمتلكها الحرس الثوري، وستساعدهم على العمل على إفشال شهر العسل بين إيران والغرب.
وتورد الصحيفة أن محللا مستقلا يقول: "المتشددون يريدون أن ترفع العقوبات فقط، ولكن لا يريدون أن تنتقل عدوى العلاقات مع أمريكا إلى قضايا حقوق الإنسان والعلاقات الخارجية، إنهم يخشون من القيم الغربية والفساد الأمريكي، الذي قد يولد أرضية خصبة لثورة مخملية".
ويوضح بلاك أن دعاة المصالحة مع أمريكا أكثر تفاؤلا، مع أنهم يعلمون مخاطر التفاؤل المفرط. ويقول المعلق الإصلاحي الكبير صادق زيبكلام: "لا أقول إن الحرس الثوري يقومون بتنظيف نوافذ السفارة الأمريكية القديمة، ويستعدون لتقديم الاعتذار، ولكن سيصل خامنئي إلى نقطة يجب عليه أن يختار فيها بين التعاون مع الأمريكيين أو مواجهة تنظيم الدولة على حدودنا".
وينوه التقرير إلى أن إيران تحاول قبل كل شيء أن تسوق لأحقيتها أن تدعى عالميا إلى طاولات أكثر من التي تدعى لها حاليا، لتؤدي دورها وبحسب شروطها في حل المشكلات المعقدة لمنطقتها. ويبدو أنها بدأت تحقق شيئا.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول دبلوماسي أوروبي في طهران: "لم يدع الإيرانيون إلى أي عملية دولية حول أزمة سوريا أو العراق أو الإرهاب. فلو تمت دعوتهم واعترف بهم كونهم لاعبا إقليميا، فإن هذا سيخفف من طموحاتهم، ولو عوملوا باحترام سيستطيع الزعيم الروحي أن يدافع عن الاتفاق النووي على هذا الأساس. بالنسبة لنا قد يبدو مفهوم الاحترام كلاما فارغا، ولكنه مهم جدا بالنسبة لهم".