نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا؛ تناولت فيه تراجع المكانة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية، لصالح قوى أخرى صاعدة، بعد أن نجحت واشنطن في تصدر المشهد الدولي في القرن الماضي في أعقاب الحرب الباردة، بفضل سياساتها العسكرية أساسا.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن الناخبين الأمريكيين كانوا يتساءلون وهم يستمعون للمرشحين الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية 2016، إن كان هؤلاء قد تعلموا الدروس من العشرية الماضية.
وأشارت الصحيفة إلى المناظرة التلفزيونية التي بثت في 16 من الشهر الجاري، والتي تحدث فيها الجمهوريون عن عالم لا يمكن للولايات المتحدة تصدره إلا بالاعتماد على قوة عسكرية "ساحقة"، تعيد لها مجدها الذي أفل بسبب "رئيس سلمي من الصنف الثاني"، لا سلاح له سوى المفاوضات، في إشارة لباراك أوباما، كأن هؤلاء لم يستفيدوا من الفشل الذريع الذي منيت به القوة الأمريكية في غزوها للعراق وأفغانستان، كما تقول الصحيفة.
وتساءلت الصحيفة عما إذا كان هؤلاء الجمهوريون قد تكبدوا عناء البحث في مسألة التفوق العسكري الأمريكي، وأشارت إلى ضرورة إطلاعهم على مجموعة من التقارير كانت قد نشرتها المجلة الأمريكية "ذي ناشيونال انترست" في آب/ أغسطس الماضي، بمناسبة عيد ميلادها الـ30، عرضت فيها آراء 25 خبيرا في السياسة الخارجية، "حول ما يمكن أن تفيد فيه
القوة العسكرية الأمريكية".
واعتبرت الصحيفة أن إجابات هؤلاء الخبراء كانت أكثر إثارة للاهتمام؛ من تلك التي رافقت السؤال ذاته سنة 1990، علما بأن المجلة كانت قد نشرت تقريرا "مدويا" لفرانسيس فوكوياما قبل سنة من سقوط جدار برلين، بعنوان "نهاية التاريخ".
وأكدت لوموند أن المقارنة بين الآراء المطروحة هذه السنة في "ناشيونال انترست"، والآراء التي طرحت قبل 25 عاما، هي السبيل الأمثل لقياس مدى تطور القوة الأمريكية، ومعاينة التغييرات التي طرأت خلال ربع قرن، تحولت فيه الولايات المتحدة من قوة عظمى منتصرة في الحرب الباردة، إلى دولة مهزومة، تواجه عالما متعدد الأقطاب، يضم مراكز ثقل أخرى عديدة، مثل
الصين، ودولا صاعدة، واقتصادا معولما وشبكة من التنظيمات المسلحة".
ولفتت إلى التشابه بين توقعات الخبراء الذين تعاطت معهم المجلة سنة 1990، وأولئك الذين حاورتهم هذه السنة، على الرغم من أن الاتحاد السوفييتي كان لا يزال قائما عام 1990، وقل من كان يتوقع أفول هذه القوة العظمى آنذاك. غير أن العديدين توقعوا بروز موازين عالمية جديدة، وعلام متعدد الأقطاب، تبرز فيه أوروبا واليابان كمنافستين حقيقيتين، ولكن دون أن يتطرق أي منهم إلى الصين.
واعتبرت لوموند أن الرؤية الاستشرافية الوحيدة بهذا الشأن، هي تلك التي طرحها رئيس تحرير صحيفة "وول ستريت جورونال" السابق، روبرت بارتلي، الذي تحدث سنة 1990، عن "ثورة صناعية ثانية بفضل الحاسوب"، متنبئا بنشوء نظام عالمي جديد ومستقل، لا يعترف بالحدود والمسافات بفضل الإنترنت، على الرغم من أن هذه الشبكة العنكبوتية كانت تخطو خطواتها الأولى حينها.
وكان روبرت بارتلي يؤكد على أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية، يجب أن يتمحور حول "إنشاء مؤسسات دولية مناسبة لخدمة مصالحها وضمان تصدّرها للمشهد الدولي".
ورأت الصحيفة أن أمريكا فشلت في تحديد إستراتيجية واضحة، نتيجة لتعدد الأهداف المطروحة وتضاربها، ما يفسر الاضطراب الذي يشهده خبراء الجغرافيا السياسية اليوم، والنتائج "القاسية" التي تواجهها الولايات المتحدة على صعيد سياستها الخارجية، حيث خسرت مساحات كبيرة من نفوذها وهيبتها لصالح دول أخرى صاعدة.
ويقول بول كينيدي، مثلا، إن "الولايات المتحدة تاهت بين أوهام القوة العظمى، كما أن جزءا هاما من العالم لم يعد يروق لها"، في حين يرفض واضع نظرية "القوة الناعمة"، جوزيف نيي، الحديث عن "الانحدار الأمريكي"، معتبرا أن المشكلة فقط هي أن أمريكا لم يعد بإمكانها مواجهة الاستحقاقات الدولية الجديدة بمفردها، في هذا العالم الذي تحول إلى قرية صغيرة بفضل ثورة الاتصالات.
وفي مواجهة "هذا العالم الفوضوي"، يرى الخبير السياسي الأمريكي إيان بريمر، أن الحل يكمن في "تجاوز زلات 25 سنة ماضية، كلفت أمريكا غاليا"، فيما يؤكد آخرون على ضرورة إعادة رسم أهدافها، كما يشدد البعض على أهمية "إعادة تسليحها"، وتقترح مجموعة أخرى "إعادة تشكيل" النموذج القيادي الأمريكي.
وقالت الصحيفة إنه على رغم اختلاف وجهات النظر، فإنها كلها تلتقي في نقطتين أساسيتين؛ أولاهما "ضرورة وأهمية القيادة الأمريكية للعالم"، حيث يؤكد أستاذ العلوم السياسية جون مارشيم أن "فشل الأمريكيين في تشكيل العالم كما يحلو لهم، دفعهم إلى السعي لمواصلة السيطرة على الشرق الأوسط، والحيلولة دون سيطرة الصين على آسيا".
أما النقطة الثانية، فهي الثقة العمياء في المبادئ التي وضعها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة، والتي تقضي بإنشاء المهاجرين للبلد على أسس "الحرية والديمقراطية"، وهو ما قادهم للاقتناع بأن قوة الولايات المتحدة تكمن في الديناميكية الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها.