تجاهل بابا الإسكندرية "
تواضروس الثاني" أصوات معارضيه، وسافر إلى مدينة
القدس المحتلة الخميس؛ للمشاركة في
جنازة الأنبا "
إبراهام" مطران القدس والشرق الأدنى، الذي توفي الأربعاء عن عمر ناهز 73 عاما.
وأثارت الزيارة غضب الكثيرين في
مصر وخارجها، حيث رأوا فيها صورة فجة من صور
التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإقرارا بسيادته على المدينة المقدسة، كما أكد آخرون أن موقف "تواضروس" يتماشى مع السياسة العامة لمصر بعد الانقلاب، وأطلقوا على "تواضروس" لقب "بابا السيسي".
وقضى الأنبا "إبراهام" في منصبه مدة 24 عاما، بوصفه ممثلا للكنيسة المصرية الأرثوذكسية في القدس، وهو مصري الجنسية، حاصل على الدكتوراه في علم النباتات الطبية، وفور إعلان نبأ وفاته، أعلن البابا تواضروس ترؤس وفد من أحبار الكنيسة للصلاة عليه في القدس.
نصف قرن من المقاطعة
وتعد زيارة تواضروس للقدس الأولى لبابا الأقباط منذ عام 1967؛ حيث أعلن البابا الأسبق "كيرلس السادس" رفضه زيارة القدس بعد احتلال إسرائيل لها في حرب يونيو من ذلك العام.
وفي عام 1979، أصدر المجمع المقدس قرارا بمنع سفر المسيحيين للحج في القدس وبيت لحم، نوعا من الاحتجاج على معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل، والتزاما بالمقاطعة الشعبية لزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من جانبه، أكد البابا تواضروس الثاني في كلمته، التي ألقاها من القدس أثناء الصلاة على الأنبا الراحل، أنه سافر إلى الأراضي المحتلة للعزاء، وليس بغرض الزيارة!.
وأضاف أن الأنبا إبراهام كان أول من استقبله حين ترهبن عام 1968، وتعلم منه الكثير، وأنه أوصى قبل وفاته بأن يدفن في القدس، وهذا هو ما اضطر البابا للسفر إلى الأراضي المقدسة، وإلا كان سيتعرض لانتقادات من جميع الأقباط، مؤكدا أن الزيارة ليست دينية، وليس لها بعد سياسي.
تبريرات كنسية
وأعلن المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية القس "بولس حليم" الخميس، أن زيارة البابا تأتي في سياق ديني وإنساني لأداء صلاة الجنازة على معلمه المتوفى، حيث تتلمذ تواضروس على يد إبراهام في دير الأنبا بيشوي وتربطهما علاقة قديمة.
وأضاف "حليم"، في بيان رسمي صادر عن الكنيسة، تلقت "عربي21" نسخة منه، أن الأنبا "إبراهام" يأتي في المرتبة الثانية في ترتيب أساقفة المجمع المقدس داخل الكنيسة بعد البابا تواضروس، طبقا للبروتوكول القبطي، مشيرا إلى أن الزيارة تأتي إجراء استثنائيا، دون أن تعني موافقة البابا على سفر الأقباط إلى القدس في الظروف العادية.
وأكد البابا تواضروس، في مناسبات عديدة سابقة، أن زيارة القدس وهي تحت الاحتلال يعد خيانة للعرب والمسلمين.
وكان البابا الراحل شنودة رفض السفر بصحبة الرئيس أنور السادات إلى القدس عقب توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" في نهاية السبعينيات، وتسبب هذا الموقف في خلافات حادة بين الرجلين، انتهت بإبعاد البابا إلى دير وادي النطرون حتى اغتيال السادات.
واستمر العمل بهذا القرار طوال عهد البابا شنودة الثالث، حتى أنه كان يعاقب الأقباط الذين يزورون القدس بالحرمان من رعاية الكنيسة.
لكن، منذ تولي تواضروس الثاني منصب بابا الأقباط في نوفمبر 2012، أصبح موقف الكنيسة تجاه الزيارة متراخيا، ولم تتخذ أي عقوبات تجاه من يخالفون هذه القرار، الأمر الذي شجع آلاف الأقباط على زيارة القدس في السنوات الأخيرة.
#القدس_تلعن_تواضرس
وانتقلت حالة الجدل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تصدر هاشتاج يحمل اسم #القدس_تلعن_تواضرس قائمة الهاشتاجات الأكثر تداولا يوم الخميس، وتضمن آلاف التعليقات الرافضة لهذه الزيارة.
وقال الناشط الحقوقي "نجاد البرعي" عبر تويتر إن الزيارة توضح كيف تتجه مصر سريعا إلى التطبيع الحقيقي مع إسرائيل الحقيقي بأسرع مما نتصور، مضيفا أن مبارك كان أكثر تعقلا".
فيما علق الكاتب الأردني "ياسر الزعاترة" بقوله : "تواضروس يركب طائرة السفير الإسرائيلي. لم تعرف مصر في تاريخها علاقة أكثر حميمية مع إسرائيل كالتي تعرفها الآن.. البابا جزء من هذه المرحلة".
فيما قال الشاعر عبد الرحمن يوسف، عبر حسابه الشخصي بموقع التدوين المصغر "تويتر": "كل رجال الدين الذين يؤيدون الانقلاب ستجدهم صهاينة الهوى، لا فرق بين مسلم ومسيحي! زيارة تواضروس للقدس سبقتها زيارة علي جمعة!".
أحزاب رافضة
وأصدرت أحزاب وقوى سياسية بيانات غاضبة ومستنكرة لزيارة البابا للقدس، حيث شن حزب مصر القوية هجوما شرسا على تواضروس الثاني، وقال في بيان له تلقت "عربي21" نسخة منه، إن المصريين بكافة انتماءاتهم الدينية والسياسية يرفضون كافة مظاهر التطبيع مع الكيان الصهيوني، معتبرا أن موقف البابا يمثل خرقا للإجماع الشعبي حول تلك القضية، خاصة أنها تأتي في الوقت الذي تزداد فيه الجرائم الصهيونية ضد الفلسطينيين.
وأعرب حزب الكرامة عن أسفه للزيارة، مؤكدا أنها أحدثت شرخا في جدار مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني.
وهذه هي الزيارة الثانية لرجل دين مصري مرموق لمدينة القدس، حيث سبق لـ"علي جمعة" مفتي مصر الأسبق السفر للأراضي المحتلة قبل نحو عامين.