نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا لمراسها جوشوا ميتنك، حول استغلال
إسرائيل لثروات البحر الأبيض المتوسط، بعد إهمالها لعقود.
ويبدأ ميتنك تقريره بمشهد رئيس الوزراء الإسرائيلي وهو يركب آخر قطعة عسكرية مائية تحصل عليها إسرائيل، وهي عبارة عن غواصة نووية من نوع "راهاف" في حفل إطلاقها هذا الشهر في حيفا. ويعلق قائلا إن تحركات إسرائيل لم تلفت الاهتمام الكافي لما تقوم به من التوجه غربا في البحر الأبيض المتوسط بأسطولها البحري ودبلوماسية الطاقة.
ويشير التقرير إلى أن الإسرائيليين أداروا ظهورهم لمياه البحر لعقود خلال تهديدات جيرانهم لهم بإلقائهم في البحر، ولكن في الخمس سنوات الماضية بدأت إسرائيل تنظر إلى
البحر المتوسط كونه ساحة استراتيجية، بدلا من مجرد مقبرة رهيبة.
وتبين الصحيفة أن هذه الساحة فيها فرص وتهديدات: تزايد في عدم الاستقرار في المنطقة، بعد الربيع العربي، وتحول في الأولويات الأمريكية، وتواجد روسي متزايد، والحاجة لتطوير حقول الغاز الطبيعي في البحر.
ويجد الكاتب أنه نتيجة لذلك تم تطوير البحرية الإسرائيلية، من خفر سواحل بشكل رئيس، إلى بحرية تستطيع حماية حقول الغاز وحماية الأراضي من الصواريخ. وتسخر إسرائيل القوة العسكرية والاقتصاد والدبلوماسية مع
اليونان وقبرص؛ للتعاون في استغلال حقول الغاز، وفي الوقت ذاته تعمل على دفع المنافسين مثل
تركيا، واللاعبين الجدد مثل روسيا.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هذا المحور الثلاثي الجديد سيظهر في 28 كانون الثاني/ يناير، في مؤتمر قمة في قبرص، يبرز هذا تحسنا كبيرا في العلاقات بين اليونان وإسرائيل. وتتضمن الأجندة نقاش تدريبات مشتركة محتملة، واحتمال تعاون اقتصادي مع مصر. وسيكون الاجتماع الأخير في سلسلة من الاستشارات رفيعة المستوى بين تلك البلدان.
وتذكر الصحيفة أنه حتى في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بتنمية تحالف إقليمي، فإن قوى أكبر تحاول توسيع نفوذها في المنطقة، في الوقت الذي تقلل فيه الولايات المتحدة وجودها، بحسب المراقبين. فروسيا تدخلت في الحرب الأهلية في سوريا، والصين أرسلت سفنا حربية وسط وجود اقتصادي متنام في حوض المتوسط، وأقامت القوتان تدريبات حربية مشتركة في البحر الأبيض المتوسط العام الماضي.
وينقل ميتنك عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا إيهود إيران، الذي شارك في تأليف تقدير استراتيجي للتحديات الإقليمية، قوله: "ما نراه في السنوات الأخيرة هو تزايد في أهمية المتوسط. هذه التغيرات، خاصة التنافس بين القوى العظمى، تؤثر على إسرائيل، سواء أحببت ذلك أم لا، وعلى إسرائيل أن تجد حلولا إقليمية".
ويورد التقرير نقلا عن نائب مسؤول العلاقات الدولية السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إران ليرمان، قوله إن على إسرائيل أن تفكر في نفسها على أنها دولة متوسطية، بدلا من كونها دولة شرق أوسطية.
ويضيف ليرمان، الذي يعمل الآن باحثا في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان: "لقد سمحنا لأنفسنا بأن نسجن لسنوات طويلة بهذا التعبير (الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط)، لقد آن لنا أن نفكر متوسطيا".
وتنوه الصحيفة إلى أنه حيث تقع حقول الغاز على بعد عشرات الأميال من الساحل، أقنعت البحرية الحكومة بشراء أربع سفن حربية ألمانية من طراز "كورفيت".
ويشير الكاتب إلى أن الدولة اليهودية قامت على مدى أعوام طويلة بتجديد وتوسيع أسطولها من الغواصات الذرية، التي ينظر إليها بشكل رئيس على أنها رادع للصواريخ الإيرانية طويلة المدى، وأيضا بإمكانها توجيه ضربات للمتطرفين في أنحاء حوض المتوسط.
وينقل التقرير عن رئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو، قوله في حفل تدشين الغواصة: "إن وزن البحرية في ميزان الأمن القومي يتزايد باستمرار، وستستمر القوة البحرية الإسرائيلية بتوسيع مدى وصولها، وإضافة قدرات وإمكانيات توجيه ضربات قوية، والوصول إلى مناطق بعيدة وغير منظورة".
وتوضح الصحيفة أن التحديات المحتملة من البحر تتزايد: فتشرذم ليبيا، الذي سمح لتنظيم الدولة بإيجاد موطئ قدم هناك، والتهديدات من حزب الله في لبنان، الذي تختلف معه إسرائيل حول موقع الحدود المائية، وكذلك استعراض العضلات التركية، التي اختلفت معها إسرائيل قبل خمس سنوات.
ويقول ميتك إن أمريكا خفضت في الوقت ذاته من وجودها في المنطقة، ونقلت تركيزها إلى المحيط الهادئ، مخلفة فراغا محتملا في شرق المتوسط. ويقول أستاد العلوم السياسية في جامعة بار إيلان جوناثون رينولد: "أهملت إسرائيل البحر الأبيض المتوسط؛ لأنه بعد انتهاء الحرب الباردة كان يعد بحيرة أمريكية، ولكن قلة تدخل أمريكا وقلة جزمها، جعل إسرائيل تقوم بتطوير استراتيجيتها الخاصة بها".
ويكشف التقرير عن أن اكتشافات حقول الغاز تسببت بخلق فرصة لشبكة جديدة من التعاون، وتقوم شركات الطاقة الإسرائيلية بمساعدة قبرص على تطوير حقولها، وتناقش تصدير الغاز لمصر، التي تنقصها الطاقة، والتي لديها محطات تسييل غاز. والخيار الآخر هو نقل الغاز إلى شواطئ اليونان، ومن هناك إلى الأسواق الأوروبية.
وترى الصحيفة أن ميل اليونان نحو إسرائيل هو تطور جديد؛ لأن اليونان وقفت تاريخيا مع الفلسطينيين في صراعهم مع إسرائيل. كما أن العلاقة مع اليونان تعطي بديلا عن تركيا، بعد أن تجمدت العلاقات بين تركيا وإسرائيل، على خلفية الهجوم على سفينة مرمرة عام 2010.
وينقل الكاتب عن رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبرا، قوله خلال زيارة هي الأولى للقدس في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر: "قمنا بخطوات كبيرة في تحسين العلاقات بين البلدين، ونحن في طريقا للتعاون الاستراتيجي".
ويعتقد ليرمان أن شبكة التحالفات الجديدة في شرق المتوسط مرتبطة بقرار مصر إعادة سفيرها إلى إسرائيل هذا الشهر لأول مرة منذ أكثر من 3 سنوات. ويقول إنه إذا نجحت جهود الإصلاح بين إسرائيل وتركيا، فإن هناك متسعا لأنقرة في التحالف، بالرغم من منافستها لليونان ومصر، بحسب الصحيفة.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالتساؤل: هل في هذا إفراط في التفاؤل؟ ويجيب ليرمان: "هذا كله جزء من صورة أكبر، فهناك حاجة لنا جميعا نحن من نفكر بالعقلية ذاتها في شرق المتوسط للعمل معا".