لأول مرة في التاريخ، تطلب حكومات من شعوبها تأجيل إنجاب الأطفال، فمع انتشار
فيروس "
زيكا"، الذي ربطه البعض بزيادة حالات الولادات المشوهة، حيث يولد أطفال برؤوس صغيرة وأدمغة وأعضاء صغيرة، فقد طلبت حكومة السلفادور من
النساء تجنب
الحمل حتى عام 2018، وفي الوقت ذاته طلبت دول، مثل البرازيل وكولومبيا، من النساء الانتظار لأشهر أو لمدة غير محددة قبل الحمل، في وقت أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية أن انتشار الفيروس أمر مثير للقلق الشديد.
ويعلق أوري فريدمان في تقرير نشرته مجلة "ذا أتلانتك"، قائلا: "تخيلي أنك كنت تحاولين الحمل، أو أنك حامل، وتلقيت رسالة من الحكومة تطلب منك التوقف عن الحمل، فهل ستتعاملين مع الرسالة بجدية، لو حصل أنك استمعت للنصيحة، وكذلك زميلاتك، فكيف سيكون المستقبل بعد خمسة أعوام أو بعد 25 عاما؟ فصول دراسية دون طلاب، ومحلات متخصصة ببيع منتجات الأطفال تغلق أبوابها، وغياب جيل قادر على مساعدة الكبار".
ويتساءل فريدمان عن الثمن الاقتصادي والاجتماعي للفجوة السكانية في البلد أو المنطقة؟ ويجيب الخبير في إحصاء السكان خوسية ميغول غوزمان، الذي عمل في الأمم المتحدة قبل أن يصبح مديرا للشركة الاستشارية "أي سي أف إنترناشونال"، قائلا: "من الصعب تحديد الأثر الذي سيتركه هذا الفيروس؛ لأنك لا تعرف الطريقة التي سيتطور فيها هذا
الوباء"، مشيرا إلى أن عدد الولادات الجديدة في
أمريكا اللاتينية يتراوح كل عام ما بين 10 و11 مليون ولادة، وهو ما يعني تراجع أعداد السكان بهذا العدد، إن تم -نظريا- تأجيل الولادات كلها لمدة عام.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن غوزمان يعتقد أن العدد ليس كبيرا، خاصة إن أخذ بعين الاعتبار عدد سكان أمريكا اللاتينية، الذين يتراوح عددهم ما بين 634 إلى 635 مليون نسمة، مستدركا بأن التراجع في النمو السكاني في منطقة تراجعت فيها معدلات الولادة منذ عقود سيؤدي إلى بطء أكثر من المتوقع.
وتجد المجلة أن المتغير المهم الذي تجب مراقبته هو المدة التي سيستمر فيها وباء "زيكا"، حيث يرى غوزمان أن السكان لديهم طرق للعودة وزيادة معدلات الولادة في المجتمعات التي عانت من الأوبئة، وشهدت حروبا وكوارث اقتصادية، وغير ذلك من الأزمات التي صدمت النظام العام.
وينقل الكاتب عن غوزمان قوله إنه في حالة استمرت الأزمة لعام أو عامين، فإنها قد تؤدي إلى "فجوة عمرية دائمة"، وقد يحاول الأزواج الذين ينجبون عادة ولدين، الحصول على حجم العائلة ذاته قبل بداية الأزمة، أو التعويض عن الفترة الضائعة من خلال زيادة الفترة العمرية لإنجاب الأطفال، فالمرأة البالغة من العمر 28 عاما وتخطط لأن تنجب ابنها الأول في عمر الـ 30، والثاني في عمر الـ34، قد تنجب الأول في عمر 32 عاما، والثاني في عمر 34 عاما.
ويورد التقرير أن الخبير غوزمان يعلق بأن عاما في سنة دراسية قد يقل فيه عدد الأطفال، ولكن عددهم سيتضاعف بعد عامين. ويقلل الخبير من الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة، مشيرا إلى أن عددا قليلا من الأطفال في فصل دراسي قد يؤدي إلى نتائج مدرسية أفصل، ولن تترك هذه الديناميات بالضرورة أثرا على النظام التعليمي أو سوق العمل.
وتذكر المجلة أنه في حال استمرت الأزمة الحالية لمدة خمسة أعوام، فإن الحسابات ستختلف، خاصة أن أعمار النساء اللاتي أجلن الحمل سيصبح 35 عاما، وفي هذا العمر يشكل الحمل الكثير من المخاطر، كما أن النساء لن يكون لديهن متسع لأن ينجبن عددا كبيرا من الأطفال؛ بسبب تقدم العمر، بالإضافة إلى أن التأخر في الإنجاب قد يؤدي إلى جيل صغير في العمر.
ويلفت فريدمان إلى أن هذا التحول في البنية العمرية سيترك أثره الواضح على أمريكا اللاتينية، التي ينتشر فيها الاقتصاد غير الرسمي بشكل واسع، وعادة ما لا يدخر الناس المال للمستقبل. ونتيجة لهذا يعتمد الكبار على الدعم المادي الذي يقدمه الأبناء والأحفاد، أكثر من اعتمادهم على التقاعد أو نظام المساعدة الاجتماعية.
ويفيد التقرير بأن السكان في دول أمريكا اللاتينية يكبرون في العمر قبل أن يصبحوا أغنياء، لافتا إلى أن هذا تحد يمكن أن يزيد الوضع سوءا، إن طالت مدة محاربة واحتواء فيروس "زيكا".
وتقول المجلة إن "خبراء الصحة تساءلوا عن حكمة نصح النساء بعدم الحمل، خاصة في مجتمعات كاثوليكية، ووجود قوانين تحرم الإجهاض، تصنف بأنها الأشد في العالم، فكيف تطلب إذن من المرأة التوقف عن الحمل وأنت تجرم الإجهاض تحت أي ظرف من الظروف؟".
ويبين الكاتب أنه في ضوء هذا يحاول المسؤولون البحث عن حلول لمواجهة "زيكا"، فهذا الفيروس، الذي تتسبب به بعوضة، ليس له لقاح أو علاج، ويعتقد الكثيرون أنه السبب في زيادة حالات ولادة أطفال بأدمغة وروؤس صغيرة، ولم يتوصل الأطباء بعد للربط بين البعوضة وحالات التشوه الخلقي في الأطفال.
وبحسب التقرير، فإن الحكومات تقوم بمواجهة الفيروس من خلال رش المبيدات الحشرية، وتغطية الجسم، واستخدام الدهون الطاردة للبعوض، والتخلص من المياه الراكدة التي ينتشر فيها البعوض. ويخشى المراقبون أن تكون حالات "زيكا" أكثر انتشارا بين النساء الفقيرات اللاتي ليست لديهن الوسائل لتجنب الحمل.
وتنوه المجلة إلى أن غوزمان لا يعتقد أن تؤدي تحذيرات الحكومة والمخاوف من "زيكا" إلى تراجع في معدلات الولادة؛ لأن معظم حالات الحمل في أمريكا اللاتينية لا يخطط لها، مشيرة إلى أنه في دراسة أجراها معهد "غاتماشر" الأمريكي عام 2014، وجدت أن نسبة 56% من حالات الحمل في أمريكا اللاتينية والكاريبي لا يخطط لها.
وتختم "ذا أتلانتك" تقريرها بالإشارة إلى أن "الحمل لن يتوقف لمجرد دعوة النساء إلى تأجيل الحمل، ولكن على الحكومة توفير حبوب منع الحمل وأساليب حديثة، وهو ما تفتقده القارة الأمريكية".