قال خبراء مقربون من الكرملين ووزارة الدفاع الروسية، إن عودة
حلب تحت السيطرة الكاملة للحكومة السورية- إن تحققت- قد تتيح أمام
روسيا فرصة لتقليص نطاق ضرباتها الجوية أو حتى تعليقها لكن موسكو تبقي خياراتها مفتوحة.
وتهدف روسيا- تقول موسكو إنها قريبة من إنجازه- إلى تحويل ميزان القوى بشكل حاسم حتى تتاح في يد الحكومة السورية أقرب حلفائها بالشرق الأوسط مجموعة قوية من الأوراق يمكنها استخدامها عندما تتفاوض مع خصومها.
وشهد الأسبوعان الماضيان بعضا من أكبر المكاسب التي حققتها القوات الحكومية في الحرب المستمرة منذ نحو خمس سنوات والتي يدعمها منذ الخريف تدخل عسكري روسي.
وشنت روسيا ضربات جوية كثيفة سحقت مواقع للمعارضة المسلحة مما سمح للجيش ومقاتلين متحالفين معه من لبنان وإيران بالاقتراب من تطويق حلب- أكبر مدن البلاد قبل الحرب- والتي تسيطر
المعارضة على نصفها منذ سنوات.
وقالت إيلينا سابونينا، كبيرة محللي شؤون الشرق الأوسط لدى المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية الذي يقدم استشارات للكرملين: "إذا تمت السيطرة على حلب.. فيمكننا أن نتساءل بجدية عن الإطار الزمني لهذه العملية (الروسية)".
وأضافت إيلينا سابونينا: "سيشكل هذا نقطة تحول يمكننا بعدها أن نعكف على الأقل على مراجعة أولية. مصير حلب سيقرر إلى حد كبير مصير
سوريا ومصير محادثات جنيف والإطار الزمني للحملة العسكرية الروسية في سوريا".
ويلقي الغرب باللوم على الهجوم المدعوم من روسيا في نسف المفاوضات التي كانت أول محادثات سلام في عامين وانهارت الأسبوع الماضي قبل حتى أن تبدأ.
وتريد واشنطن وقفا فوريا لإطلاق النار لإتاحة الفرصة أمام استئناف المحادثات. ويقول مسؤول غربي إن موسكو مستعدة لبحث
وقف إطلاق النار لكن ابتداء من الأول من آذار/مارس. ويتيح هذا أكثر من أسبوعين لتكملة تطويق حلب.
ويقول دبلوماسي روسي إن أحد الشروط الروسية الرئيسية لوقف إطلاق النار هو إغلاق الحدود السورية التركية بطريقة تمنع عبور المتشددين وإمدادات الأسلحة من خلالها. وتقول دمشق إن هدف تقدم قواتها في حلب هو الوصول إلى الحدود وتأمينها.
وقالت ماريا زخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، للصحفيين يوم الأربعاء إن الجيش السوري ينفذ عمليات مشروعة على الحدود لتطهير المنطقة من المتشددين.
وأضافت أن الضربات الجوية الروسية تهيئ أجواء "مدهشة" للعملية الروسية لمكافحة الإرهاب.
دعم الكرملين يؤتي ثماره
وقالت سابونينا إن نجاح الجيش السوري في الأسابيع المقبلة قد يحدد إلى أي مدى تحتاج روسيا لمواصلة التدخل لدعم حليفها.
وأضافت: "كلما زاد تقدم الجيش السوري.. كان هذا أفضل من وجهة نظر روسيا".
وأطلق الكرملين حملته الجوية في سوريا في 30 من أيلول/سبتمبر بعدما شعرت موسكو بالقلق من أن الرئيس السوري بشار الأسد بات على مسافة أسابيع قليلة من السقوط. وغير التدخل الروسي- بدعم من مدربين ومستشارين عسكريين- سير الحرب ومنح القوات الحكومية قوة دافعة.
وقال أليكسي بوشكوف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الروسي في تشرين الأول/أكتوبر إن الضربات الجوية الروسية ستستمر "ثلاثة إلى أربعة أشهر".
وتقول مصادر دبلوماسية روسية إن بوشكوف كان يعبر عن رأي شخصي، ولم يرد بوشكوف عندما سئل هذا الأسبوع عن المدة التي يتوقعها للعملية.
وتقول مصادر مطلعة على الفكر الروسي إن موسكو أدركت بمجرد مشاركتها في الحرب أن الجيش السوري في وضع بائس ولن يتمكن من تحقيق ما يكفي سريعا من المكاسب التي كانت موسكو تأمل في أن يمكنه دعمها من إنجازها.
وتضيف المصادر أن الكرملين بدأ يشعر الآن فقط، وبعد أكثر من أربعة أشهر أن جهوده بدأت تؤتي ثمارها.
وقال إيفان كونوفالوف مدير مركز دراسات الاتجاهات الاستراتيجية في موسكو: "كان الجيش السوري في ذلك الحين في النزع الأخير".
وتابع يقول: "أما الآن فالوضع مختلف تماما.. بفضل التدخل الروسي".
وأضاف أن مدربين من روسيا علموا الجيش السوري كيفية استخدام الأسلحة الجديدة وساعدوه بتكتيكات تظهر لهم كيف يضمنون تنسيق عمل المدفعية والمشاة مع القوة الجوية.
وقال إن الأهداف العسكرية الفورية واضحة.
ومضى كونوفالوف يقول: "الهدف هو تحرير حلب بالكامل وبعد ذلك إغلاق الحدود الشمالية مع تركيا. ينبغي ألا يتوقف الهجوم- فهذا سيكون بمثابة هزيمة".
وأضاف أنه فضلا عن ذلك، سيكون الوجود العسكري الروسي الموسع- الذي يشمل حاليا قاعدة جوية ومنشأة بحرية- دائما بموجب شروط اتفاق موقع مع الحكومة السورية.
ولا توجد علامات ظاهرة على أن روسيا تستعد لتقليص ضرباتها الجوية. وعززت روسيا قواتها في سوريا في الآونة الأخيرة وأرسلت أكثر طائراتها العسكرية تطورا- سوخوي-35إس - للانضمام إلى قوتها الضاربة المؤلفة من حوالي 40 طائرة.
وبرغم أن روسيا تكافح أزمة اقتصادية يقول دبلوماسيون ومسؤولون إن التكلفة المالية للعملية يمكن تحملها، إلا أن التكلفة البشرية كانت أكبر. فبرغم أن العدد الرسمي لقتلى الجيش الروسي هو أربعة فقط إلا أن تنظيم الدولة أعلن مسؤوليته عن تفجير طائرة ركاب روسية في مصر في تشرين الأول/أكتوبر، مما تسبب في مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 224 شخصا انتقاما من موسكو لتدخلها في سوريا.
لكن الجيش الروسي الذي انتهز الفرصة ليظهر قدراته أمام العالم لن يتوقف على الأرجح قبل أن يتأكد من تغيير ميزان القوة بشكل حاسم.
وقال كونوفالوف إنه من غير الوارد أن يوقف الكرملين العملية قبل استعادة السيطرة على حلب.
وتساءل قائلا: "ما الجدوى من عملياتنا العسكرية في سوريا إذا لم تكن مشاركتنا معززة بانتصارات عسكرية؟".