يقولون إن المصائب لا تأتي فرادى، فبعد التراجع الحاد في إيرادات السياحة
المصرية من العملات الأجنبية، والانخفاض الكبير في قيمة الجنيه، ها هي
قناة السويس تتلقى ضربة موجعة بعد أن أصبحت الكثير من سفن الشحن العالمية تتجنب العبور بها وتفضل الدوران حول أفريقيا للوصول إلى أوروبا والأمريكتين.
وبحسب تقرير لقناة "سي إن بي سي" الأمريكية، فإن الانخفاض الحاد في
أسعار النفط جعل شركات الشحن العالمية تفضل استخدام طريق رأس الرجاء الصالح لتجنب المرور ودفع رسوم العبور المكلفة لقناة السويس.
ويقول خبراء إن هذا التطور الجديد يضع الحكومة المصرية في ورطة حقيقية، فهي من ناحية ستكون مضطرة لتخفيض الرسوم الضخمة التي تحصل عليها من السفن العابرة لقناة السويس لتجاوز هذه الأزمة، لكنها بذلك ستزيد من متاعب الاقتصاد المصري المتردي والذي يعاني من نقص كبير في النقد الأجنبي.
الطريق الأطول بات أفضل
وأوضح التقرير، الذي أعدته مؤسسة "سي إنتل" المتخصصة في دراسات الملاحة البحرية، أن السفن أصبح بإمكانها الإبحار في هذا الطريق الأطول بسبب انخفاض أسعار الوقود، كما يمكنها في بعض الأحيان زيادة سرعتها لتصل إلى وجهتها في المدة نفسها التي تستغرقها في حالة استخدام قناة السويس.
وأكد التقرير أن 115 سفينة شحن تنقل البضائع من آسيا إلى شمال أوروبا والولايات المتحدة سلكت طريق رأس الرجاء الصالح منذ شهر تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي أثناء عودتها إلى آسيا بدلا من المرور بقناة السويس.
وقالت مؤسسة "سي إنتل" إن استخدام طريق رأس الرجاء الصالح أصبح يوفر لشركات الشحن نحو 235 ألف دولار في كل رحلة بحرية، وهو مبلغ كبير في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها بعض الشركات.
خفضوا الرسوم للنصف
وأوضحت مؤسسة "سي إنتل" في تقريرها أن سفن الحاويات التي تبحر من آسيا إلى الولايات المتحدة تدفع نحو 465 ألف دولار للعبور عبر قناة السويس، وهو ما يجعلها ذات قيمة كبيرة للقناة، مشيرة إلى أن القناة إذا كانت ترغب في تجاوز هذه الأزمة وجذب السفن للعبور بها فإن عليها تخفيض رسوم العبور بنسبة 50%.
وتعد قناة السويس من أهم مصادر مصر من العملات الأجنبية بجانب تحويلات المصريين في الخارج، وقطاع السياحة الذي يواجه أزمة طاحنة منذ خمس سنوات.
وأعلنت هيئة قناة السويس في تقرير صادر عنها الشهر الماضي إن عدد السفن التي مرت عبر القناة خلال عام 2015 بلغ 17.483 ألف سفينة بارتفاع قدره 2% مقارنة بعام 2014، لكن ناقلات البضائع السائبة انخفضت بنسبة 5.7% كما تراجعت سفن الحاويات بمعدل 3.1% على التوالي.
تأكيد فشل السيسي
وأثبتت هذه التطورات فشل مشروع قناة السويس الجديدة التي تم افتتاحها في شهر آب/ أغسطس الماضي، وروج لها نظام قائد الانقلاب
عبد الفتاح السيسي باعتباره أحد أهم المشروعات في تاريخ البشرية، وبأنه سينقل الاقتصاد المصري إلى آفاق أرحب، لكن الأيام أثبتت أن إيرادات القناة لن تزيد، بل قد تتراجع بشكل كبير عما هي عليه الآن.
وكانت حكومة السيسي قد أنفقت نحو 8 مليارات دولار (أي ما يزيد عن 70 مليار جنيه مصري) في حفر تفريعة جديدة لقناة السويس حتى تعمل في الاتجاهين لتخفيض وقت انتظار السفن الذي كان يتراوح بين سبع وثماني ساعات قبل عبور الممر الملاحي.
وقال السيسي في أكثر من مناسبة إن هذا المشروع العملاق الجديد يمثل هدية من مصر للعالم، مؤكدا أن شق التفريعة الجديدة سيؤدي إلى زيادة هائلة في إيرادات قناة السويس.
وكان الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، قد أعلن مطلع الأسبوع الجاري أن مصر قررت تأجيل رفع قيمة رسوم عبور قناة السويس إلى شهر أيلول/ سبتمبر المقبل بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وأكد مميش أن مصر درست جيدا الطرق البحرية البديلة لقناة السويس حول العالم، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية تعمل على تطوير القناة لتظل الممر الملاحي الأسرع عالميا في النقل البحري، فضلا عن تطوير الخدمات البحرية التي تقدمها القناة لتظل قادرة على المنافسة في السنوات المقبلة.
وأوضح أن عام 2015 شهد تحقيق أعلى عائد في تاريخ قناة السويس مسجلة نحو 40 مليار جنيه، بزيادة قدرها 1.4 مليار جنيه عن إيرادات 2014، مضيفا أن السفن المارة في القناة لم تتوقف للحظة واحدة في ظل انخفاض أسعار النفط وتراجع معدل النمو الاقتصادي في جنوب شرق آسيا والصين.