إن أفضل خصلة في
السيسي هي العفوية، الرجل فرعون" آخر طبعة" و"إكسكلوسيف" ، ويشعر بأنه خارج الرقابة والحساب .. وعفويته جعلته بالألوان الخلابة، كل ساعة في حال .. ويريد المثقفون الحصيفون أن يحرمونا من عفويته، فنخسر بذلك تعميرة الطاسة كل خطاب..
العرض متواصل من سنة ونصف بكوارث منقطعة النظير .. "العرض" بالنقطة من فوق طبعا وليس من دونها، وبالنقطة كما في المولد أيضا، أرجو من الخيال ألا يروح بعيدا، فأجور تكاسي الفانتازيا غالية. والمعلم "طربقها" من أخطب الزعماء العرب . . بقول تاني من أخطب الزعماء العرب..
لمَ قال السيسي تلك الجملة ضاحكا وباكيا ونص نص: والله أنا لو أنفع أتباع لأتباع؟ وهي مختلفة كليا عن جملة مبارك الملحمية التي تعلوها منزلة، عندما قال عن
مصر تلك الجملة المترعة بالتضحية والاستشهاد: "وعلى أرضها أموت" .. السيسي كان منتبها إلى أنه سيقول أمرا منكرا، وجمع أدنى التضحية وأقصى القسوة في خطاب واحد طوله ينساب مدة فلم مثالي حسب قواعد صناعة السيما.
السيسي يكاد يعرض نفسه للبيع، ثم في الوقت نفسه يقول إنه حيشيل من على وش الأرض اللي يقرب من مصر، ومصر هي السجادة الحمراء من الخجل طبعا، وليس من الدم يا حسرة. السيسي كان يريد أن تخرج الجماهير بقيادة سهير المرشدي كما في فلم يوسف شاهين، وتقول لا يا سيسي .. إحنا نبيع مصر كلها ولا نبيعك، حنعيش من غيرك إزاي .." أنت الأمل كلو" ..
لم تكذب فريدة الشوباشي خبرا .. فتطوعت بأن تفديه بروحها .. أما عكاشة الذي لم يفز برئاسة البرلمان فذهب إلى السفارة في العمارة، فهي قريبة وإسرائيل دولة شقيقة تقوم بتطبيق معاهدة الدفاع العربي المشترك، عكاشة يؤدي دوره تماما في لعبة:
طيب شيل وأنا شيل .. الدنيا مشايلة..
والحق أن مصر شبه مباعة ومديونة لثلاثين سنة على الأقل حسب تحليلات اقتصادية. يعني مصر ستجد نفسها حسب الوعود بعد ثلاثين سنة بحسب "عبقرية المكان" في قائمة الدول المتقدمة بعد دزينتين من السنوات، وأبو الهول قاعد فوق الأهرام ساكت من غير ولا كلمة وخايف أن يتهم أنه إخوان: دائما وعود السيسي تأبيدات!! أما الحساب فيوم القيامة حيوقف قدام ربنا .. لا حساب أمام البرلمان ولا قدام مجلس الشعب .. وربنا مسامح وكريم.
السيسي ليس قصير بن سعيد حتى يقول المثل تلو المثل ببلاغة، وتسير به ركبان التويتر والفسبوك وتصير هاشتاجا، لكنها بلاغة السلطان "بو عزيزي القارئ"، سأشرح هذا القول: نحن نقوم بأمور فكاهية كثيرة من غير أن نضحك أو قد نبتسم، لكن أي نأمة في فصل دراسي صارم أو رتل عسكري تكون مدوية بالضحك، وهذه هي عبقرية المكان كما تقول الأهرام في المانشيت إياه، وهو تعبير لجمال حمدان مؤلف "شخصية مصر"، لا مؤاخدة الأهرام مختلفة عن جمال حمدان، وهي لا تريد أن تمنح صفة النجابة العبقرية للشعب فتمنحها للمكان فلا معنى للمكان بغير الإنسان، وانظر إلى حال النيل الذي ينزف وأبو الهول الذي يبكي ونلاحظ أن هناك تنزيلات في السعر بين خطابين: فقد نزلت سنة التقدم من 2060 إلى 2030 ؟ السيسي حاسس أنه سيعمر ألف سنة ..
والله دي بشرة خير ..
بالمناسبة الأهرام أول جريدة عربية أسسها الأخوان الشاميان سليم وبشارة تقلا في مدينة الإسكندرية، كما ذكرنا بهذا محمد الجوادي في برنامج على الجزيرة بخصوص
سوريا وريادتها، بعد أن منحتهما حكومة الخديوي إسماعيل ترخيصا لإصدار الجريدة في 5 أغسطس 1876، لتكون بذلك أقدم صحيفة عربية مستمرة في الصدور حتى الآن. بدأت الأهرام كصحيفة أسبوعية، ولكن بعد مرور أقل من 5 سنوات وفي 3 يناير 1881 تحولت إلى صحيفة يومية، وحاليا تكاد أن تتحول إلى مومياء أو كفتة.
ثمة علامات وأعراض واضحة على أن ثمرة ثورة يوليو في أعلى شجرة مصر قد جفّت من السوس، وأنها ستسقط بقانون الجاذبية الأرضية والعدالة السماوية والسوس والفسفس والأَرَضَة، فمن الضحك ما قتل.
وثمة علامة على أن الأذرع الإعلامية الأخطبوطية التي ارتقى بها السيسي إلى سدة عرش مصر، ستخنقه وسنرى الإعلاميين أبطالا من جديد. الإعلاميون الذين جعلوه إلها سيجعلونه الحاج عطوة أو الحج نَنَس ..
وإذا قارنا بين الطغيان الفرعوني في مصر والطغيان الطائفي في سوريا، سنجد أن الطغيان في مصر هو طغيان طبقة، أما في سوريا فهو طغيان طائفة، والطبقة أرحم من الطائفة إلا إذا كانت الطبقة طبقة دينية مثل البراهما في الهند، فيجتمع الظلمان الديني والاقتصادي معا.
وقد تخلصت الطبقة العسكرية المصرية الحاكمة بعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع ثورة من الفرعون مبارك، أما في سوريا فإن طاغيتها دمر سوريا وما يزال يضحك، بل إنه في هذه الأيام يدعو الشعب إلى "عرس ديمقراطي". في سوريا كل شيء محسوب بدقة، الجهاز الباطني الذي يدير دفة الحكم في سوريا ويعمل بغريزة الثعبان وبالأشعة تحت الحمراء، ويقال إن إيران عرضت خدماتها في تقديم المشورة لإدارة الانتخابات، ولا أظن أن
الأسد بحاجة لهذه الخدمات، فالانتخابات عرس ديمقراطي معروف فيه العريس، والعروس من الأيامى والثكالى. من الصعب خلق "إله" جديد بديل عن الأسد، فمن الصعب أن يكون النمر الوردي سهيل إلها، إذا لم يكن قد قتل حسب إشاعات.
شردنا عن جماليات خطاب السيسي: هو صاحب طريقة فريدة، معلم، شوفير توك توك عمومي، فهو يسوق مصر، وهو سايب إيديه ومغمض، السيسي عفوي، وقد ترجاه محبوه بل عابدوه أن يقرأ من خطاب كتب له من مفكرين وشعراء، وينسون أن الله لا يصلح عمل المفسدين.
في الخطاب منولوج، فهو يتكلم مع نفسه ويعيد تاني، إذا تلا خطبا مكتوبة له فسيكون الحال هو هو، فهو عبقري "منه وفيه"، الفلتر بطيء ويعمل بطريقة:" فاصل ونعيد ونواصل " حتى يفهم الناس خطابه المعقد. وفيه ديالوج، فهو في كل خطبة لا بد أن يخاطب أحد الموجودين فلا ثقة له بنفسه أبدا، هو يدرك أن كل الذين أدنى منه هم أفضل منه. الغريق يتعلق بقشة.
قال الزميل سليم عزوز إنه لم يجد أحدا يدافع عن السيسي بعد الخطاب، وما هي إلا لحظات حتى خرج مجدي شندي، وليس حسن نافعة، وهما متشابهان، ودافع عن الخطاب العفوي، فالسيسي أمام مهمة صعبة وإرث ثقيل، وهو يخرج مصر من عنق الزجاجة ( ليدخلها في عنق أخرى أصغر ..)
عبد الملك بن مروان كان يقول شيّبتني المحاريب، أما السيسي فشيّبه الرز، ويخشى أن ينتقل من الموبايل بجنيه كل صبح، والحسابة بتحسب إلى إعادة إحياء أغنية محمد قنديل لكن مع تعديل: يا حلو صبح نهارنا رز. وهو حسب دار الإفتاء والإفناء : حلالٌ حلالٌ حلالٌ.
من الواضح أن السيسي الذي قال عن نفسه إنه ميتهزش، وقد اتهز .. ربما اتهزأ.
مصر ..تحت خط العقل.
بزمانه في مقابلة مع لميس وإبراهيم عيسى: سكت السيسي طويلا، فرمى له عيسى طوق نجاة وحكمة وإنقاذ : الصمت له معنى؟
ثم آزرته لميس بحبل طويل وسميك قائلة: أو...... تفكير.
إنتو مش صوابع كفتتنا ولا إيه!!.