شن رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" السابق،
عبد الناصر سلامة، هجوما حادا على نظام حكم
رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وحذره من أن مصر في عهده، في نظر الآخرين، أصبحت دولة من المافيا وأصحاب المصالح من الأفاقين أصحاب الملايين، مؤكدا أن الإعصار قادم.
وشدد سلامة على أن إلهاء الناس عن القضايا الأساسية، وتواري الحديث عن كل ما هو جاد ويمس حاجة المواطن اليومية، "سياسة ناجحة وناجعة صرفت الناس عن قضاياهم الأساسية لحساب مزيد من طول عُمر النظام، إلا أن مصر تخسر بسببها، وسيدفع ثمنها جميع المصريين".
جاء ذلك في مقال غير مسبوق نشرته بجرأة كبيرة صحيفة "المصري اليوم"، لسلامة، السبت، تحت عنوان "اللعبة الخطرة".
في البداية، أشار سلامة إلى حالة الانهيار العام الذي تعاني منه البلاد تحت حكم السيسي، فقال: "النيل يتراجع، والأسعار ترتفع، والجنيه ينخفض، وطباعة الفلوس شغالة، وقناة السويس تُعاني، والمؤتمر الاقتصادي طلع فنكوش، وفلوس الخليج مش عارفين راحت فين، والاحتياطي النقدي كان زمان، وتحويلات المصريين في خبر كان، والسياحة كذلك، كل ده والبرلمان شغال خناقات، والشرطة شغالة تصفية حسابات، والحكومة مش هنا، والإعلام لا مؤاخذة، والشعب إلى مزيد من الضياع".
وتساءل الرئيس السابق لتحرير "الأهرام" قائلا: "ماذا حدث لمصر؟ هل هي أمور طبيعية، أم أن ذلك أسلوب إدارة؟ هل هي نتيجة طبيعية لإفرازات خمس سنوات من الفوضى، أم أنه مزيد من إلهاء الناس عن القضايا الأساسية؟ وما أكثرها، هل هي أجهزة تتحاور بطريقتها عن طريق عملائها في كل المواقع دفعة واحدة، فإذا كان الأمر كذلك فهل ما زالت تُمسك بخيوط اللعبة، أم أن الأمر خرج عن السيطرة؟".
وأشار سلامة إلى أنه "في خلال هذه المهاترات ارتفعت أسعار بعض السلع الأساسية بما يتراوح بين 25 و50%، وخلال هذا الشغب كانت عشرات الفنادق بشرم الشيخ والغردقة تغلق أبوابها، وكانت العديد من الشركات والبنوك الأجنبية ترحل إلى غير رجعة، وكان عشرات الآلاف من العمال والموظفين يتم تسريحهم، وكانت عشرات الآلاف من الأُسر تتسول رغيف الخبز، وكان النيل يتراجع، وكانت الأخطار قد بدأت بوادرها في منطقة السد العالي وبحيرة ناصر، وكان سعر الدولار يقترب من عشرة جنيهات".
وأضاف: "خلال انشغال الناس بالصراعات الوهمية على الفضائيات كانت أنباء الشهداء تتوالى بصفة يومية من سيناء، وكانت تجاوزات الشرطة في كل مكان، وكان التهريج البرلماني قد وصل مداه، وكان الأداء الحكومي في أضعف حالاته، وتوارى الحديث عن ذلك السد الإثيوبي الذي جعلنا نلجأ إلى مياه الصرف الصحي، وتوارى الحديث عن الفساد الذي تخطى الرُّكَب إلى الأعناق، وتوارى الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتوارى الحديث عن كل ما هو جاد، وكل ما يمس حاجة المواطن اليومية".
ورأى سلامة أن ذلك "سياسة ناجحة وناجعة، صرفت الناس عن قضاياهم الأساسية، لحساب مزيد من طول عُمر النظام، لنترقب بصفة يومية مَن يسب مَن اليوم، ومَن يفضح مَن اليوم، ومَن سيكشف المستور عن من اليوم، ومَن سوف يتهم الآخر بالعمالة والخيانة اليوم، ومَن سيضرب الآخر بالحذاء اليوم، ومَن سيقاضي مَن اليوم، وبالتوازي، الدولار لا يتوقف عن الارتفاع، والجنيه لا يتوقف عن الانهيار، والاقتصاد يتهاوى، والمجتمع يزداد انقساما.. إنها السياسة العقيمة "فرِّق تَسُد"، وفي رواية أخرى: "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين"، بحسب قوله.
وأشار الكاتب إلى أنه "قد تكون فضائيات رجال الأعمال مستفيدة مما يجري، فالإعلانات تتزايد يوميا، وقد يكسب مقدمو البرامج رضا مموليهم ومحرضيهم في الوقت نفسه، على حساب كرامتهم وسُمعة أهاليهم، بالكشف عن ذلك الماضي الفاسد لكل منهم، إلا أن ما لا يدركه القائمون على أمر البلاد والعباد أن مصر تخسر، كل مصر، وشعب مصر يخسر، كل الشعب، أجيال عديدة إلى ضياع، كل علاقة هذه الأجيال بالتليفزيون هو ذلك الردح الليلي، كل علاقتهم بالبرلمان هو أَيْمانات الطلاق والضرب بالأحذية، كل ما يعرفونه عن المسؤولين أنهم لا يستحقون الاحترام، يتم العصف بهم في كل المحافل".
والأمر هكذا تساءل الكاتب: "هل نحن بذلك أمام دولة تنشد الاستقرار والمستقبل، والبناء؟"، مجيبا: "بالتأكيد لا وألف لا"، وأضاف: "هي أوضاع مسخ، سياسات مهترئة، لم ينص عليها أي كتاب، لا في الشرق، ولا في الغرب، لم يعرفها أي ميثاق، لا قبل الميلاد ولا بعده، لم يألفها أي شعب من العجم، فقط سوف نجدها في أوساط العرب، إلا أنها أيضا كحد السيف، لن تجد مَن يضمن لها النجاح، هي اللعبة الخطرة، قد يكون اللاعبون مجموعات من البلياتشو، لا تعني صاحب السيرك من قريب أو بعيد، فليذهبوا في النهاية إلى الجحيم، إلا أن الدبة قد قتلت صاحبها أيها المحترف".
واختتم سلامة مقاله بقوله: "كان يجب أيها السادة أن يكون هناك خط أحمر، وأن يكون هناك الكبير في كل المجالات، يتدخل في اللحظات الحرجة، قبل أن تخرج الأوضاع عن السيطرة، وقبل أن تتسع رقعة الاتهامات التي طالت الجميع، كبيرا وصغيرا، الأمر تعدى السيديهات والفيديوهات إلى شهادات حية على العمالة والخيانة، والتدليس والتعريض، وأن الأمر خرج من إطار المحلية إلى الإقليمية والعالمية، وأصبحنا في نظر الآخرين دولة مفككة، دولة من المافيا وأصحاب المصالح، بمعنى أصح: "الأفاقين"، أصحاب الملايين، لا يعنيهم أبدا أن يكون نصف الشعب على أعتاب الفقر، ولا يعنيهم أبدا شكل الإعصار القادم، فهم يستطيعون التعامل مع كل الأعاصير، بل كل العصور؟".
ويذكر أن عبد الناصر سلامة هو آخر رئيس تحرير لصحيفة "الأهرام"، أكبر الصحف المصرية، في عهد الرئيس محمد مرسي، واشتهر بموقفه المنسق مع المخابرات المصرية في الإطاحة بمرسي، بعد مظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013، إذ كتب مانشيت "الأهرام" الشهير: "مرسي.. إقالة أم استقالة"، وكان هذا المانشيت إعلانا على نية الجيش الإطاحة بمرسي، على الرغم من وجوده حينها في الحكم، ثم أتبع ذلك بمانشيتات أخرى في "الأهرام"، مهدت الطريق للانقلاب العسكري.