هل كان انعقاد مؤتمر منظمة التنمية والتعاون الإسلامي في اسطنبول فرصة لإظهار التقارب بي
تركيا وإيران؟
تقول صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" إنه رغم خلاف البلدين العميق حول ما يجري في
سوريا، إلا أنهما نجحا بتحقيق تقارب، ولو جزئي، "فقبل عام كانت تركيا وإيران في تبادل حاد حول موافقهما المتضادة، بشأن الحرب السورية والنزاعات الطائفية التي تمزق الشرق الأوسط".
وتضيف الصحيفة أن "الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان اتهم
إيران بقتال من أطلقت على نفسها الدولة الإسلامية من أجل أن تحل محلها"، وقال إن هدف إيران هو الهيمنة على المنطقة، وهو ما "لا يمكن التسامح معه"، ورد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على تصريحات أردوغان، بقوله إن قادة تركيا يقومون بإحداث ضرر لا يمكن إصلاحه ناتج عن أخطائهم الاستراتيجية.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه رغم ذلك فإن تركيا وإيران تقومان بعملية تقارب جزئي، لافتا إلى أن ذلك نتج عن جهود برزت في زيارة الرئيس حسن
روحاني إلى اسطنبول للمشاركة في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي.
وترى الصحيفة أنه بعيدا عن الصدع في العلاقات بين البلدين، الذي تسببت به الحرب السورية، فإن القوتين الإقليميتين راغبتان بإحياء العلاقات التجارية المتعددة الجوانب والعلاقات الأخرى، والتخلص من العزلة التي يواجهها البلدان؛ إيران فيما يتعلق بملفها النووي، وتركيا فيما يتعلق بخلافاتها مع جيرانها.
ويجد التقرير أن مجرد التعافي، ولو بشكل جزئي، من جراح الأزمة، سيترك أثره على الانقسام السني الشيعي في المنطقة، وعلى حروب الوكالة.
وتنقل الصحيفة عن مدير المركز الدولي للدراسات الأمنية والاستراتيجية في جامعة أم إي أف في اسطنبول مصطفى كبارأوغلو، قوله: "سوريا موضوع كبير في حد ذاته ومثير للانقسام، لكننا لا نتحدث عن أي دولتين، إننا نتحدث عن دولتين لهما تجربة طويلة وعميقة، فهما عاشتا متجاورتين لقرون طويلة"، وعليه فإن سوريا هي موضوع كبير، لكنها ليست الموضوع الوحيد.
ويلفت التقرير إلى أن التوصل إلى هذه النقطة من العلاقات لم يكن سهلا، فحتى وقت قريب حذر أردوغان إيران في كانون الأول/ ديسمبر من التعليقات حول الدور التركي في الاتجار بالنفط الذي يقوم تنظيم الدولة بتهريبه من آبار النفط السورية، وهو أمر تنفيه تركيا، حيث قال أردوغان إن تعليقات كهذه "قد تكلفهم ثمنا باهظا" أي الإيرانيين.
وتستدرك الصحيفة بأن تحسنا في العلاقات بين البلدين ظهر خلال زيارة رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو إلى طهران قبل أسابيع، فيما زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تركيا هذا الأسبوع، ووقع البلدان على سلسلة من العقود، تشمل تخفيض التعرفة الجمركية بين البلدين والتعاملات المصرفية، وتخفيف حركة التجارة بين البلدين، وإنشاء خط ائتمان مصرفي بقيمة 350 مليون دولار أمريكي، كما وقع البلدان عقودا في مجال التعاون في الأسواق المالية، وتحسين خدمات الطاقة الكهربائية من إيران، واستثمارات تركية في عقود الغاز والنفط.
ويفيد التقرير بأن الدولتين تسعيان إلى زيادة التعاملات التجارية بينهما إلى 30 مليار دولار في العام، بحسب مسؤولين من كلا البلدين، خاصة بعد الاتفاق النووي، الذي أدى إلى رفع العقوبات المفروضة على إيران في كانون الثاني/ يناير.
وتبين الصحيفة أنه على الصعيد الدبلوماسي، فإن الدولتين الإقليمتين المؤثرتين تعهدتا بعمل المزيد من أجل مكافحة الإرهاب والطائفية، مستدركة بأنه في الوقت الذي أبدى فيه الرئيس التركي حفاوة بالغة بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، واستقبل مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول، إلا أن علاقة تركيا مع إيران مهمة بالقدر ذاته الذي تهم فيه الرياض أنقرة.
وينوه التقرير إلى أن القمة الإسلامية، التي نظمت بشكل دقيق، من مآدب عشاء على يخت في مضيق البسفور، واجتماعات في القصور العثمانية القديمة، تمثل المرة الأولى التي تجتمع فيها إيران الشيعية مع السعودية السنية، وتحت قبة واحدة، رغم حروب الوكالة التي يشنها البلدان في سوريا والعراق ولبنان واليمن، مشيرا إلى أن الرئيس التركي قد قال في واشنطن بداية الشهر الحالي إن بلاده هي الأفضل لأداء دور الوسيط بين القوى المتنافسة.
وتجد الصحيفة أنه رغم الخلاف حول صيغة البيان الختامي، إلا أن هناك ثمارا تنتظر القطاف من تركيا وإيران، حيث يقول مدير معهد الدراسات الاستراتيجية في طهران كيهان بارزيغر: "لدى إيران وتركيا مئات الأسباب للتعاون، وهناك قلة من الأسباب لعدم التعاون"، ويضيف أن "الأزمة السورية وضعت كلا من إيران وتركيا، وبشكل مصطنع، في مواجهة بعضهما البعض"، ويتابع بارزيغر قائلا: "هناك الكثير من المصالح المشتركة والجيوسياسية الكثيرة، مثل معالجة الإرهاب والتطرف، ولهذا فهما تنتهزان أي فرصة للعودة إلى العلاقات الطبيعية العادية، وهي التعاون المستمر".
ويذكر التقرير أن أي طرف منهما لن يغير موقفه من مصير الأسد، حيث قال الوزير الإيراني والممثل الشخصي لروحاني للشؤون التركية محمد فائزي، الأسبوع الماضي: "هناك إرادة سياسية من الطرفين، ترغب بإلغاء المعوقات وتطوير العلاقات"، وأضاف فائزي أن تركيا هي أول بلد أنشأ ويشارك في مجلس أعلى للتعاون مع إيران، وأن روحاني سيحضر جلساته هذا الأسبوع.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أنه في الوقت الذي ظلت فيه سياسة كل من البلدين متماسكة تجاه سوريا، وهذا مرتبط بآراء مختلفة من أجل التعامل مع الأزمة، إلا أن حاجتهما الطبيعية والمتبادلة تقتضي تقوية العلاقات بين البلدين بشكل يقرب بينهما، كما يقول بارزيغر في طهران، فقد تعلمتا في مسار التاريخ المعاصر كيفية احترام أحدهما الآخر، سواء في مجال المصالح أو المبادئ.