أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية الجمعة، توصل واشنطن وموسكو إلى فرض وقف لإطلاق النار "قصير الأمد"، في منطقتي شمال اللاذقية وشرق
الغوطة السوريتين، بعد ورود تقارير عن وقوع هجمات متزايدة فيهما.
وقال متحدث الخارجية الأمريكية مارك تونر، خلال الموجز الصحفي للوزارة من واشنطن "لقد كان هنالك عدد هائل من تجدد للمعارك على الأرض بين مجموعات مختلفة، مثل النظام والمعارضة، أو مجموعات المعارضة المسلحة، ممن وقعوا اتفاق وقف الأعمال العدائية، لذلك أعتقد أن هذا الجهد (في اللاذقية والغوطة) لا يركز على وقف الأعمال العدائية هناك، ولكنه بكل تأكيد يتعامل مع قضية أكبر بكثير"، وفقا لتعبيره.
وأكد تونر أن بلاده قد "توصلت إلى وقف لإطلاق النار مدة 72 في منطقة شمال اللاذقية، و24 ساعة في شرق الغوطة، تبدأ من بعد منتصف ليلة السبت 30 نيسان/ أبريل، وذلك بعد ورود تقارير مستمرة عن تجدد للاشتباكات فيها بين جماعات مسلحة مختلفة"، مشيرا إلى أن الاتفاق "لا علاقة له باتفاق وقف الأعمال العدائية".
في المقابل تم تجاهل وقف القتال في ساحة المعارك الرئيسية في
حلب، بعد تصاعد وتيرة الاشتباكات التي قالت الأمم المتحدة إنها تعكس "استخفافا شنيعا" بحياة المدنيين.
وردا على سؤال عن سبب عدم محاولة الولايات المتحدة وقف القتال في حلب، قال تونر: "من ناحية هو اعتراف بمدى تعقيد الوضع والقتال في المنطقة ينذر فعلا بالخطر. نحتاج للبدء من مكان ما وسنبدأ باللاذقية والغوطة الشرقية".
وقال الجيش السوري في بيان إن "نظام التهدئة" سيطبق في أجزاء من اللاذقية ودمشق اعتبارا من الساعة الواحدة صباح يوم 30 نيسان/ أبريل بتوقيت دمشق (2200 بتوقيت جرينتش).
وأوضح الجيش في بيانه أن "نظام التهدئة يشمل مناطق الغوطة الشرقية ودمشق لمدة 24 ساعة، ومناطق ريف اللاذقية الشمالي لمدة 72 ساعة".
لكن باستثناء حلب التي تشهد أسوأ أعمال عنف في الفترة الأخيرة، فإن من المستبعد أن تحيي التهدئة المحدودة
وقف إطلاق النار ومحادثات السلام التي انهارت قبل أيام.
وفي أسوأ الهجمات دمرت غارة جوية مستشفى في منطقة يسيطر عليها المعارضون في حلب ليل الخميس. وقالت منظمة أطباء بلا حدود التي تدعم المستشفى إن عدد القتلى ارتفع الجمعة إلى 50 على الأقل بينهم ستة مسعفين.
وقال مصدر عسكري سوري: "نظام التهدئة لا يشمل حلب لأن في حلب هناك إرهابيون لم يتوقفوا عن ضرب المدينة والسكان".
ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن الضابط المسؤول عن مركز المراقبة الروسي لوقف إطلاق النار قوله، إن التهدئة الجديدة تعني توقف كل الأنشطة العسكرية في المناطق المشمولة بها.
وقالت دمشق إن التهدئة محاولة لإنقاذ اتفاق "وقف الأعمال القتالية".
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين: "يعود العنف إلى المستويات التي شهدناها قبل وقف الأعمال القتالية. هناك تقارير مزعجة للغاية عن حشود عسكرية، مما يشير إلى استعدادات لتصعيد فتاك." وأضاف أن كل الأطراف أبدت "استخفافا شنيعا" بحياة المدنيين.
"أخشى الرعب"
ودعت الأمم المتحدة موسكو وواشنطن إلى المساعدة في إعادة تطبيق وقف إطلاق النار؛ تفاديا لانهيار محادثات السلام التي توقفت قبل أيام في جنيف دون إحراز تقدم يذكر بعد انسحاب المعارضة.
وحث زيد بن رعد الحسين كل الأطراف على عدم العودة إلى الحرب الشاملة، وقال: "كان وقف الأعمال القتالية ومحادثات السلام أفضل سبيل، وإذا تم التخلي عنهما الآن فأخشى مجرد التفكير في مدى الرعب الذي سنشهده في
سوريا".
ومنذ سنوات انقسمت حلب التي كانت أكبر مدن سوريا قبل الحرب إلى مناطق خاضعة للمعارضة وأخرى للقوات الحكومية، وستكون السيطرة الكاملة عليها أكبر مكسب للرئيس السوري بشار الأسد الذي يسعى للسيطرة على البلاد منذ اندلاع الحرب قبل خمسة أعوام، التي قال الوسيط الدولي ستافان دي ميستورا إنها أودت بحياة ما يصل إلى 400 ألف شخص.
ومنذ انضمام روسيا إلى الحرب العام الماضي بضربات جوية ضد جماعات المعارضة، تحولت دفة القتال لصالح رئيس النظام السوري.
ولا يزال مئات الآلاف يعيشون في مناطق خاضعة للمعارضة في حلب وريفها الشمالي، ويشمل ذلك القطاع الوحيد من الحدود السورية التركية الواقع تحت سيطرة جماعات عربية سنية معارضة للأسد.
وتتهم المعارضة قوات الحكومة بتعمد استهداف المدنيين، ولذلك فإنهم سيهجرون المنطقة.
وقال أسعد الزعبي رئيس وفد المعارضة بمفاوضات السلام في مقابلة مع قناة الجزيرة: "الهدف مما يحدث في حلب الآن، هو الضغط علينا للقبول بأدنى الطلبات... بالقبول بأدنى الشروط التي يطرحها بشار الأسد".
وأضاف قائلا: "الهدنة التي يتحدثون بها اليوم من أجل أن يجهز النظام قواته مرة أخرى، خاصة أنه فشل في السيطرة على حلب".
وكتب رياض حجاب المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، يتهم الحكومة بارتكاب مذابح وحصار وتجويع للمدن والبلدات والقرى. وطالب مجلس الأمن الدولي بإجبار الأسد على وقف هذه الأعمال.
واستهدفت المعارضة مناطق حكومية بقصف عنيف. وتقول دمشق إن هذا دليل على تلقيها أسلحة من الخارج.
ضربات جوية وقصف
وفي تعليقه على الغارة الجوية على مستشفى، بحلب قال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر إيوان واتسون لرويترز في جنيف: "هذا غير مقبول... لكن تحديد ما إذا كانت جريمة حرب أم لا يحتاج إلى محقق ومحكمة".
ودعت اللجنة في وقت متأخر الجمعة إلى وقف فوري للهجمات، وقالت إن أربع منشآت طبية على جانبي خطوط القتال في حلب تعرضت لأضرار بالغة.
وقالت ماريان جاسر مديرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا في بيان: "لا يمكن أن يكون هناك مبرر لأعمال العنف الكريهة هذه، التي تستهدف عمدا المستشفيات والعيادات، وهي أعمال محظورة وفقا للقانون الإنساني الدولي".
وأضافت: "المزيد من الناس يموتون باستمرار في هذه الهجمات. لم يعد هناك مكان آمن في حلب. حتى المستشفيات. من أجل الناس في حلب، ندعو الجميع لوقف العنف العشوائي".
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الغارات الجوية وقصف الحكومة لمناطق خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة في حلب، أسفرت عن مقتل 142 مدنيا بينهم 21 طفلا خلال الأيام الثمانية الأخيرة.
وأضاف أن 84 مدنيا بينهم 14 طفلا قتلوا في قصف شنه مقاتلو المعارضة على مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة خلال الفترة نفسها.
وقال المرصد إن 11 مدنيا على الأقل قتلوا اليوم الجمعة في مناطق خاضعة للمعارضة، بينما لقي 13 حتفهم بمناطق خاضعة لسيطرة الحكومة. وفي المناطق الخاضعة للمعارضة حوصر كثيرون تحت أنقاض مبان منهارة في قصف لطائرات هليكوبتر.
وقال بيبرس ميشال المسؤول في الدفاع المدني بمناطق خاضعة للمعارضة في حلب، إن المدينة شهدت عددا من الهجمات الجوية صباح اليوم، وقع كثير منها قرب مساجد وإن إحداها أصابت مستوصفا في حي المرجة.