بعد أشهر من تهجيريها عن ديارها على يد
الوحدات الكردية، التي سيطرت على مناطقهم شمال شرق
سوريا، ونفي متكرر من جانب هذه الوحدات لوجود أي
تهجير، تمكنت مئات العائلات العربية من العودة لبيوتها في عدة بلدات في محافظة
الحسكة.
وكان آلاف الأشخاص قد أجبروا على النزوح عن بلداتهم بعدما سيطرت عليها الوحدات الكردية من يد تنظيم الدولة أو الجيش الحر، ولم يُسمح لهم بالعودة، فيما تعرضت مجموعات من العائلات لإطلاق النار والمطاردة بالجرافات لدى محاولتها الدخول لبلدة الهول خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
اقرأ أيضا: قوات كردية بسوريا تقمع متظاهرين بالرصاص والجرافات (فيديو)
من جانبه، أكد الناشط ملاذ اليوسف، ما أعلنته الإدارة الذاتية الكردية، حول السماح بعودة آلاف
النازحين عن بلدات ريف الحسكة الشرقي، مقدرا العدد بنحو 1800 عائلة، موزعة على الشكل التالي: بلدة جزعة 700 عائلة، وبلدة الهول 700 عائلة، تل براك 400 عائلة.
وقال اليوسف لـ"عربي2": "المدنيون العائدون وجدوا منازلهم متضررة، وأغراضهم إمّا مسروقة أو عبث بها المقاتلون، فيما دمرت منازل ناحية جزعة (اليرموك) بشكل شبه كامل، وأمست أثرا بعد عين"، بحسب تعبيره.
وأشار الناشط، الذي قاسى رحلة النزوح ذاتها، إلى أن "الإدارة الذاتية الكردية استثنت أهالي وأقرباء الأشخاص المنتسبين للفصائل العسكرية من قرار العودة". ولم يقتصر الاستثناء على من انتسبوا لتنظيم الدولة، بل يشمل عناصر كتائب الجيش الحر وحركة أحرار الشام، حيث استولت على بيوتهم وأراضيهم.
وبرر القيادي في "قوات سوريا الديمقراطية"، قهرمان حسن، تأخير عودة السكان، بقوله: "ربما تساءلتم لماذا لم نكن نسمح للأهالي بالعودة إلى ديارهم حتى الآن. من واجبنا أن نؤمن المنطقة وننظفها قبل أن نسمح للأهالي بالعودة، فكما تعلمون تكررت الهجمات على المنطقة حتى بعد تحريرها، وحفاظا على سلامتكم لم نسمح للأهالي بالعودة"، وفق ما نقل موقع "هاوار" الناطق باسم الإدارة الذاتية الكردية.
وأضاف القيادي الكردي، خلال اجتماع عقد أواخر نيسان/ أبريل الماضي، مع أهالي بلدة الهول قبيل السماح لهم بالعودة: "لهذا علينا أن نكون حذرين ولا نسمح لأي غريب بالدخول إلى المنطقة"، وفق قوله.
وتأتي عودة أهالي بلدة الهول إلى منازلهم، بعد مرور شهر على مقتل فتى برصاص "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تهيمن عليها الوحدات الكردية، خلال تفريقها مظاهرة للأهالي تطالب بالسماح لهم بالعودة، ضمن سلسلة احتجاجات بدأ منذ بداية العام الحالي، استخدم ضدها العنف والاعتقالات لقمعها. كما أظهر تسجيل فيديو مطاردة المتظاهرين بالجرافات.
من جهته، قال أحد وجهاء قبيلة الجبور العربية، فضل عدم ذكر اسمه، إن شخصيات عربية ضمن الإدارة الذاتية، أخبرتهم خلال اجتماع مع وجهاء عشائر الجبور بناحية تل براك الشهر الماضي، أن منطقتهم ليس لديها مشكلات كبيرة مع الإدارة الذاتية، على عكس مناطق الهول والشدادي والعريشة، لذا سُمح بعودة أكثر من 1000 شخص نازح إليها، منذ يوم 20 نيسان/ أبريل الماضي على دفعات، بعد سنة كاملة من الرحيل عنها، إثر سيطرة الوحدات الكردية على ناحيتي تل براك وتل حميس في شباط/ فبراير 2015.
وأضاف أن الإدارة الذاتية تعدّ مناطق العشائر العربية "حاضنة لتنظيم الدولة" جنوب الحسكة، ومنها أيضا قرى منطقة جبل عبد العزيز، وخاصة قرية تل حمام، التي يمنع أهلها من العودة رغم السماح لقرى السفح الشمالي للجبل بالعودة لمنازلهم، بينما عمدت الإدارة الذاتية إلى إسكان عائلات مقاتلي "الشعيطات" من دير الزور في بيوت أهالي القرية المذكورة، بعدما خلت من الأثاث تماما.
وكان حميدي الدهام الجربا، الذي يشغل منصب "حاكم كانتون الجزيرة" في الإدارة الذاتية بالشراكة مع هيفا عربو، قد اجتمع في آذار/ مارس الماضي بوجهاء العشائر العربية في قريته "تل علو" برعاية الإدارة الذاتية، وأعلن عن تشكيل "لجنة من وجهاء العشائر تلاحق مشاكل المهجرين والمعتقلين".
أما محمود الماضي، رئيس المكتب السياسي لمجلس قبيلة الشرابيين ، فقال: "نحن نتمنى أن يعود كل المهجرين من أهالي قرى ريف القامشلي والحسكة إلى ديارهم، بعد رحلة عناء من التهجير والتشرد إلى ديارهم".
لكنه تابع قائلا: "السؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي دفع مليشيا الإدارة الذاتية إلى هذا الاعتراف الصريح الآن؟.. بعد كل النفي والتكذيب لهذه الانتهاكات بما فيها تقرير منظمة العفو الدولية الصادر بتاريخ 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، والذي أكد عملية ممنهجة للتهجير"، مشيرا إلى حرق وتجريف 13 قرية لقبيلة الشرابيين وتهجير أهلها في ناحية جزعة بتاريخ 3 أيلول/ سبتمبر 2014، وفق قوله.
وأضاف لـ"عربي21": "وبعد اعترافهم هذا، نأمل أن يتعهدوا ببناء هذه القرى التي حرقوها وجرفوها؛ ليتمكن السكان من العودة، أو بتعويض أصحابها، إذا كانوا جادين بهذه الخطوة، وليست للاستهلاك الإعلامي فقط".
وأوضح الصحفي مضر الأسعد، المنحدر من جنوب الحسكة، أن قرار العودة شمل بعض العائلات المحتجزة في قرية أم حجيرة، شمال بلدة الهول، منذ سبعة أشهر، لكنها وجدت بيوتها مسروقة بشكل كامل، بحسب قوله.
وقال لـ"عربي21" إن آلاف العائلات لا تزال خارج قراها التي خسرها الجيش الحر بمنطقة رأس العين، فيما هدمت منازله في مناطق عدة، "فإلى أين يعودون؟".
وكانت "قوات سوريا الديمقراطية"، الذي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري، قد سيطرت بدعم من طيران التحالف الدولي، في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، على بلدة الهول، ضمن أولى حملاتها العسكرية ضد تنظيم الدولة شمال شرق سوريا. ورافق ذلك نزوح شبه كامل للسكان، حيث استقر معظمهم في قرية أم حجيرة خواتنة، وفي مدارس مسبقة الصنع في قرى الشويلة والصاوي والسليمانية، ثم تبع ذلك موجة نزوح جديدة بعد السيطرة على ناحيتي الشدادي والعريشة في شباط/ فبراير 2016.
اقرأ أيضا: مظاهرة شرق سوريا لسكان تمنعهم وحدات كردية من دخول مناطقهم