نشرت "نيويورك تايمز" تقريرا للكاتبة كريستينا باستشين، تقول فيه إن
روسيا عانت من هزيمة غير متوقعة في مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن سونغ كونتيست" يوم السبت الماضي، وحصلت على الدرجة الثالثة، بينما حصلت أوكرانيا على المرتبة الأولى.
وتقول الكاتبة إن "مما يزيد ألم الهزيمة لروسيا هو أن المتسابقة من أوكرانيا، حيث إن جامالا تتحدر من
تتار القرم، ولم تغن أي أغنية، بل غنت عن قيام السلطات السوفيتية بالترحيل الوحشي عام 1944 لشعبها، عندما تم ترحيل 230 ألف شخص من تتار
القرم، أي أغلبية السكان من شبه جزيرة القرم، الذين مات نصفهم تقريبا نتيجة الترحيل".
ويشير التقرير إلى أن المسؤولين الروس انتقدوا فوز أوكرانيا، بصفته مثالا آخر لـ "حرب الدعاية والمعلومات"، التي يشنها الغرب ضد بلادهم، مستدركا بأنه "مع ذلك، فإن أوروبا تشعر بالسعادة بتوجيهها صفعة للرئيس الروسي فلاديمير
بوتين، الذي لا يزال ضمه للقرم عام 2014، وحربه في أوكرانيا، مصدر إزعاج لأوروبا".
وتقارن الصحيفة بين انتصار الأغنية الأوروبية، الذي حصل في عالم الترفيه، وبين الميدان الحقيقي، "حيث تصعد روسيا من قمعها لتتار القرم، الذين يشكلون اليوم 12% من السكان، بعد سماح السلطات السوفيتية عام 1989 بعودة من عاش من المهجرين وأبنائهم وأحفادهم".
وتلفت باستشين إلى أن روسيا قامت في 26 نيسان/ أبريل بحظر المجلس التشريعي لتتار القرم، حيث صنف المجلس بأنه "منظمة متطرفة"، وقامت السلطات الروسية بتاريخ 12 أيار/ مايو باعتقال عدد من التتار، بينهم نائب رئيس المجلس علمي عمروف، مشيرة إلى أن الناشطين يقولون إن المزيد من التفتيش والاعتقالات متوقع قريبا.
ويعلق التقرير بأن "مثل هذا التحرك يدل على فقدان الإحساس لدى روسيا، خاصة أن ذكرى نفي تتار القرم عام 1944 تحل هذا الأسبوع"، مشيرا إلى أنه "إذا أخذنا بعين الاعتبار معاملة روسيا لتتار القرم في الماضي، فإن الأمر لا يقلق روسيا على أي حال".
وتتحدث الصحيفة قائلة إن "تتار القرم كانوا دائما كبش الفداء في روسيا، وكان تبرير جوزيف ستالين لنفيهم أنهم تحالفوا مع ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وصحيح أن بعضهم فعل ذلك، بحسب ما يقول المؤرخون؛ إما لأنهم أجبروا على ذلك من القوات الغازية، أو لأنهم ظنوا بأن الألمان سيحررونهم من الاتحاد السوفييتي، لكن السجلات تثبت أن عددا مشابها، إن لم يكن أكثر، من تتار القرم لم ينشقوا خلال الحرب، بل قاتل الكثير منهم بكل شجاعة مع الجيش الأحمر".
وتورد الكاتبة أن المؤرخ من جامعة "ماستشوستس" في دارتموث بريان غلين ويليامز، يعتقد أن ما دفع ستالين إلى نفي التتار هو خططه لشن حرب ضد تركيا؛ لاستعادة الأراضي التي خسرتها روسيا خلال الحرب العالمية الأولى، حيث سعى ستالين لتحييد أي عملاء محتملين، وكان تتار القرم المشتبه بهم الرئيسيين؛ لأنهم مسلمون من العرق التركي.
وينوه التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن معاناة تتار القرم تعود إلى عام 1783، عندما قامت روسيا بغزو شبه جزيرة القرم، وبدأت بطرد سكانها، وكان لتتار القرم ولمئات السنين قبل الاحتلال الروسي دولتهم الخاصة بهم "خانات القرم"، لافتا إلى أن تتار القرم لا يزالون يرفضون التسليم للاحتلال الروسي، ومعظمهم عارض ضم القرم عام 2014، ولا يزال زعماؤهم يطالبون بإعادة وحدة القرم مع أوكرانيا.
وتذكر الصحيفة أن هذه المعارضة لم ترق لروسيا، فقامت السلطات الروسية بإغلاق المؤسسات الإعلامية لتتار القرم، وقامت القوات الروسية بمداهمة البيوت والمساجد، وضايقت الناشطين من تتار القرم وسجنتهم، واختفى بعضهم أو قتل، مشيرة إلى أن روسيا حاولت منع تتار القرم من إحياء ذكرى نفيهم، وقامت بإعادة نفي الزعيم السياسي لتتار القرم مصطفى جميلوف.
وتفيد باستشين بأن "20 ألفا من تتار القرم فروا بعد ضم شبه جزيرة القرم لروسيا، وهذا مدمر لشعب قضى 45 عاما مشردا عن أرضه، وظن البعض أنهم تخلصوا تماما من روسيا عندما تفكك الاتحاد السوفييتي، وصارت القرم تابعة لأوكرانيا، وقليل منهم من ظن أن الكابوس قد يعود مرة ثانية، كما حصل عام 2014".
ويجد التقرير أنه "إذا أريد لتتار القرم البقاء، فإنه ينبغي على الدول الغربية تقديم المزيد من المساعدة، والخطوة الأولى هي الاعتراف بتتار القرم على أنهم الشعب الأصلي للقرم، وقد فعلت أوكرانيا ذلك قبل عامين، وتبعها في ذلك البرلمان الأوروبي، كما يجب اعتبار التشريد الذي حصل عام 1944 عملية إبادة جماعية، وقد أعلنتها أوكرانيا كذلك رسميا عام 2015، وتدعو المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، إلى أن تفعل الشيء ذاته".
وتبين الصحيفة أن "وزارة الخارجية الأمريكية قامت في بعض المناسبات بشجب الطريقة التي تتعامل فيها روسيا مع التتار، لكن هذا لا يكفي، حيث وقع الرئيس أوباما أوامر تنفيذية تظهر بنود المقاطعة التي ستفرض على روسيا، والأسباب التي تبررها بعد اجتياحها للقرم، فيجب تعديل الأسباب لتتضمن الانتهاكات الروسية لحقوق الإنسان ضد التتار، ويجب على الولايات المتحدة الضغط على مسؤولي الاتحاد الأوروبي؛ لتجديد العقوبات على روسيا عندما تنتهي في شهر تموز/ يوليو، وعدم فعل ذلك سيكون رسالة لبوتين مفادها أن بإمكانه الدوس على سيادة أوكرانيا دون أن تترتب عليه أي تداعيات".
وتورد الكاتبة أنه "بالإضافة لذلك، يجب أن يدعم أعضاء الكونغرس مشروع قانون الوقوف مع أوكرانيا، الذي طرح في الكونغرس في نيسان/ أبريل، حيث سيؤكد القانون رفض الولايات المتحدة الاعتراف بضم القرم، والأهم من هذا أنه يمنع الرئيس من رفع العقوبات المدرجة في الأوامر التنفيذية حتى يتم التوصل لحل لوضع القرم بموافقة أوكرانيا".
وبحسب التقرير، فإن تتار القرم يقومون بكل ما يستطيعون؛ لمقاومة تدمير ثقافتهم، حيث قام ناشطون العام الماضي بمنع الغذاء والطاقة القادمين من أوكرانيا من دخول شبه جزيرة القرم، وأدى هذا إلى انقطاع الكهرباء؛ وذلك لإظهار مدى اعتماد شبه الجزيرة على أوكرانيا، لافتا إلى أن جميلوف وغيره من قيادات تتار القرم في أوكرانيا يقومون بلقاء الزعماء الأجانب والظهور في وسائل الإعلام، كما يحاول ممثلون عن تتار القرم طرح قضيتهم في الأمم المتحدة.
وتتساءل باستشين قائلة: "فهل هناك أحد يسمع؟ سجل العالم في مجال حماية أهل الأرض الأصليين ليس جيدا، بل إنه في كثير من الأحيان حريص على التضحية بهم؛ بسبب الانتهازية السياسية".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالقول: "هناك البعض ممن يقولون إن قضية القرم قضية خاسرة، وإن بوتين لن يسمح بعودتها لأوكرانيا؛ لأن علاقة الروس مع شبه الجزيرة علاقة عميقة، وينسون أن شبه جزيرة القرم كانت ملك تتار القرم قبل ظهور الإمبراطورية الروسية أو الاتحاد السوفييتي أو بوتين بكثير".