مع انطلاق العمليات العسكرية الروسية في الربع الأخير من العام الماضي، انتشرت العديد من المقولات منها على سبيل المثال أنّ الولايات المتّحدة كانت تعارض التدخّل الروسي في
سوريا، وأنّ هذا التدخل تم رغما عنها، ومنها أن هناك اتفاقا أمريكيا-تركيا على المنطقة الآمنة، وأنّ هناك خلافات روسية-إيرانية حول مصير
الأسد وحول طريقة إدارة
روسيا للمف السوري، ومنها أنّ روسيا ستضغط على الأسد لتحقيق الانتقال السياسي.
كل هذه المقولات ثبت خطأها حتى الآن لا سيما ما يتعلق بالموقف الأمريكي من التدخل الروسي والحديث عن وجود خلاف روسي-إيراني، إذ تبيّن في حقيقة الأمر أنّ التدخل الروسي في سوريا جرى بمباركة أمريكية وتسهيل من قبل إدارة
أوباما، حيث كانت الإدارة قد طلبت من جميع الدول الصديقة التواصل مع روسيا بدعوى أنّ ذلك سيساعد على حل الأزمة السورية.
أمّا الحديث عن خلافات روسيّة-إيرانية فقد أثبتت الوقائع حتى اليوم أنّه لا يوجد شيء من هذا الأمر على الإطلاق، فالتدخل الروسي تم بالتكامل مع الدور الإيراني، حيث ساهمت إيران في وصول التعزيزات العسكرية الروسية عبر مجالها الجوي، كما تقاسم الطرفان الأدوار فأمّنت روسيا الغطاء الجوي للقوات الإيرانية والأسدية البريّة.
ما تريده روسيا في سوريا اليوم لا يتناقض مع ما تريده إدارة أوباما حقيقة ولا يختلف كثيرا عما تريده طهران أيضا. ما تريده روسيا في الملف السوري الآن من الناحية السياسية يمكن إيجازه بأربعة أمور رئيسة، هي:
أولا: بقاء النظام السياسي السوري كما هو. روسيا لا تريد تغيير النظام السوري بهيكليته وتشكيلته ومؤسساته (مع التحفظ على توصيف مؤسسات) وإن اقتضى ذلك إبقاء الأسد. في تصريح لبوتين في آخر شهر أيار/ مايو الماضي، قال حرفيا إنّ "هدف روسيا في سوريا محاربة تنظيمات الإرهاب والحفاظ على السلطة الشرعية في سوريا حتى لا ينهار أي شيء".
في جميع الجلسات الثنائية والدولية لم تعلن روسيا عن ما يفيد تخليها عن الأسد أو الضغط عليه لإخراجه، لكنها أعلنت ما يفيد بقاءه على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ثانيا: دمج المعارضة المصنّعة المحسوبة على الأسد الأن، التي ستكون محسوبة على روسيا مستقبلا في جسم المعارضة الحقيقية، وأن تكون حاضرة على طاولة المفاوضات أيضا، ولها كلمتها في تحديد أفق المرحلة المقبلة، وفريق صالح مسلّم جزء أساسي من هذه المعارضة المصطنعة التي يراد لها أن تندمج في جسم المعارضة الحقيقيّة.
ثالثا: تحديد معالم سوريا المستقبل والتحكم بمكوناتها من خلال دستور مفصّل على مقاس ما تريده روسيا، وهو المطلب الذي وافقت عليه واشنطن مع زيارة جون كيري الأخيرة إلى موسكو وعملت على تسويقه من خلال رسائل حملتها إلى أصدقائها المفترضين في المنطقة.
رابعا: تدمير البدائل السياسية والعسكرية لنظام الأسد عبر محاربة فصائل المعارضة السورية بحجّة محاربة تنظيم داعش، وهو الأمر الذي جرى ويجري فعلاً منذ التدخل العسكري في الربع الأخير من العام الماضي. فتحت شعار محاربة الإرهاب يتم القضاء على المعارضة المعتدلة ويتم إجبار المعارضة السياسية على الخضوع بحيث يصبح الخيار إمّا داعش أو نظام الأسد.
لكن ما تريده روسيا شيء، وما سنحصل عليه في نهاية المطاف في المنطقة نتيجة لهذه التنازلات الأمريكية ولجنون العظمة الروسي شيء آخر مختلف تماما.