نشرت صحيفة "ليتيرا 43" الإيطالية تقريرا؛ سلطت فيه الضوء على الانتهاكات الجسدية والمعنوية التي تتعرض لها القاصرات السوريات في
مخيمات اللاجئين، بعدما فررن من أهوال الحرب في
سوريا بحثا عن الأمان والاستقرار.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن هذا الجيل من الأطفال والشباب قد فقد اليوم جزءا كبيرا من كرامته وحريته في سبيل البقاء على قيد الحياة، حيث إن الكثير من العائلات تضطر إلى تزويج بناتها القاصرات لإعالة بقية أفراد الأسرة.
ونقلت الصحيفة ما جاء على لسان "كوثر" التي تبلغ من العمر 15 سنة، حول المعاناة التي تعيشها الفتيات السوريات في مخيمات اللجوء من انتهاك لحقوقهن؛ عبر تزويجهن وهن ما زلن في مرحلة الطفولة، حيث يتعرضن للاغتصاب وللعنف الجسدي والجنسي، ما جعلهن يشعرن أنهن "عبيد" تحت أيدي الاستغلاليين وضحايا الحرب والفقر وعادات الأجداد القديمة.
وذكرت كوثر أن عائلتها زوجتها وهي في سن 12 لرجل سوري يبلغ من العمر 28 سنة، وقد مُورس في حقها العنف على يد زوجها وعائلته خلال أول أيام زواجهما.
وكانت كوثر قد استقرت مع والدتها وأخواتها في مخيم بر إلياس، الذي يضم قرابة 10 آلاف فلسطيني و100 ألف سوري، عندما اشتدت الحرب في سوريا، ونوّهت إلى أن ظروف العائلة المادية كانت صعبة للغاية، مثل جل العائلات السورية اللاجئة، خاصة بعد نزوح والدها إلى الأردن وترك العائلة بلا معيل.
وذكرت الصحيفة أن كوثر اضطرت إلى الموافقة على الزواج مكرهة نظرا لأن زوجها سيكون السبيل الوحيد لمساعدة عائلتها ولتخفيف العبء عنها.
وفي هذا السياق، قالت كوثر بحزن إنها لم تعش لحظة زفافها التي تتمناها كل فتاة، فقد أرسل زوجها أخاه ليصطحبها إلى منزله ومنع عائلتها من مرافقتها.
وأضافت كوثر أنها تعرضت للعنف الشديد من قبل زوجها وأخواته الثلاث أمام أعين الجميع، في اليوم الثالث من زواجها، حيث لم يتفاعل معها أحد من سكان المخيم. وقد قام زوجها وأخواته بربطها وتكميم فمها لتتم فض بكارتها على يد أخواته، ولم تتمكن من الهروب إلى عائلتها إلا بعد محاولات متكررة دامت حوالي الشهر، كما تقول.
وقالت كوثر إنها تسعى إلى جمع قصص الأطفال والشباب السوريين في المخيمات، وخاصة الفتيات اللاتي يعانين مثلها وتقديمها بشكل مصور، كجزء من مساهمتها في منظمة "كاف" الحقوقية التي انخرطت فيها، نظرا لشغفها بالتصوير الفوتوغرافي الذي زادها إصرارا على نقل هذه القصص، على الرغم من تأكدها من احتمال أن الفتيات لن يتزوجن مرة أخرى بعد عرض الصور والقصص.
وأضافت الصحيفة أن جل العائلات في المخيمات تعتبر الزواج المبكر من أنجع الوسائل لمساعدة الأسرة، وأحيانا السبيل الوحيد لضمان بقاء أفرادها على قيد الحياة.
وكشفت دراسة أعدتها جامعة القديس يوسف في بيروت أن 23 في المئة من
النساء السوريات في مخيمات
لبنان تزوجن قبل سن 18، وتعدّ هذه الظاهرة من التداعيات السلبية والمأساوية التي خلّفتها الحرب في سوريا.
وأفاد رئيس الاتصالات بمركز كاريتاس للمهاجرين بلبنان، جان خوري، أن "هذه الظاهرة تعد مشكلة خطيرة بالنسبة لمجتمعاتنا المحلية، وهو تعد مباشر على حقوق الطفل". وأضاف أن "حل هذه الظاهرة سيكون صعبا، خاصة وأن الكثير من العائلات لا تعتبر أن زواج القاصرات يمثّل معضلة حقيقية، كما أن الإشكال سيتفاقم أكثر مع غياب التعليم، فيصبح من السهل جدا إقناع الفتيات أن الزواج هو الطريقة الوحيدة التي ستضمن مستقبلهن".
وأشارت الصحيفة إلى أن ما يربو عن 80 في المئة من الأطفال السوريين لم تسمح لهم ظروف الحرب بممارسة حقهم في التعليم، وهذه الإشكالية دفعت بالعديد من الذكور منهم للسقوط إما بين براثن تنظيم الدولة أو في الأعمال المشبوهة بهدف تأمين دخل لعائلاتهم.
وتضطر العديد من الفتيات للزواج لدعم عائلاتهن من خلال دفع المهر الذي يقدمه العريس إلى عائلة الفتاة.
وأضافت الصحيفة أن الحكومة اللبنانية اقترحت خلال سنة 2014 إطلاق قانون يمنح المحاكم المدنية صلاحية تقييم كل زواج يشمل قاصرا، والموافقة عليه، بهدف التقليل من التجاوزات والانتهاكات الجنسية التي تتعرض لها الفتيات من قبل أزواجهن، كما حدث مع كوثر، مع منح الفتيات تأمينا من شأنه حمايتهن وأطفالهن من مخاطر الولادة التقليدية. لكن هذا الاقتراح واجه معارضة كبيرة من المحاكم الدينية التي تعطي لنفسها فقط صلاحية تسجيل الزواج.
من جهتها، قالت ندى، إحدى الأرامل في المخيم، إنه "لن يكون لكل الفتيات في المخيم المصير ذاته الذي واجهته كوثر". وأضافت أنها "رفضت العديد من مقترحات الزواج لابنتها، وأنها اتفقت معها على إيجاد وسيلة لتأمين دخل متواضع تعيشان من خلاله دون إهمال الدراسة"، بحسب ما تنقل عنها الصحيفة.