بجسد واهن وبروح أنهكها فراق الزوجة والأب تباعا، يواجه المعتقل السابق سهيل عيد؛ قسوة التغرب عن مدينته
حلب، مسترشدا ببقية صور لا زالت تحتفظ بها ذاكرته المتعبة بعد سنوات
الاعتقال التي قضاها في
سجون النظام السوري.
ففي مدينة عينتاب التركية، القريبة من الحدود السورية، لا زال عيد منذ قرابة العام يحاول البحث عن موطئ قدم لأطفاله الثلاثة الذين فقدوا أمهم، بعيدا عن
سوريا التي قضى أربع سنوات فيها متنقلا بين زنازين نظامها المظلمة، في حلب ودمشق وحماة.
عندما دخل المعتقل في آذار/ مارس 2012، إثر اعتقاله على حاجز عسكري على أطراف مدينة حلب، لم يكن يتوقع أن فترة اعتقاله ستمتد إلى أربع سنوات، مدة تنقل خلالها على أكثر من 15 فرعاً أمنياً مختلفاً، كانت قواسمها المشتركة "التعذيب، والظلام، والقمل، والجرب والعطش والجوع"، بحسب وصفه.
بدأت رحلة عيد، مدرس التربية الإسلامية، في فرع الأمن السياسي بحلب، ونقل بعدها إلى اللجنة الخماسية في فرع الجنائية، ومن ثم إلى فرع الأمن العسكري، ومنه إلى سرية المداهمة في الفرع 215 في العاصمة دمشق.
ويقول في حديث لـ"
عربي21": "في الفرع 215 أخذ التعذيب طابعاً مغايراً، فهناك لم نر الشمس أو الضوء لمدة زادت عن ثلاثة أشهر، وكنا نعيش في زنازين أسفل الأرض، دون حمامات".
ويضيف: "بعد هذه المدة، تم تحويلي إلى الفرع 291 التابع لجهاز المخابرات العامة، وهنا بدأ مشوار التحقيق والسل معاً"، كما قال.
دروع بشرية
يسرد "عيد" تفاصيل عن استخدام النظام للمعتقلين كـ"دروع بشرية"، وقال: "كانت حالتنا تسوء كثيراً في الفرع 291، بسبب نقص الماء وانعدام الضوء والتهوية، لنكتشف فيما بعد أن أكثر المعتقلين قد أصيبوا بعدوى السل، وحينها تم تحويلنا إلى فرع فلسطين (مخابرات عسكرية)، ليستخدمونا كدروع بشرية، حتى تقلل المعارضة من استهداف مباني الأفرع".
وأوضح أنه "كان الموت يزورنا بشكل يومي، ومن نجا من المعتقلين حينها كان بمثابة المولود الجديد"، على حد وصفه.
الشهادة الجامعية تُهمة
وينقل "عيد" عن القاضي في المحكمة الميدانية المتواجدة بالقرب من مقر التدريب الجامعي في دمشق، ياسر خرفان، "أن النظام هو من أمر بقتل الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي".
ويضيف: "عندما مثلت أمام القاضي المذكور، قال لي حرفياً، أنت من زملاء الشيخ يوسف القرضاوي، لكن عندما قلت له أن الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي هو من أساتذتي في جامعة دمشق، قال لي: نحن من أصدر أمر قتله"، وفق ما رواه عيد.
وأردف عيد: "في كل الأفرع كانت حصتي من التعذيب مضاعفة بسبب شهادتي الجامعية"، في إشارة إلى دراسته الشريعة.
مرض السل الألم والأمل
كانت أوضاع "عيد" الصحية متدهورة، قبل أن يُتّخذ قرار بتحويله إلى سجن "صيدنايا"، لكن لمرض السل المستشري في جسده "حسنة"، كما يقول، فقد "رفضوا في السجن استقبالي، وتم تحويلي إلى مشفى حرستا العسكري، وهناك بدأت فصول جديدة".
ويستطرد: "في المشفى صادفني طبيب تعاطف معي كثيراً، وبدأت مشوار علاجي، إلى أن تعرف عليّ أحد عمال المشفى، وحينها أبلغ عائلتي بمكان تواجدي، ليبدأ إخوتي بالبحث عن سماسرة أملاً في اخراجي من السجن".
في هذا الوقت وبعد محاولات عديدة فاشلة، نجح أحد أشقاء عيد في التعرف إلى سمسار له "علاقات كبيرة ومتشعبة"، اشترط مبلغاً ضخماً يصل لحوالي 10 ملايين ليرة سورية، قبل أن يتدخل في الأمر.
يقول عيد: "دفعت عائلتي المبلغ كاملاً، وبعد مشوار طويل جداً من الترافع القضائي تم إطلاق سراحي، لكن بعد أن أتممت الأربع سنوات في السجون".
ما بعد السجن
خرج "عيد" من المعتقل ليجد أن زوجته كانت واحدة من بين ضحايا مجرزة "رسم النفل" التي ارتكبتها قوات النظام في قرب منطقة السفيرة، جنوب شرق حلب، والتي حصدت أرواح أكثر من 200 ضحية، في تموز/ يوليو 2013، بينما نجا أطفاله الثلاثة بأعجوبة من تلك المجزرة، تبع ذلك أيضاً وفاة والده حزناً على اعتقال ابنه.
وبالرغم من مرور عام على خروجه من المعتقل، لا يزال عيد يتابع مشوار علاجه من آثار مرض السل في تركيا، وأجرى منذ ذلك الحين عدة عمليات جراحية، أفصح عن مكان واحدة منها، وهي لـ"تقشير رئة"، لكنه رفض الإفصاح عن مكان العمليات الجراحية الأخرى التي خضع لها.