كثر الجدل بعدما رشح عن اجتماع وزيري الخارجية الأمريكي جون كيري، والروسي سيرجي لافروف، هذا الشهر، اتفاق روسي أمريكي لمحاربة
جبهة النصرة في
سوريا، فيما تعالت الأصوات المنادية بفك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة، وهو أمر ليس جديدا، لكن الجديد أن الأصوات صدرت من قبل بعض منظري
الجهادية السلفية ممن كانوا يرفضون رفضا قاطعا مثل هذا الأمر في السابق.
وعن تداعيات هذه المسألة وما ينتج عنها في كلتا الحالتين، أي سواء تم فك الارتباط أو المحافظة عليه، قال قيادي في جبهة النصرة لـ"
عربي21"، طالبا عدم الكشف عن اسمه، إنه "في السنين السابقة لم تكن تسمح مجريات الأحداث، وكثرة المرجعيات، وهجوم الغلو وادعائه المشروعية، وتنوع أحزاب الانبطاح، باتخاذ قرار يقضي بالابتعاد بين النصرة والأم
القاعدة، بل كانت المصلحة تقضي السير في ظل مشروعية القاعدة، قاطعة بذلك الطريق على منهجية الغلو والخروج على منهاج مشايخنا في الجهاد والتعامل مع الواقع بفهم وفقه له"، وفق قوله.
ويعتبر القيادي أن من أسماهم "أهل المنهج القويم والجهاد على بصيرة؛ هم من يجيدون التعامل مع مستجدات الأحداث واتخاذ قرارات على ضوء فقه الواقع"، وقال إن جبهة النصرة لا تقدس اسما ولا تقاتل له، وهي من أخذت على غيرها تعصبه واصطفافه خلف شعارات جعلها مقدسة وأصلا من أصول الدين".
وقال: "في حال تم الإعلان عن فك الارتباط بالقاعدة، وهو أمر اجتهادي، لن يتغير المنهج الذي انطلقت منه رجالات النصرة ومشايخها"، مضيفا: "ما غيّرت في أمر اجتهادي ما غيرته إلا لأجل مصلحة ثورة أهل الشام المباركة ولحمة مجاهديهم.. بل تركها للقاعدة إذا تم هو من أجل وحدة صف الجهاد ولم شمل المجاهدين".
وأوضح القيادي أنه "إذا كان الاسم أو الارتباط؛ يعيق ذلك، فالتخلي عنه واجب، وليس حفاظا على سلطة ولا خوفا من قصف لم يتوقف ولن يتوقف"، بحسب تعبيره.
وتوقع أن يكون هناك بيان لجبهة النصرة أو كلمة لأميرها أبي محمد الجولاني في الأيام القادمة، مشيرا إلى أن "النصرة من خلال مجلس الشورى تتدارس هذا الطرح، وسيكون فيه قرار لقطع الطريق على المتصيدين في الماء العكر"، على حد وصفه.
وذكر أنه "في حال جاء التوافق على فك الارتباط؛ سيكون هناك شروط، منها أن على من يطالب النصرة بترك القاعدة وتخليها عنها هم يرتبطون بدول ومشاريع تعيق جهاد وثورة الشام، بل وتقف ضدها في حقيقة الأمر وتسيسها، فعليهم فك ارتباطهم هم من باب أولى".
كما تحدث عن "الدعوة لتشكيل مجلس شورى أو ما يشبه ذلك، يضم الفصائل المجاهدة، درءا للفتن وحفاظا على الجهاد، وربما تتناول الشروط التأكيد على حقوق المهاجرين ووجوب نصرتهم كما نصرونا"، وفق تعبيره.
لكن القيادي يذهب إلى "التريث وعدم استباق ما سيصدر، ويعتبر أنه لا شيء حُسم في هذه القضية بعد، بل هي مجرد تحليلات"، كما قال.
من جهته، يرى الباحث والشرعي عباس شريفة أن "النصرة لن تنقض بيعتها للظواهري ولن يكون فك الارتباط إلا بإذنه"، معتبرا أن "الارتباط موجود حتى مع إعلان إنهائه".
وأضاف لـ"
عربي21": "تصنيف النصرة على قائمة الإرهاب كان سابقا للارتباط (بالقاعدة)، ولكن (فك الارتباط) قد يسحب الشرعية القانونية لضرب النصرة"، فق قوله.
ويعتبر الباحث في الشأن السوري أحمد أبا زيد؛ أن "هناك أكثر من تيار داخل جبهة النصرة، أحدها يدفع باتجاه فك الارتباط بالقاعدة، والآخر يدفع للتمسك بتنظيم القاعدة".
وقال لـ"
عربي21": "الأمر مرتبط بحسابات داخلية قبل أن تكون خارجية، منها جاذبية اسم القاعدة بالنسبة للمتأثرين بفكر الأيديولوجية السلفية، إضافة للمهاجرين أو المقاتلين الأجانب، وأيضا مرتبط بمصادر الدعم بالقاعدة، فضلا عن مواجهة أيديولوجية تنظيم الدولة التي تعتبر جاذبة من داخل الوسط الجهادي"، وفق تقديره.
ويعتقد أبا زيد أن "النصرة إذا فكت ارتباطها بالقاعدة فإن هذا لن يجعلها في مأمن من ضربات التحالف الروسي الأمريكي، باعتبار أن الاتهامات موجهة لها بضرب المصالح الغربية، فلم تعد المسألة تنظيمية بقدر الاتهام لها كتنظيم، عدا عن موقفها من العملية السياسية".
وكان أبو محمد المقدسي، أحد منظري السلفية الجهادية في الأردن، قد اعتبر من خلال مجموعة من التغريدات عبر حسابه على "تويتر" قبل أيام؛ أن "جبهة النصرة أو غيرها إن صارت عائقا أو سببا لاستهداف أهله فتغيرها أو التنازل عنها ليس تنازلا عن قرآن". ويضيف المقدسي: "فك الارتباط ليس ردة عند الحاجة إليه".
ورأى المقدسي أنه "يحق لجبهة النصرة أن تطالب من طالبها بفك ارتباطها بقيادتها؛ أن يفك المُطالب ارتباطه بالداعم، فذلك أولى"، على حد قوله.
وقال المنظر الآخر أبو قتادة الفلسطيني؛ معلقا: "لم ننصر يوما اسما إلا ما كان من الشرع"، مضيفا: "ما أمنياتنا إلا أن نرى الإسلام، والإسلام فقط من ترتفع رايته"، وفق تعبيره في تغريدة على "تويتر".
لكن مدير مركز المقريزي في لندن، هاني السباعي، اعتبر، عبر حسابه على "تويتر" أن "فك الارتباط حاليا مفسدته أكبر من مصلحته"، بحسب تعبيره.
وحول ما بعد فك الارتباط في حال حصل، يرى أبو عمارة السوري، وهو قيادي مقرب من الجماعات الجهادية، أن "النصرة ستفقد الكثير إذا فكت ارتباطها بالقاعدة، أهمه مشروعيتها الجهادية التي على أساسها استمالت كثيرا من الجهادين الذين كادوا أن يكونوا مع تنظيم الدولة".
وقال إن هذا يعني أن كثيرا "من الذين يعتبرون صقورا جهاديين فيها سيتحولون إما لتنظيم الدولة أو لتيار جهادي وسطي، مثل جند الأقصى مثل".
وأضاف: "الأمر الآخر الذي يترتب عن انفكاكها عن القاعدة ما سيضيفه ذلك كسهم قوي في جعبة تنظيم الدولة؛ الذي اعتبر مشروع جبهة النصرة مشروعا وطنيا لا يمت للجهادية بصلة، فهذا سيعزز موقف التنظيم وسيعتبر نفسه الوحيد الذي يمثل الجهادية السلفية كمشروع شمولي عالمي، وبالتالي سيزيد من أرصدته عند أصحاب الأيديولوجية الجهادية"، وفق تقديره.
ويرى أبو عمارة السوري أن "جبهة النصرة تستطيع تجنب تداعيات هذا الانفصال بعدة أمور، منها تأكيدها على هوية مشروعها ومنهجها، وجعله أولوية مقدسة لا يمكن المساس بها، وإجبارها الفصائل بقطع سياسة الرضوخ لما يريده ويمليه الداعمون، وأيضا تشكيل جسم جهادي كبير كنقطة قوة لصالحها".
وكانت مصادر قد أبلغت "
عربي21" في وقت سابق؛ بأنه يُتوقع أن تكون هناك كلمة صوتية لزعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، يبين موقف الجبهة من هذا الأمر، ورجحت بعض هذه المصادر ظهور وجه الجولاني للمرة الأولى.