شهدت مدينة
تل أبيض السورية مؤخرا، تحولات دراماتيكية عصفت بأبناء المجتمع، الذي يشكل العرب والتركمان فيه أكثر من 90 بالمئة، بحسب ناشطين أكدوا أن الأطفال هم المتضرر الأكبر من هذه التحولات "العاصفة"، وخاصة في مجال التعليم.
وأوضح الناشط الإعلامي في ريف حلب، محمود الحسن، أن "معاناة الأطفال في تل أبيض بدأت عندما أحكم
تنظيم الدولة سيطرته على المدينة الحدودية، فأغلق المدارس بمختلف مراحلها، وعمل بخطى حثيثة على مشروع تجنيد المراهقين".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "إغلاق المدارس يعني إغلاق المستقبل، وتنظيم الدولة أراد بهذه الخطوة جعل مستقبل الجيل مرتبطا به".
ولم يختلف الوضع كثيرا بعد سيطرة قوات
سوريا الديمقراطية (
قسد) على تل أبيض، بل إن كثيرا من أهالي المدينة يرون أن الحالة التعليمية باتت أسوأ، لأن "قسد" تسعى لتغيير هوية الطلبة، ثم تجنيدهم في صفوفها. وقال الناشط الحسن: "لا يشكل
الكرد وفق أحسن التقديرات أكثر من 10 بالمئة من سكان تل أبيض وريفها، ورغم ذلك فإن (قسد) تسعى لفرض الهوية الكردية على مكونات المدينة جميعها".
تراجع عن السماح بتعليم العربية
وسمحت "قسد" في بداية سيطرتها على تل أبيض؛ بالتعليم باللغة العربية، لكنها فرضت في الوقت عينه تدريس اللغة الكردية.
وقال المعلم في ريف تل أبيض، موسى أبو عمران: "أدركنا جميعا أن فرض تدريس اللغة الكردية خطوة خبيثة ستتبعها خطوات، فكيف تُفرض لغة غير محكية على مدينة يشكل العرب والتركمان أكثر من 90 بالمئة من سكانها".
وأضاف أبو عمران لـ"
عربي21": "شعار الديمقراطية وهم تختبئ (قسد) وراءه، فالقرارات تُصدر وتُفرض، وعلى الجميع التنفيذ".
وتطورت الأمور لاحقا عندما فرضت "قسد" منهاجا كرديا كاملا على طلاب الصف الأول والثاني والثالث، تمهيدا لفرضه على بقية المراحل، مستبعدة تعليم العربية. وبحسب الناشط الحسن؛ فإن "نظام بشار الأسد اعترض على هذه الخطوة، وعدها خطا أحمر، وطلب من المعلمين الذين يتقاضون الرواتب من النظام الجلوس في بيوتهم".
واستدرك بالقول إن "مدير المجمع التربوي في تل أبيض؛ قام بزيارة لدمشق لمناقشة المسألة مع وزير التربية، وتوصل الطرفان إلى حل وسط يقضي بعودة التدريس باللغة العربية في جميع مدارس المدينة، مع عودة تدريس اللغة الكردية عبر معلمين تؤمنهم (قسد)، وبما أن نظام الحصص لا يساعد على ذلك؛ فقد تم حذف مواد التربية الفنية والرياضية؛ لإفساح المجال أمام تدريس اللغة الكردية".
الهوية العربية والأخلاقية
ويرى أهالي تل أبيض أن تعليم الكردية لا يستهدف الهوية وحسب، وإنما تجنيد الأطفال في "قسد"، وخلق حاضنة شعبية لها في المناطق العربية.
وقالت المعلمة في تل أبيض، أم محمد، لـ"
عربي21" إن "
الأكراد المسيطرين على (قسد) يدركون أنهم منبوذون من أهالي المدينة، ولذلك لجأوا إلى التعليم لزرع أفكارهم، والتقرب من الأهالي".
وأوضح الناشط الحسن أن "الأكراد يمارسون أسلوب النظام نفسه، فالنظام فرض سابقا مادتي التربية القومية الاشتراكية، والتربية العسكرية، بهدف غرس فكر البعث، والكرد يحاولون زرع فكر أوجلان الشيوعي".
وهناك "جانب أخلاقي" وراء رفض أهالي تل أبيض خضوعَ أبنائهم لتعليم "قسد"، وهو يتعلق بنشر قوات الحماية الكردية فكرة الديمقراطية وحرية المرأة بطريقة تتنافى مع أخلاق المجتمع وعاداته، بحسب أم يامن التي قالت لـ"
عربي21": "لن أرسل ابنتي لمدرسة تعلم الرذيلة، وترى العلاقات مع الشباب تقدما وحضارة".
المدرسة دائرة حزبية
ولا يملك مدير المدرسة، وفق شهادات المعلمين، أي سلطة على المعلم الذي يعلم اللغة الكردية، كونه مبعوثا من الحزب. وقال المعلم أبو عمران: "يتحاشى مدير المدرسة أي نقاش مع المعلم الكردي؛ لأنه يعرف سلفا رفضه لتوجيهاته، بل قد يعاقب المعلمُ المديرَ عن طريق الحزب".
ولا يبدو ثمة استقرار في العملية التربوية في تل أبيض والمحيط، فالعملية تخضع للتجاذبات السياسية، ولتغير خارطة السيطرة العسكرية التي لم تستقر بعد.