لم تكن العملية العسكرية لإسقاط نظام حكم الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان مساء 15 يوليو/تموز 2016، مجرد محاولة انقلابية فاشلة انتهت بتقديم المشاركين والمتورطين فيها للمحاكمة، وإنما اعتبرها محللون ومراقبون فرصة سانحة للحزب الحاكم، أعقبها اتخاذ عدد من الإجراءات والقرارات، كانت ستحتاج إلى مزيد من الوقت والعناء لاتخاذها.
ومن أبرز تلك الإجراءات، السماح لعناصر الشرطة النسائية بارتداء الحجاب مع الزي الرسمي خلال أوقات العمل الرسمية، والتجرؤ على فرض تغيير النظام الجمهوري إلى نظام رئاسي، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم قائلا: "أيا كان ما ينص عليه الدستور التركي، فإن رئيس الجمهورية تقع على عاتقه فعليا مسؤوليات سياسية، والدستور الحالي دستور انقلابي - سنّه انقلابيون عسكريون في 1982 -، وقد آن الأوان لإحداث انسجام بين الوضع الفعلي والدستور".
كما وفرت تلك المحاولة
الانقلابية الفاشلة، على الحزب الحاكم جهدا كبيرا في تحجيم دور المؤسسة العسكرية، وإحداث تغييرات جوهرية في بنية
الجيش التركي، منها تمرير قرار إلحاق قوات الجندرمة التي ترجع إلى العهد العثماني بوزارة الداخلية، والتي كان يستخدمها الجيش التركي في الانقلابات لسيطرتها على الأماكن الريفية في
تركيا، وكذلك نقل اجتماع مجلس الشورى العسكري إلى مبنى رئاسة الوزراء، كمؤشر على انتقال القيادة للمدنيين وذهاب العسكر إلى المدنيين، لا العكس كما كان يحدث سابقا.
وأكد المحلل السياسي، فائق بولوط، أن حزب العدالة والتنمية يتجه بقوة نحو تنفيذ مشروعه الذي تم الإعلان عن البدء فيه على مرحلتين زمنيتين الأولي حتى 2023، والثانية حتى 2071.
وقال بولوط، في تصريحات خاصة لـ"
عربي21": "إن محاولة الانقلاب الفاشلة أعطت فرصة سانحة للحزب الحاكم على المستوى الكمي وليس الكيفي"، مضيفا: "لولا العملية العسكرية الانقلابية، لكان الحزب الحاكم سيتخذ المزيد من التدابير والإجراءات لإحداث تغييرات في النظام القائم".
وأشار إلى أن استراتيجية العدالة والتنمية تستهدف تغيير نظام الحكم في تركيا من أوله إلى آخره، ليصبح أشبه بالنظام السلطاني أو شكل الدولة العثمانية بمفاهيم معاصرة وحديثة.
وتوقع بولوط، أن تشهد تركيا خلال الفترة المقبلة قرارات جديدة، لا يمكن التكهن بها، لكنها ستخضع لأولويات مشروع الحزب الحاكم.
وتم الإعلان عن رؤية تركيا 2023 لأول مرة في الخامس عشر من أبريل/نيسان الماضي حين قرأها رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس وزراء الجمهورية التركية السابق، أحمد داوود أوغلو، وهي وثيقة مكونة من مائة مادة تتضمن رؤية الحزب وتصوره لشكل الجمهورية الجديدة وأهداف الحزب الحاكم التي يسعى لتحقيقها بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية.
ويري الكاتب المختص في الشأن التركي، معين نعيم، أن الحزب الحاكم في تركيا استثمر حمية الشارع التركي ضد المحاولة الانقلابية الفاشلة، وشعور المواطن أن الدولة مهددة، وتجرأ على اتخاذ الكثير من القرارات التي كانت قد تحدث غضبة واسعة في الشارع التركي إذا تمت في وقت سابق.
وقال نعيم في تصريحات خاصة لـ "
عربي21": "القرارات الأكثر صعوبة تم اتخاذها بالفعل، وسيتم خلال الفترة المقبلة، دعم ومتابعة تنفيذ تلك القرارات"، مستبعدا اتخاذ قرارات بنفس الجرأة خلال الفترة المقبلة.
وتابع: "اتخاذ قرارات جديدة لن يكون سهلا خاصة مع برود حمية المحاولة الانقلابية، فضلا عن الظروف الخارجية التي تحيط بتركيا والتي قد لا تتحمل معها البلاد المزيد من الضغوطات"، مشيرا إلى أن الاتجاه السائد داخل الحزب الحاكم، هو التريث قليلا نحو اتخاذ المزيد من القرارات الصعبة والجريئة.