نشر موقع "ديلي بيست" مقالا للصحافي فلورين نيهوف، الذي يعمل من مدينة أربيل في منطقة الحكم الذاتي كردستان في شمال
العراق، عن
المعركة الأخيرة لتنظيم الدولة في
الموصل.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه أجرى مكالمات هاتفية سرية في أجزاء متفرقة في المدينة مع مواطنين، وأظهرت استراتيجية متطورة للتنظيم.
ويقول نيهوف إنه "في إحدى ليالي كانون الأول/ ديسمبر، وسط المناطق المحتلة من
تنظيم الدولة في الموصل، تحدث سعد بصوت خافت على هاتفه النقال، في الوقت الذي تعرض فيه
الجيش العراقي لكمين قاتل قرب مستشفى السلام، وقال سعد: (إنهم يتحركون في الشوارع وهم يرتدون الأحزمة الناسفة)، ويعيش سعد في حي الوحدة شرق نهر دجلة، وهو أحد شهود القتال الأخير للسيطرة على المدينة، وقال إنه سمع صوت إطلاق الرصاص وصوت انفجار حزام ناسف، عندما فجر انتحاري نفسه وسط مجموعة من الجنود العراقيين، مشيرا إلى أنه رأى سقف المستشفى المشتعل بعد انسحاب القوات العراقية".
ويضيف الكاتب أن "الجيش العراقي يتقدم ببطء في الجزء الشرقي من الموصل منذ الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث حرر عددا من الأحياء، وبدأت وحدة المدرعات العراقية التاسعة التابعة للجيش العراقي في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر، أسلوبا جديدا، وتقدمت في عدد من المناطق، في محاولة للسيطرة على حي الوحدة، الذي يبعد ميلا تقريبا عن جسر من الجسور الخمسة التي تربط بين جزئي المدينة".
ويلفت المقال إلى أن "الهجوم أدى إلى إثارة رد عنيف من تنظيم الدولة، وجلب الحرب إلى عتبة بيت سعد، فحتى ذلك الوقت كانت تجربته مع الحرب من خلال الآثار الجانبية، أي من خلال ارتفاع أسعار الطعام والوقود، خاصة بعد تقدم القوات العراقية، الذي أدى إلى قطع خطوط الإمداد الرئيسة من سوريا، فيما قام الطيران الأمريكي بقصف الجسور، بالإضافة إلى أن القتال قطع التيار الكهربائي وإمدادات الماء، ويقول سعد إن عائلته تحصل على المياه من الآبار، أما المواطنون الذين يقيمون في مناطق التنظيم فهم يخافون منه ومن شكوكه المتزايدة، حيث منع أهل الموصل مثلا من تمرير المعلومات إلى الجيش".
ويذكر الموقع أن "المسلحين يقومون الآن بقتل أي شخص يقبض ومعه هاتف نقال، وبحسب حماد، الذي يعيش في منطقة القدس على طرف الجزء الشرقي من المدينة، فإن التنظيم قام بمهاجمة بيت جاره، بعدما عثر على مجموعة من الهواتف النقالة في البيت، وقام بقتل ثلاثة من ساكنيه، وقال حماد: (لا يمكنك الثقة بأي أحد)، حيث يشك أن تنظيم الدولة عرف بوجود الهواتف من خلال جماعة مؤيدة له، ومن حسن الحظ لم يعد لدى التنظيم الوقت الكافي للتركيز على السكان؛ لانشغاله بمواجهة الجيش العراقي، ولم تعد عمليات التفتيش للبيوت منتظمة كالسابق".
وينوه نيهوف إلى أن "الحصول على العلاج الصحي في شرق الموصل أصبح متعسرا، حيث يقول أحمد: (قام تنظيم الدولة بأخذ الدواء كله من المستشفيات، ويستخدمه لعلاج مقاتليه في المستشفيات الميدانية التي أقامها، وهو لا يأبه لما سيحدث للمدنيين)، ويعيش أحمد مع عائلته في حي الفيصلية القريب من الأحياء الشرقية، واحتفظت عائلته بدواء مرض السكري لوالده، ويأمل ألا ينقص الدواء على والده، وقال حماد: (إن أردت الذهاب إلى الطبيب فعليك الذهاب إلى الجانب الآخر من النهر، لكن لم يعد هذا ممكنا الآن بسبب قصف الجسور)".
ويشير المقال إلى أن "القمع الشرس الذي مارسه التنظيم ضد أي مقاومة، وقيامه بتفتيش البيوت بيتا بيتا بحثا عن أسلحة، أديا إلى منع حدوث ثورة، لكن السكان سئموا من المعاملة الوحشية والحرمان اللذين تعرضا لهما، ولهذا يفرحون لأي فعل فيه تحد، حتى لو كان صغيرا، ويتذكر أحمد قائلا بفرح: (سألنا أحد المقاتلين الأجانب عن مكان جبهة القتال، فأرشدناه إلى الطريق الخطأ)".
ويستدرك الموقع بأن "تحدي تنظيم الدولة عادة ما يقود إلى مخاطر كبيرة، وعندما انسحب المقاتلون من حي المصارف في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر، فإنهم طلبوا من السكان اتباعهم إلى قلب المدينة، ويقول محمد، وهو أستاذ مدرسة: (طلب تنظيم الدولة من السكان مغادرة بيوتهم والانسحاب معه، لكنهم رفضوا، وعرض الناس حياتهم للخطر عندما رفضوا)، وتسيطر وحدات النخبة الآن على حي محمد، وهي وحدة مكافحة الإرهاب التي قادت العملية، ولا تزال عائلته غير قادرة على مغادرة البيت؛ لأن تنظيم الدولة يواصل قصف حي المصارف بقذائف الهاون".
ويقول الكاتب إنه "نظرا لإيمان مقاتلي التنظيم المطلق بأيديولوجيتهم، ومحاولتهم استخدام سكان الموصل دروعا بشرية، فإنهم يقومون بإطلاق النار بطريقة عشوائية على المناطق التي لم تعد واقعة تحت سيطرتهم، ويقومون بإلقاء القبض على أي مدني يخترق حدود النار، ويقول حماد: (يقول أئمة تنظيم الدولة في المساجد إن الناس الذين يعيشون في المناطق المحررة كلهم كفار، وجائز في هذه الحالة قتلهم)".
ويفيد المقال بأن "حي القدس، الذي يعيش فيه حماد، يقع إلى جانب حي الكرامة، الذي تسيطر عليه القوات العراقية، ويشعر السكان الذين يعيشون قرب خطوط القتال بالخوف، خاصة أنهم وسط إطلاق النار، ولم تقم قوات التحالف والجيش العراقي إلا بغارات جوية وقصف مدفعي محدود في معركة الموصل، وهو ما عطل على التنظيم خططه لاستخدام السكان دروعا بشرية، ومع ذلك يقول حماد إن السكان يموتون أحيانا جراء القصف الذي يقوم به الجيش، ويضيف: (حدث يوم أمس قتال كبير، إلا أن القصف لم يصب تنظيم الدولة، لكنه أصاب السكان، ومات أكثر من 40 شخصا)".
ويورد الموقع أن "الكثير من أهل الموصل عبروا عن دهشتهم بسبب عدم تقدم الجيش بشكل سريع في الموصل، ويقول حماد: (لا أرى الكثير من مقاتلي تنظيم الدولة في منطقتي، ولا أعرف سبب البطء في عملية التحرير) ويعتمد تنظيم الدولة على السيارات الانتحارية والقناصة، ولديه حوالي 25 مقاتلا في كل حي، بحسب ما يقول حماد، وتعمل كل خلية بشكل منفصل، ويصمدون في مواقعهم مهما كان الثمن، ولا يتحولون إلى المناطق الأخرى من الجبهة".
ويقول حماد: "عندما يسيطر الجيش على منطقة لا ينسحب مقاتلو تنظيم الدولة، ولا يقومون بمساعدة المقاتلين في الأحياء الأخرى".
ويقول نيهوف: "كما أظهر الهجوم المشؤوم، الذي قام به الجيش على حي السلام، أن تنظيم الدولة يحتفظ بقوات احتياط متحركة، لإغراق المنطقة بالمقاتلين عند الحاجة، لكن السكان يشكون في أن التنظيم يقوم بمقاومة خفيفة في المنطقة الشرقية، وأن المعركة على الجزء الغربي من المدينة ستكون مختلفة وأكثر صلابة، ولم يصل الجيش العراقي إلى حدود ذلك الجزء، حيث يقول السكان إن تنظيم الدولة أقام حزاما دفاعيا حول قلب المدينة التاريخي، ويقول سعد: (لقد جهزوا الدفاعات على الجانب الآخر من النهر أكثر من هذا الجانب)".
وبحسب المقال، فإن "معظم الأحياء داخل وحول مركز المدينة فقيرة، والدعم الشعبي لتنظيم الدولة لا يزال فيها قويا، وعلى خلاف الجزء المقام على الجانب الشرقي الذي نظمت بيوته، فإن بيوت هذا الجزء مزدحمة وشوارعه ضيقة، ويتوقع سعد تركيز تنظيم الدولة المعركة ودفاعاته في أحياء مثل المنصور والموصل الجديدة وشارع بغداد القديم والرسالة، وقال: (هنا ستحدث المعركة الرئيسة، حيث ملأها التنظيم بمقاتليه)".
ويخلص الكاتب إلى القول إن "عددا من المقاتلين الأجانب، الأكثر قدرة وتشددا، اجتازوا إلى هذا الجزء؛ لتحضير أنفسهم للمعركة الحاسمة، ولا توجد أي مظاهر للقتال في هذا الجزء بعد، فلا يزال مسؤولو الحسبة يقومون بجولاتهم اليومية لجمع الضرائب من السكان، ويجبرونهم على إطلاق لحاهم".