* الحجاب واجب على المرأة.. ليس فرضا ولا ركنا وتاركته تأثم في كل لحظة
* لن نتخلى عن شعوب الربيع العربي وندعم حرصها على الحرية والكرامة
* فشل انقلاب 15 تموز بفضل تكاثف الشعب والحكومة بقيادة أردوغان ونجح في مصر بسبب تضليل وتآمر الإعلام وقلة الوعي
أكد الداعية الكويتي طارق السويدان؛ أنه يرفض التعليق على أي شيء يمس حياته الخاصة وأسرته، معتبرا أن الحجاب واجب وليس فرضا أو ركنا، "إلا أن تاركته تأثم في كل لحظة".
وجاء ذلك في حوار مطول مع "
عربي21" في اسطنبول، رفض خلاله الرد على أسئلة تتعلق برأيه عن إعلان ابنته خلع الحجاب.
من جهة أخرى، رأى السويدان أنه لا يوجد الآن حد للردة، "إذ أنه كان حدا سياسيا في بداية تأسيس دولة المدينة".
وأوضح أنه درس البوذية وعلاقتها بالإسلام، ووجد أن المسلمين الفاتحين تعاملوا مع البوذية على أنها دين سماوي يعامل أتباعه معاملة أهل الكتاب.
وقال السويدان إن الحركات الإسلامية لم تستنفد أغراضها بعد، معتبرا أن وجودها ضروري "طالما بقي الاستبداد والطغيان في بلادنا الإسلامية"، واستدرك بقوله إن وجود هذه الحركات "حتى بعد زوال الديكتاتوريات أمر صحي"، حيث أن أمريكا وأوروبا دول ديمقراطية ويوجد فيها حركات يهودية ومسيحية تعمل ضمن منظومة المجتمع المدني.
وأكد تمسكه بدعم الثورات العربية، مشددا على أن "نكبة الأمة الإسلامية سببها الرئيسي الاستبداد السياسي والطغيان والفساد المالي، وجمود علمائها".
وأرجع السويدان فشل انقلاب تركيا إلى مستوى "الوعي" لدى الشعب التركي، بينما نجح الانقلاب في مصر نتيجة غياب الوعي وتضليل الإعلام المصري للملايين، على حد قوله.
* هل تعتقد أن الحركات الإسلامية الآن قد أدت ما عليها واستنفدت أغراضها، أم أنه ما زال لها دور؟
- الحركات الإسلامية لها دور رئيسي كان وما زال مطلوبا؛ طالما يوجد هناك استبداد وهناك طغيان.. وحتى لو لم يكن هناك استبداد، فدورها هام ووجودها لازم. ألا يوجد في أمريكا حركات مجتمع مدني، وتوجد حركات يهودية ومسيحية وغيرها؟ وهذه الحركات وجودها لا يعتبر إضعافا للدولة، ولكنه تقوية للدولة.. فالدول القوية ليس فيها حكومات قوية فقط، بل وحركات مجتمع مدني قوية أيضا.. ونحن نعتبر هذه الحركات جزءا من مكونات هذا المجتمع المدني.
ومن ثم بعد ذلك.. هل هذه الحركات قوية وفعالة أو غير فعالة؟ هل قياداتها فاشلة أم ناجحة؟ هل هي متطورة أم متخلفة لا تناسب الزمن ولا الحركة؟.. فهذا يختلف من بلد إلى بلد، بل يختلف من شخص إلى آخر في موقع القيادة.. فقد أكون أنا بالكويت وأنا في قيادة الحركة الإسلامية، لكني من القيادات المتخلفة، بينما يكون معي شخص آخر في القيادة ولكنه متطور.. فالحكم العام بهذه الطريقة غير منصف.. فلا نعمم ونقول الحركات الإسلامية كلها كذا وكذا. فهل فشلت كلها؟
وبالنسبة للإخوأن المسلمين، فليسوا كلهم فشلة ولا ضعافا ولا متخلفين.. ولا يمكن أن نحكم بالتعميم.. فأنا من الإخوان المسلمين، ومن قيادة الإخوان، وأتشرف بكوني من الإخوان المسلمين.. فهل تعتبرني متخلفا؟ هذا شأنك.. وفي النهاية أنا نموذج من النماذج، وهناك غيري نماذج أخرى.
وأعتقد أنه إذا نظرنا إلى الصحابة الكرام رضوان الله عنهم، نجد الخليفة أبو جعفر المنصور عندما طلب من الإمام مالك أن يكتب كتابا في الفقه يجمع عليه الأمة "الموطأ".. قال له: "تجنب فيه تشدد ابن عمر وتساهل ابن عباس.. والاثنان صحابة كرام.. والصحابة الكرام فيهم خالد بن الوليد قيادي فذ، وعمرو بن العاص داهية فذ، كما أنه فيهم أبو ذر الغفاري رضي الله عنه بكل فضله ومكانته؛ إلا أنه لا يفهم في القيادة شيئا، وهذا لا يطعن في فضله.. فكون أن هذا الشخص يصلح لشيء معين؛ فهذه طبيعة البشر.. فهل كل الناس سيصيرون عسكريين وكلهم سيصبحون سياسيين وفقهاء؟ هذا أمر غير مقبول.
فمشكلة الحركة الإسلامية الرئيسية - من وجهة نظري - هي أن إدارة الحركة الإسلامية في مختلف المجالات من خلال مجلس قيادي واحد يدير كل شيء، سواء السياسة والاقتصاد والفقه والحركة والإعلام.. هذا يؤكد أنها غير متطورة.. ما هو هذا المجلس؟! سوبرمان؟!.. ولذلك فأنا من دعاة أن يكون للحركات الإسلامية دورها الرئيسي؛ في أنها مطبخ لتفريخ القيادات، ثم تطلق سراحهم، وهم ينطلقون يؤسسون المشاريع، ويقودون المؤسسات. ولا نقلق بشأنهم، فقد ربيناهم وانتهى الأمر.
قال لي أحد الأمريكيين: إننا كأباء دورنا أن نربي أولادنا ونعطيهم مهارات، ونعطيهم جناحين ونتركهم يطيرون.. والحركات الإسلامية هنا عليها أن تربي أبناءها، وتعطيهم جناحين وتتركهم يطيرون، وتطلق سراحهم.. فيكون منهم من يؤسس جمعية، ومن يؤسس مشفى، ومن يؤسس مدرسة، وغيرها.
* كيف ترى واقع الديكتاتوريات العربية التي انقلبت على الربيع؟ وهل ستستمر دورة تاريخية أخرى بعد الالتفاف على ثورات الشعوب؟
هناك طبيعة في حركات التاريخ.. وأوضاع الأمم تصعد وتهبط وتتطور، وليست ثابتة. فالغرب اليوم تطور واستطاع أن يلغي الديكتاتوريات، بينما لم يلغ الملكيات في كثير من الاحيان. فبريطانيا ملكية، وكندا تحكمها إليزابيث.. ولكنها جعلت الحكم للشعب.. فهل هذا يمكن أن يتغير ويذهب في يوم من الأيام؟.. بالطبع ممكن، إذ إنه عادة الحروب والثورات تُغير التاريخ. فهل يمكن أن تعود الديكتاتوريات العربية بعد الإطاحة بها؟ نعم ممكن. وهل يمكن كشعوب أن نحتاط لها حتى لا تعود؟.. نعم نستطيع أن نحتاط بأن نكرس الوعي عند الأمة، لكي يتوارثه الناس. وبزيادة الوعي تسقط الديكتاتوريات.
* كنتم من أشد المؤيدين لثورات الربيع العربي.. وبعد مرور ست سنوات ووصول الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم.. هل لا زلت على موقفك السابق؟
- طبعا، وبكل تأكيد لا زلت مؤيداً للحرية ورافضاً للاستبداد.. ولو عاد بي الزمن، سأدعو الأمة إلى أن تتحرر. وقد نظرت في أسباب تخلف أمتنا، فوجدت أن الاستبداد السياسي والفساد المالي يأتي على رأس هذه الأسباب، فضلا عن وجود العلماء الجامدين وزرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة.
وبالنسبة لثورة شعوبنا العربية، ما سبب ذلك؟ كان السبب أنه سُدت أمامها كافة أشكال التعبير، وتعرضوا لكافة أنواع الإهانات وضياع الكرامة.. فالثورة السورية المباركة كانت دعوة لمعاملة السوريين بكرامة ووقف الظلم والقمع، وانطلقت شرارتها بعبارات كتبها مجموعة من التلاميذ على جدارن مدرستهم، فكان الرد بقتلهم بالرصاص وبأوامر الجزار بشار.
وأذكر أن أحد الأساتذة السوريين الشرعيين زارني في بيتي في الكويت، وعندما يتكلم في مواضيع سياسية، يهمس لي ويخفض صوته، وأنا اقول له يا دكتور.. الكويت رقم واحد في الحرية في العالم العربي، وانت في بيتي وفي مكتبي، فمم تخاف؟! فقال منه لله حاكم سوريا، فقد أرهقنا بسبعة أجهزة مخابرات وتجسس قتلت الشعب. وللأسف اليوم البعض يوجه اللوم للضحية وليس للجزار.. ووالله لولا الثورات العربية لظل العالم العربي يرزخ تحت حكم أسرة واحدة عشرات السنين.
وأمام هذا الصلف والطغيان والقتل في الحال.. ما هو البديل؟ فنحن ضد الثورات لأنها هي التي تؤدي إلى مآس وقتلى ومئات الالاف من أسر الشهداء والمصابين والمفقودين والمطاردين والمشردين، وقلوبنا تتقطع لأجلهم.. ولهذا فنحن لسنا عشاق ثورة، ولكننا عشاق كرامة وعشاق حرية ولكن الطغاة أغلقوا في وجه الناس كل أبواب الكرامة والحرية، فثار الناس ولا يمكن أن نتخلى عنهم.
فالتاريخ مثل البورصة، فيه فترات صعود ونزول، ولكن المؤشر العام هو الصعود، ولو كان هناك مشهد قاس على مدار عام أو عامين، فإنه حين نرسم المنحنى التاريخي مثلا لحاكمي ليبيا وسوريا الهالكين القذافي والأسد، سيكون ومضة صغيرة في تاريخهما وسوف يلعنهم التاريخ، وهذه الثورات سيكون لها امتداد على المدى البعيد؛ مبشر بالخير والحرية إن شاء الله.
* إذن فما مفهومك للحرية في ظل الواقع الحالي؟
- الحرية هي طريق الريادة، ولا يمكن أن تنهض أمة بدون حرية، وهي أن تقول وتفعل ما تشاء بأدب.. فليس من الحرية أن تسب وتشتم، وأن تتعرى وتمشي في الشارع، وأن تدعو للإلحاد والفجور، ولا يجوز سب مقدساتنا ولا مقدسات أصحاب الأديأن الاخرى، ومن ثم ينبني عليها أن الإنسأن حر في اعتقاده. والله تعالى قال لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: "لست عليهم بمسيطر"، كما أن القرآن يوجد فيه 200 آيه تتحدث عن الحرية، بعضها جاء بالتهديد مثل: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، فهي حرية اختيار سيحاسب عليها صاحبها..
بعض الناس يذهب إلى بلاد الغرب يدعو إلى الإسلام والايمان به بحرية تامة، ولكن إذا وجد من يدعو من الغرب إلى دينه في بلادنا يتم التصدي له ومنعه ومحاولة الفتك به فلماذا؟؟.. القوي لا يخاف.. القرآن قوي والإسلام قوي، ومنطق الإسلام لا يهزه أحد. وأنا اخاف من الاستبداد؛ لأنه يقتل الدعوة والتفكير.. ولا أخاف من الحرية.. فالإنسان حر في اعتقاده وعبادته وفنه وتربيته لأولاده.. والضابط الوحيد عندي هو الأخلاق والأدب كإطار للحرية.
* تناولتم في لقائكم بمعرض الكتاب في اسطنبول قضية إصابة بعض الإسلاميين بمرض "غرور التدين".. ماذا تقصد به؟ وكيف يمكن تجنب ذلك؟
- للأسف الشديد هناك بالفعل مرض يصيب قطاع من المتدينين والعاملين في الحقل الإسلامي، وهو "غرور التدين".. فأنا أتفهم أن تغتر فتاة بجمالها، ويغتر صاحب المال بماله.. ولكن لا يمكن أن أفهم أن يغتر المتدين بأنه صاحب دين؛ لأن الدين يأمرنا بالتواضع وبالرحمة، وأن نشعر بأن غيرنا يمكن أن يكون عند الله افضل منا، وأن نتهم أنفسنا دائما بالتقصير، وأنه ربما تكون امرأة مومس فيغفر الله لها ذنوبها.. فلماذا ينظر المتدين لنفسه على أنه أحسن من الآخرين؟!
وهذا بلا شك نوع من المصائب المركبة؛ حين يشعر الإنسان المتدين بالعجب، ويرى نفسه أحسن من غيره. وهذه مصيبة تقع في العلاقة ما بينه وبين الله، إذ يغتر بدينه، وهو ما يقوده إلى الطغيان؛ لأنه صار يعتقد أنه يملك الحق المطلق، وأن كل الأديأن الأخرى، وكل المذاهب الأخرى ضالة مضلة.. وبذلك ينزلق المتدين المغرور إلى نفس المنهجية التي نرفضها من الآخرين، ونطالب بأن لا يكيلوا بمكيالين.. عندما أقول أنا عندي الحق المطلق.. بالتالي كل صاحب دين آخر سيقول الشيء ذاته، وأنه يمتلك الحق المطلق..
ونحن نطالب الآخرين بأن يأتوا ويسمعوا لنا؛ لأن ديننا هو الحق.. وهذا ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم.. عندما جاء سويد بن الصامت، أحد سادات العرب للحج، قال له الرسول: "يا سويد اسمع مني".. فقال: "لا حاجة لأسمع منك، فعندي خير مما ستقول يا محمد".. فأنظر للمنهج النبوي في التعامل معه فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "فأسمعني".. وجلس يستمع له حتى انتهى، ورد عليه الرسول: "إن ما قلته حسن، ولكن ما لدي أحسن منه".. وللأسف تجد الشباب المتدين اليوم يرفضون قراءة أية كتب غير إسلامية، ولا الاستماع لغير مشايخهم المسلمين، ولا يقرأون أو يستمعون للآخر الديني أو المذهبي، مع رفع راية الغرور التي تقول بأنني أمتلك الحق المطلق.
نحن لا نريد صناعة ثقافة تعزز غرور التدين والإعجاب بالأشخاص، أو أننا نملك الحق المطلق، وكل دين آخر ومذهب آخر ليس فيه أي خير.. ولكن نريد ثقافة تعزز الحوار والاستماع إلى الآخر ومناقشته بالحجة والبرهان، بعيدا عن الإعجاب بالأشخاص والتعصب المقيت.
* يتردد أنكم أعلنتم أن المسلمين الأوائل تعاملوا مع البوذية كما يتعاملون مع المسيحية واليهودية كدين سماوي.. كيف؟
- أنا درست البوذية عن الأستاذ الأعلى للبوذيين بعد الدلاي لاما، ووجدت عندهم كلاما حسنا جميلا بديعا، ودرست تاريخ علاقة الإسلام بالبوذية فوجدت أن الذي فتح بلاد بوذا والهند والتبت كان القائد الشاب محمد بن القاسم الثقفي، والذي لم يكن يتجاوز عمره 17 عاما، واستمرت فتوحاته أربع سنوات، لينتهي منها جميعا وعمره 21 عاما. والذي عينه فاتحا لتلك البلاد؛ عمه الحجاج، وربما هذا من حسناته القليلة.
وبعد الفتح لأول مرة، يحتك المسلمون بالبوذية، هذا الدين الغريب. وبعد انتصار جيوشه في بلاد بوذا، شكل لجنة من العلماء الموجودين معه في الحملة العسكرية لدراسة الديانة البوذية والاستماع لرهبان البوذية، وأصدروت تقريرها بعد الدراسة والتمحيص بأنه تجب معاملة البوذية على أنها دين سماوي كاليهودية والمسيحية.
وأرسل محمد بن القاسم تقريره هذا إلى بغداد، عاصمة الخلافة آنذاك، وكان على رأسها الحجاج الذي جمع كل علماء العراق، فأعادوا دراسة التقرير حول البوذية، ثم أقروا بالإجماع الموافقة على ما جاء بتقرير ابن القاسم، والتعامل مع البوذية كدين سماوي مثل المسيحية واليهودية.
* ما حقيقة عدم إقراركم بوجود حد الردة؟ ولماذا؟
- أنا لا أؤمن بأن الردة من ضمن الحدود، ومن يقول إن هناك إجماعا على حد الردة كلامه غير صحيح، وهذا الإجماع الذي يتحدثون عنه كاذب.. وهذا هو الدليل: هل يجوز للقاضي في قضايا الحدود العفو والشفاعة؟.. بالطبع لا يجوز.. والحديث الشريف واضح : "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"...
كان هناك 13 شخصا أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمهم؛ لأنهم ارتدوا عن الإسلام بعد أن دخلوا فيه، من بينهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وبعضهم قبض عليهم وتم قتلهم. وكانوا مسلمين في المدينة، وارتدوا وسبّوا الرسول و طعنوا في القرآن، ومنهم عبد الله بن أبي السرح الذي عليه حد الردة بالقتل، وهو شقيق عثمان بن عفان بالرضاعة.. وطلب من الرسول أن يعفو عنه وأنه تاب.. فعفا عنه الرسول ولم يقتله، وأكثر من هذا، عينه عثمان بن عفان واليا على مصر.
والحدود لا يجوز فيها تضارب الأدلة.. والحدود فيها نص صريح في القرآن. وأيهما أكبر: الردة أم السرقة؟.. فكيف ياتي النص بالسرقة ولا يأتي بالردة؟!.. وأجيب بأن الردة كانت حداً سياسياً في بداية الإسلام لمن يريد أن يهز الدولة، والرسول ص الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، منها "التارك لدينه المفارق للجماعة"، أي ترك الإسلام وخرج على الدولة.. فأبي بكر الصديق لم يقاتل من ارتد عن الإسلام وجلس في بيته.. حتى النصراني لو خرج من دينه.. والدكتور طه جابر العلواني كتب كتابا حول الردة والمرتدين؛ أكد فيه أنه حد سياسي وليس حد ديني. وهذا رأي لا يكفرني، ولي أدلتي الشرعية، ولم أخرج عن الإجماع، ولي أدلتي من السلف والخلف.
* ما رأيك بمسألة الحجاب والقول بأنه ليس فرضا وليس ركنا؟
- الحجاب المستعمل في القرآن هو ستارة، وهو ثابت في جميع التفاسير، وهي وضعت بين أمهات المؤمنين والصحابة من غير المحارم، وذلك قبل أن يفرض علينا الحجاب.. ويقول عروة بن الزبير: "فدخلت على خالتي (السيدة عائشة) من وراء حجاب"، أي الستارة.
والآيات واضحة جدا.. المرأة مطلوب منها أن تستتر، ولا يجوز أن يكشف منها - على رأي أغلب العلماء - سوى الوجه والكفين. وقد عملت إحصائية حول ذلك، فوجدت أن أكثر من 70 في المئة من علماء الأمة السابقة واللاحقة على جواز كشف الوجه والكفين، وأن الحجاب واجب.. ومن ثم فأنا أرى أن الحجاب واجب.. ليس فرضا وليس ركنا، وأن أي وأحدة تخلع الحجاب تأثم، ولكنه ليس إثم ترك الفرض ولا إثم فعل الكبيرة، إلا أن تاركة الحجاب تأثم في كل لحظة.
* في الفترة الأخيرة هناك من يحاول الإساءة لشخصكم... لا سيما فيما يتعلق بشأن ابنتكم ميسون.. ماذا تقول لهؤلاء؟
- لا أقول شيئا ولا أنشغل بالرد.. فهذه دعاية مجانية لنا، فهم بذلك يعملون لي دعاية بدون مقابل.. ومبدئي أن أترك من يتكلم يتكلم، وهم أحرار ولا أرد على أحد؛ لأن الرد يجرني للخلف، وأنا أريد أن أنطلق للأمام، فلا أعير هذه الأمور أي اهتمام، علاوة على أنني أرفض الكلام عن أموري الشخصية على الملأ. أنا لا أعرف الأسئلة الممنوعة، ولا أؤمن بوجود أسئلة ممنوعة، فكل الأسئلة ممكنة، باستثناء فقط ما يتعلق بحياتي الشخصية وأسرتي.. لا أقبل الحديث فيها أو عنها.
* هل ما أقدمت عليه ابنتكم وما أثارته من لغط يدخل في إطار الحرية الشخصية؟
-لا لا.. لن أتحدث في أموري العائلية، ولا أناقش شيئا، فالموضوع لن أتكلم فيه والسلام، وبدون نقاش.
* ما هي المسائل التي يجب أن يرجع السياسي فيها إلى الفقيه؟
- إخواننا الشيعة الإثنا عشرية عندهم شيء اسمه ولاية الفقيه، وهم يعتقدون أن هناك 12 إماما معصوما، وأي كلام يقوله هذا الإمام هو تشريع مثل القرآن والحديث.. هذا رأيهم، وأول هؤلاء الأئمة هو الأمام علي كرم الله وجهه، وآخرهم المهدي المنتظر "الإمام الغائب"، وهو الآن في الغيبة الكبرى للإمام.. هذا رأيهم العقائدي وهم أحرار.. هم يرون أن الفقه تشريع، والآن الإمام غائب وهو يعين اربعة وهؤلاء عندهم لقاءات سرية مع الأمام.. واليوم صار يعين واحد وهو الولي الأمام..
والذي يطالب به علماء الأمة من السنة بأنه لا يجوز أن يعمل السياسيون شيئًا قبل أن يرجعوا لهم.. وأنا اقول أنه لا يجب على السياسي أن يرجع لأي عالم دين، ولكن عليه أن يرجع إلى مجمع فقهي يضم علماء في شتى المجالات الحياتية والشرعية.. شريعة وفقه وسياسة واجتماع وطب وهندسة وعلم نفس وفلك، وغير ذلك.. بحيث يكون رأي المجمع قائما على اساس علمي شرعي شامل، ومثل هذا الأمر يجب أن يسمع له السياسيون.. أعني راي المجامع فقط، كما هو المجمع الفقهي في السودان.
* ما تفسيركم لأسباب فشل الانقلاب العسكري في تركيا 2016، بينما نجح في مصر في 2013؟
- لا شك أن فشل الانقلاب العسكريّ على الرئيس التركيّ، رجب طيّب أردوغأن، في 15 تموز/ يوليو الماضي، يرجع إلى تضافر جهود القيادة السياسية في تركيا في الالتصاق بالجماهير وتحريكها، إلى جانب الوعي الجيد للشعب التركي، وحرصه الشديد على التمتع بالحرية ومكاسبه الديمقراطية والاقتصادية. ويظل هذا الانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا أروع ما حدث لها في العقود الاخيرة، حيث مهّد لعملية التطهير التي تحدث حاليا لتخلص الدولة التركية من جذور ما يسمونه بالدولة العميقة والتنظيمات الموازية، وليصبح الحكم بيد الشعب فعليا، ويصبح الاختيار الشعبي هو الحَكَم للتخلص من حكم العسكر.
أما بالنسبة لما حدث في مصر، بشهادة الجميع في الداخل والخارج، فهو انقلاب عسكري دموي فاشي على رئيس منتخب، كما ارتكب الانقلابيون مجازر وحشية بحق رافضي الانقلاب، والمرحلة التي تمر بها المنطقة العربية حاليا هي خريف وليس ربيعا، وعاجلا أو آجلا سوف تتساقط رؤوس الأنظمة الفاسدة.
وعلى الشعوب العربية ألا تيأس من الواقع الصعب الذي تعيشه حالياً، وعليها أن تواصل صمودها السلمي لاسترداد حريتهم المسلوبة، وأن يكون منهجهم في ذلك الأية الكريمة: "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك، إني أخاف الله رب العالمين"، وذلك وفقا لمقولة فضيلة المرشد العام الدكتور محمد بديع: "سلميتنا أقوى من الرصاص".
* هل ترى أن تركيا في طريقها لقيادة الأمة الإسلامية ولعب دور "الأخ الأكبر"، لا سيما أن اسطنبول أصبحت بيتا يلجأ إليه كل المظلومين من العالم الإسلامي لا سيما دول الربيع العربي؟
- لا شك أن تركيا بلد عظيم، ولا شك أنها قادت الأمة لفترة طويلة جدا، وكذلك العراق بلد عظيم قاد الأمة لفترة طويلة، والشام كذلك.. والذي يحدد أن هذا البلد وغيره يقود الأمة هي مجموعة معادلات.. وأعتقد أن المعادلات القديمة انتهت، والعالم اليوم يخضع لمعادلات جديدة.. فالمعادلة القديمة لما نقول أن شعبا قاد الأمة يخطر في بالنا الخلافة العباسية والعثمانية.. والخليفة الذي كان يتجاوز الفرمان الذي يصدره حدود القارات لم يعد موجودا اليوم.. وهذه الصورة انتهت ولا نريد أن تكون الأمة بهذه الصورة الآن.. وأعتقد أن هذه المعادلة القديمة انتهت؛ بل أعتقد أنه حتى المفاهيم تغيرت.. فلا يجوز أن نعيش الزمن الحالي بعقلية الزمن الماضي، وإلا نكون أمة متخلفة.. فالسابقين استطاعوا إيجاد أدوات تتناسب مع زمانهم، ولكنها لا تتناسب مع زماننا اليوم.
فعلى سبيل المثال، بالنسبة لقضية الوحدة الإسلامية التي يتحدثون عنها.. الخليفة العثماني كان مسيطرا على معظم الدنيا، ولكنه لم يكن مسيطر على مملكة المغرب، فهل هذا كان خللا في الوحدة؟ وحتى في عصور العباسيين، كان في فترة من الفترات يوجد أكثر من عشر دول مستقلة، وكلا منها يحكم منفردا، فهل هذا الشكل الذي نتمناه؟ فالوحدة التي نطمح إليها يجب أن تتناسب مع زماننا اليوم..
ولنسأل أنفسنا: لماذا نريد للأمة أن تتوحد؟ وقبل الكلام عن الأدوات، تعالوا نسأل: ما الهدف من الوحدة؟! والجواب هو حتى تكون الأمة قوية أمام خصومها وأمام المنافسة.. وهل هناك ما يمكن أن يحقق لنا هذين الهدفين بدون أن يسبب لنا مشاكل؟!.. بالتاكيد نعم، إذا التزمت الأمة بأربعة اشياء وهي:
1- إذا كونّا اتحادا عسكريا مثل الناتو.
2- وعملنا برلمانا يمثلنا في المواقف الخارجية، مثل البرلمان الأوربي.
3- وعملنا وحدة نقدية مشتركة بيينا، مثل اليورو.
4- وعملنا فيزا مشتركة بيننا؛ من يحصل عليها يتنقل بين الدول الإسلامية بحرية، مثل الشنجن.. والله إذا نجحنا في عمل هذا يكفينا لنكون امة قوية ولا نحتاج غيره..
وبالتالي القول هذه دولة ملكية.. وهذه دولة جمهورية. ما علاقتي أنا بالموضوع؟!.. دعهم يحكموا أنفسهم مثل ما يريدون... هؤلاء شيعة وهؤلاء سنة طبيعي.. لماذا سنوحدهم تحت مذهب واحد؟ أنا ما علاقتي بهذا.. دع كل واحد يعتنق المذهب الذي يريده، وبالتالي هذا الشكل من الوحدة يمكن أن يحدث.. أما الشكل القديم من الخليفة والخلافة لا يمكن أن يتكرر.. وعلى شباب هذه الأمة أن يطلقوا العنان لأفكارهم ليبدعوا لنا ما يناسب أمتنا ويبقيها قوية.