أفكَار

الثقافة الجنسية.. كيف تقدم بمحتوى يلائم مجتمعاتنا؟

الغرب يعلم أطفاله الثقافة الجنسية في حين أن العرب يرفضون ذلك- (Pexels CC0)
ترفض غالب المجتمعات الشرقية إدراج مادة الثقافة الجنسية ضمن مناهجها التعليمية، وتتحاشى مناقشة موضوعاتها في حواراتها المفتوحة، على عكس كثير من الدول الأوروبية التي قررت منذ عقود تدريس تلك المواد في مناهجها التعليمية، مع عرض موادها ومناقشتها عبر وسائل إعلامها المختلفة.   

وترجع أسباب رفض تلك المجتمعات، ومن ضمنها العربية والإسلامية، إلى طبيعة نظرتها للجنس، باعتباره أمرا فطريا وغريزيا، لا يتطلب إفراده بثقافة خاصة يتم تدريس موضوعاتها في المدارس والجامعات والمراكز الثقافية بحسب باحثين. 

ووفقا للمحاضر المتخصص في التوعية الشبابية من مخاطر المخدرات والأمراض المنقولة جنسيا، أسامة مطير، فإن "للثقافة الجنسية مفهوم تربوي يختلف من مدرسة ثقافية وحضارية إلى أخرى، فبعض الدول ترى أنه لا بد من إشاعة تلك الثقافة في أوساط الطلاب وسائر فئات المجتمع، انطلاقا من مفاهيم الحرية الشخصية، بينما تمتنع ثقافات أخرى عن فعل ذلك امتناعا تاما، باعتباره أمرا معيبا".

وذكر مطير لـ"عربي21" أن من أسباب رفض المجتمعات الإسلامية لفكرة إدراج الثقافة الجنسية في المناهج التدريسية، أو التحفظ على تناولها في حوارات مفتوحة، التخوف من مضمون تلك المواد وطريقة عرضها والآثار المترتبة عليها، والتحرج الشديد من تناولها وعرضها ومناقشتها علانية وبشكل مفتوح.  

وأضاف: "لو يتم تقديم مادة الثقافة الجنسية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بأسلوب تربوي مبني على القيم والمبادئ، ويهدف إلى تحصين أبنائنا تحصينا ذاتيا من مخاطر التواصل المفتوح عبر الإنترنت، ستكون الفكرة مقبولة وموضع تقدير وترحيب"، بحسب توقعاته. 

وأوضح مطير أن الهدف المنشود من تدريس الثقافة الجنسية، وإشاعة التثقيف الجنسي وفق منهجية راشدة ومدروسة، هو رفع سوية الوعي الجنسي، بطريقة علمية تثقيفية بعيدا عن الإثارة والشهوانية المغرضة. 

ولفت مطير إلى أن عملية التثقيف الجنسي يجب أن تبدأ بالآباء والأمهات، فيتم  تدريبهم على كيفية مناقشة القضايا والموضوعات الجنسية مع أبنائهم، حتى يتمكنوا من تقديم إجابات مقنعة لأسئلة أبنائهم الجنسية حينما يطرحونها عليهم، بدل القيام بنهرهم وتعنيفهم . 

الدعوة للتثقيف الجنسي

من جهته، رأى المدرس والتربوي الأردني، غازي الدويك، أن "تدريس مادة الثقافة الجنسية في المناهج الدراسية، أو مناهج التثقيف المسجدية،  يجعل تلقي الطالب وغيره من الفئات المستهدفة لتلك المواضيع أفضل بكثير من تلقيها بشكل فوضوي تغلب عليه الإثارة والشهوانية".  

وقال الدويك لـ"عربي21": "لطالما دعوت خلال خدمتي الطويلة في سلك التدريس وإدارة المدارس، إلى اعتماد تدريس مادة الثقافة الجنسية ضمن المناهج التدريسية في مدارسنا الأردنية، لما تفضي إليه من نشر الوعي الجنسي الصحيح بين الطلاب وسائر فئات المجتمع". 

ولفت الدويك إلى أن الأبوين بطبيعة نشأتها وتكوينهما في مجتمعاتنا الإسلامية غالبا ما ينهران الأبناء إذا ما طرحوا أسئلة جنسية، إما لعدم امتلاكهم للمعلومات التي تؤهلهم للجواب، أو لخجلهم وتحرجهم من إثارة تلك الموضوعات مع أبنائهم، ما يدفع الأبناء للبحث عن أجوبة لها في مصادر مختلفة مثل الإنترنت أو رفقاء السوء.
 
في السياق ذاته، أيدَّ خبير أمن المعلومات والإعلام الجديد، رائد سمور، الدعوة إلى تدريس الثقافة الجنسية ضمن المناهج التعليمية، ومناقشة تلك القضايا بشكل مفتوح عبر المنابر الإعلامية المختلفة، لافتا إلى أنها قضية هامة وضرورية. 

ولاحظ سمور أن غياب التثقيف الجنسي العلمي المدروس سواء عن المناهج التدريسية، أو المنابر والمؤسسات التثقيفية الأخرى، يؤدي إلى البحث عن تلك المواد في مصادر أخرى كالإنترنت (أسهل المصادر وأوسعها في زماننا)، لكن للأسف غالبا ما تكون النتائج سلبية. 

التحرج من الأمر


وأشار سمور في حديثه لـ"عربي21" إلى أن التحرج من إثارة تلك القضايا، وتحاشي مناقشتها حتى بين الزوجين، يؤثر سلبا على الحياة الزوجية، وتنشأ عنه ظواهر سلبية كالحرمان العاطفي، والحرمان الجنسي، ما يدفع الزوج أو الزوجة إلى تعويض ذلك الحرمان عبر العلاقات المفتوحة في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

وتوضيحا لموقف الشريعة الإسلامية من التثقيف الجنسي، بيَّن أستاذ الفقه والدراسات الإسلامية، منذر زيتون أنه "أمر نافع وضروري، لأنه يعرف الإنسان على طبيعته الفسيولوجية، خاصة أجهزته التناسلية، وطبيعة العلاقات الجنسية".

وأوضح زيتون لـ"عربي21" أن تعلم تلك الأمور لا تخالف الدين مطلقا، فالقرآن الكريم تحدث عن المحيض، وعن طبيعة وشكل العلاقة الجنسية بين الزوجين، وموضع إتيان المرأة، وعن آداب استئذان الأطفال قبل البلوغ وبعده عند الدخول على الكبار، وعن الزنا وحكمه وآثاره وعقوبته". 

وتابع حديثه قائلا: "وتحدثت السنة النبوية عن أمور عدة تتعلق بالنواحي الجنسية، مثل التفريق بين الأبناء في المضاجع، وعن خطورة الاختلاط بين الجنسين، وتشبه أحدهما بالآخر، وعن هجر الزوج زوجته جنسيا، وعن دور التقوى والعبادة في ضبط الشهوات". 

بدوره، قال الداعية الإسلامي المقيم في السويد، فكري المسكاوي، لـ"عربي21": "إن ما يتعلق بالأمور الجنسية والعلاقات الجنسية، يعد أمورا فطرية معروفة للناس، وما يحتاجون تعلمه هو أخلاقيات تلك العلاقة والممارسة، وقد عالجتها الشريعة الإسلامية في جملة التعاليم المتعلقة بفقه الأسرة".

وحذّر المسكاوي في ختام حديثه من محتوى الثقافة الجنسية المتداولة في الدول الغربية، التي تنطلق من كون ممارسة الجنس خارج العلاقات الزوجية أمرا عاديا مألوفا، فتوجه ممارسيه إلى كيفية الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا، بما يسمونه "ممارسة الجنس الآمن"، داعيا إلى تقديم ما يحتاج الناس إلى معرفته في مجتمعاتنا بما يتلاءم مع تعاليم ديننا، ويحترم ثقافتنا وأعرافنا المجتمعية الراشدة".