يرسم خبراء في
الاقتصاد
والسياسة علامات استفهام حول مستقبل
لبنان المالي، في ظل المؤشرات والمواقف
المتطابقة التي تشير إلى اقترابه من حافة الخطر الشديد على الصعيد الاقتصادي، في ظل
تفاقم أزماته، وعدم وجود حلول واقعية وسريعة لمعالجة الأزمات المتراكمة، لا سيما الحياتية
منها، وأبرزها ملف النفايات والكهرباء والتضخم المعيشي.
وعلى الرغم من أن حاكم
مصرف لبنان، رياض سلامة، يشدّد على متانة العملة وحصانة المصارف من أي خضّات مرتبطة
بالتدهور الاقتصادي أو السياسي، فإن خبراء يعتقدون أن المصارف ليست بمنأى عن أي
أزمة، وأن المعالجات السابقة التي نجحت خلال هزّات سياسية وأمنية ومالية لم تعد
تجدي نفعا، بعدما بلغ سيل الأزمة الاقتصادية في لبنان حدا يتطلب هِبَات غير مشروطة،
وليس مجرد قروض تؤجل انفجار الأزمة لكنها وفي الوقت نفسه تغرق البلاد أكثر في
معضلة الدَّين.
وتلقف مراقبون بجديّة
تحذيرات رئيس الجمهورية ميشال عون من "
إفلاس" البلد، وفق ما نقله إلى
البطريرك الماروني بشارة الراعي، حيث قال له: "البلد "مفلس، ونحتاج إلى ضبط
المال والفساد"، وعلى ما يبدو فإن ثمة تباين فيما يقوله عون مع ما يعبر عنه
رئيس الحكومة سعد الحريري بأن الوضع الاقتصادي في لبنان في طور التحسن، وأن
التعويل سيكون كبيرا على الدول المانحة في مؤتمر باريس المقرر عقده في نيسان/ أبريل المقبل، عدا تشديده على أن ملف استخراج النفط اللبناني دخل في الشوط الأخير
قبل التنفيذ.
أياد إسرائيلية
وتظهر المخاوف جليّة من
ضلوع الكيان الإسرائيلي في تأزيم الوضع على المستويات كافة في لبنان، وفق ما ذهب
إليه الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي، الذي أكد في تصريحات
لـ"
عربي21" أن "اقتصار مؤتمر باريس 2 على القروض الميسرة يعني
بالتأكيد وجود أياد إسرائيلية تعبث للتمهيد نحو إنهاء لبنان اقتصاديا"،
متسائلا: "لا يمكن لأي دولة أن تمنح قروضا إلا بناء على قيمة الموجودات التي
لا تتجاوز في لبنان خمسين مليار دولار، بينما يكبّل بلدنا بديون ومتعلقات أخرى بما
يتجاوز مبلغ 120 مليار دولار، وهذا ما يؤشر حتما إلى أن الهدف من القروض هو
إغراقنا لغايات تخدم أعداءنا".
وتشترط الدول المشاركة
في المؤتمر إجراء إصلاحات في بنية الاقتصاد اللبناني والقضاء على الفساد. وقامت
الحكومة اللبنانية بخطوات في هذا الاتجاه، عبر إنجاز مشروع قانون الموازنة العامة
للعام 2018.
ولا يجد يشوعي في
تصريحات الحريري جديّة فيما يخصّ المنحى التصاعدي للاقتصاد، وقال: "لقد
تعودنا من عائلة الحريري منذ التسعينيات إطلاق الوعود دون تحقيقها، ففي السابق وعدنا
بأن يزدهر لبنان من خلال التعويل على انطلاق عملية التسوية في المنطقة، لكن شيئا
من ذلك لم يتحقق"، مشددا على أن "الشعب اللبناني يريد إنجازات، ويتطلع إلى
إسقاط ثقافة الفساد وتحسين مستوى الخدمات التي تعد الأسوأ في العالم".
ورفض يشوعي الحديث عن أن
سياسة حاكم مصرف لبنان متوازنة، فقال: "تكون السياسة متينة من خلال الاقتصاد، وهذا ما ليس مطبقا، بل هناك إجراءات تخنق الاقتصاد، ولا يوجد في أي مصرف مركزي في
العالم، ومنها إيطاليا واليابان وغيرهما، من يتدخل في تمويل القطاع الخاص أو يتدخل في
إجراءات لا تفيد الاقتصاد العام".
ولفت إلى أن
"الودائع في لبنان هي الأعلى في العالم بفعل ودائع المغتربين في أفريقيا
والخليج"، مستغربا في الوقت عينه "ندرة السيولة وارتفاع نسبة الشيكات
المرتجعة والثغرات القائمة على مبدأ الانكماش الذي يضرّ بالنمو".
حافة الخطر
من جهته، رأى الخبير في
الاقتصاد السياسي، الدكتور هاني وزنة، أن "الوضع الاقتصادي في لبنان صعب ودقيق، وفق ما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي، الذي أشار إلى أن لبنان يسجل معدلات نمو بطيئة
في ظل ارتفاع الدين العام إلى ما يتجاوز ثمانين مليار دولار، وخدمته تتجاوز 150%
من الناتج المحلي، فضلا عن أن العجز في المالية العامة مقلق للغاية".
وعن طرق المعالجة، قال
وزنة في تصريحات لـ"
عربي21": "يحتاج لبنان إلى عملية إصلاحية
بنيوية، وتحذيرات رئيس الجمهورية سبقت
الانتخابات، لتضع الجميع عند مسؤولياتهم؛ لأن
لبنان لا يمكن له الاستمرار دون ضبط العجز في الميزانية العامة ومحاربة الفساد وتحسين
الوضع المعيشي والخدماتي"، مضيفا: "هناك رسائل موجهة أيضا من خلال كلام
رئيس البلاد إلى المجتمع الدولي لضرورة مساعدة لبنان قبل الانهيار".
ولأن ملف اللاجئين
السوريين مادة دسمة في كل الملفات اللبنانية الساخنة، يرى وزنة أن "لبنان لم
يعد يتحمل عبء اللجوء السوري في لبنان"، لكنه استبعد ترحيلهم من البلاد بعد
انتهاء معركة الغوطة؛ "لكون المجتمع الدولي غير متشجع لذلك، وفق اللقاءات
اللبنانية مع أطراف دولية عدة، حيث تطابقت المواقف الخارجية حول معالجة هذه النقطة
بعد انتهاء الأزمة السورية تماما".
ويختلف وزنة في نظرته عن
الواقع المصرفي عن آراء أخرى، ويعتبر أن المصارف اللبنانية "سجلت نموا العام
الحالي قياسا إلى السابق، رغم الخضّات القوية التي تعرض لها لبنان"، مؤكدا "ارتفاع
نسبة الودائع في البنوك اللبنانية من العملات الأجنبية".