أتلانتك: ترامب يختار أوروبا الشرقية على الغربية

نشرت مجلة "ذا أتلانتيك" مقالا للباحث في معهد بروكنغز والمؤلف ثوماس رايت، يقول فيه إن السفير الأمريكي الجديد لألمانيا ريتشارد غرينيل، كان على مدى الأسبوع الماضي حديثا في الأخبار للأسباب الخاطئة. 

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن موقع "بريتبارت" نشر في 3 حزيران/ يونيو مقابلة مع غرينيل، قال فيها: "هناك الكثير من المحافظين في أوروبا كلها اتصلوا بي، وقالوا إنهم يشعرون بأن هناك عودة مستمرة، وأريد أن أمكن المحافظين الآخرين في أنحاء أوروبا كلها.. أعتقد أن هناك فيضا من السياسات المحافظة التي بدأت تتجذر بسبب السياسات الفاشلة لليسار". 

ويعلق رايت قائلا: "كان ذلك التصريح هو الأخير في سلسلة تحركات غريبة لغرينيل، حيث تحدث خلال حفل غداء أقامه وزير الصحة الألماني والمنتقد البارز للمستشارة أنجيلا ميركل، جينز سباهن، بالإضافة إلى أن هناك صورا له مع سباهن في عدة مناسبات، وفي مخالفة للبروتوكولات المعمول بها طلب السفير لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي في مطار برلين، (ولم يمنحه نتنياهو اللقاء إلا بعد أن التقى المستشارة الألمانية ميركل)، كما أقام غرينيل مأدبة غداء على شرف رئيس الوزراء النمساوي سباستيان كروتس، ومدحه بالاسم في مقابلة (بريتبارت)". 

ويجد الباحث أنه "لوضع أنشطة غرينيل في سياقها، فإن ما فعله شبيه بأن تقوم سفيرة ألمانيا الجديدة في أمريكا أيميل هابر، في بداية عملها، بأن تعد بتمكين الليبراليين الأمريكيين، وأن تقوم بلقاء رئيس وزراء كندا جاستين ترودو في مطار ديولس في واشنطن قبل اللقاء بدونالد ترامب، وإقامة مأدبة غداء على شرف الرئيس المكسيكي، وأن تجالس السيناتور جيف فليك، الذي يعد من أشد منتقدي الرئيس". 

ويفيد رايت بأنه "لم يمض وقت طويل على تسلم غرينيل لمنصبه وقد يغير الأشياء، لكن حادثة (بريتبارت) هي عرض لمشكلة أوسع، فبوجود سفراء محتالين ورئيس يمدح فلاديمير بوتين وبيروقراطية تؤيد الناتو وحرب تجارية دائرة، فإن لا أحد يعلم ما هي سياسة ترامب تجاه أوروبا".

ويلفت الكاتب إلى أن "مساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا ويس ميتشيل، حدد استراتيجية الإدارة فيما يخص أوروبا يوم الثلاثاء في خطاب في مؤسسة التراث، ويعد ميتشيل خبيرا في أوروبا الوسطى والشرقية، وهو مؤلف لثلاثة كتب حول السياسة الخارجية، بما في ذلك كتاب حول إمبراطورية هابسبورغ، والرسالة التي تضمنها خطابه الاستراتيجي، الذي كتب بشكل جيد: تنظر أمريكا لأوروبا من منظور سباق استراتيجي بين الحضارة الغربية والبديل الروسي الصيني، وأعلن ميتشيل عن محور في السياسة الأمريكية تجاه أوروبا يميل من أوروبا الغربية إلى الشرقية والجنوبية، وفي الواقع انتقد ميتشيل أوروبا الغربية؛ لفشلها في حمل السباق الاستراتيجي محمل الجد، خاصة فيما يتعلق بمصاريف الدفاع ومواجهة إيران".

ويبين رايت أن ميتشيل فضل في خطابه التعامل مع دول وسط وشرق أوروبا حتى عندما يكون الاختلاف سببه "النقد الخالي من أي تفاعل هو وصفة للنفور"، وقال: "إن التفاعل ليس فقط دبلوماسيا، إنه أيضا يتعلق بكسب قلوب الشعوب وعقولهم، الذين أصبحت ذكرى توسيع الناتو عام 1989 بالنسبة لهم ذكرى تزيد بعدا".

ويعلق الباحث قائلا: "قد يختلف الناس المتزنون حول ما إذا كانت هذه الاستراتيجية قد تمنح بلدانا، مثل المجر، نجاحا مجانيا في الديمقراطية، وما يقيد ميتشيل هو رفض ترامب المصادقة على أفعال لردع الحرب السياسية الروسية، لكن يجب الترحيب بالالتزام بالتفاعل الذي وعد به، وهذا الجزء من الخطاب، بما في ذلك الدعوات لمقاومة الجهود الصينية لجعل أوروبا الشرقية (ملعبا) كان واعدا، لكن المشكلة هي ما ترك خلف المحور الذي وضعه ميتشيل، الدول الغربية الكبيرة الثلاث: بريطانيا وفرنسا وألمانيا". 

ويقول رايت: "على الشخص أن يعود لأزمة السويس عام 1956، ليجد وقتا كانت فيه العلاقة الخاصة مع بريطانيا في أسوأ حالاتها، وتدعم إدارة ترامب، كلاميا، البريكسيت، لكن عمليا فإن الإدارة سعت لاتخاذ سياسة انتهازية كرد فعل على البريكسيت، مستغلة حاجة الحكومة لترتيبات تجارية جديدة، حيث استغلت إدارة ترامب حاجة بريطانيا للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بصفتها دولة منفصلة لاضطرارها للقبول بتنازلات مؤلمة في عدد من قطاعات التجارة والخدمات، مستغلة بذلك أن بريطانيا لا تملك إمكانية الضغط ذاتها وهي خارج الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت ذاته وخلال المحادثات التجارية الثنائية، فإن إدارة ترامب تسعى لقبول الأطر التنظيمية الأمريكية، أو على الأقل الخروج من الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة الأوروبية، وهذا قد يفيد المصالح الاقتصادية الأمريكية على المدى القصير، لكن ذلك سيجعل أصعب لبريطانيا التوصل إلى اتفاق مع بقية الاتحاد الأوروبي". 

ويرى الكاتب أن "إدارة ترامب تتعامل مع بريطانيا على أنها فريسة سهلة، وليس على أنها حليف استراتيجي ضروري، وكانت وزارة الخارجية مغيبة تماما من جزئية العلاقة هذه، حيث أدارت وزارة التجارة وممثل التجارة الأمريكية هذا الأمر، وفي الوقت ذاته أساء ترامب مكررا للشعب البريطاني، بإعادة نشر تغريدة لعضو في الحزب القومي البريطاني المتطرف، وبانتقاداته لعمدة لندن لفشله في منع وقوع الهجمات الإرهابية، وهذا يزيد من احتمال فوز زعيم حزب العمال جيرمي كوربين الناقد اللاذع لأمريكا والناتو في الانتخابات القادمة، ما سيوقع العلاقة الأمريكية البريطانية في أزمة إضافية". 

وينوه رايت إلى أن "غرينيل يحصل على الانتباه كله في ألمانيا الآن، فالكراهية بين إدارة ترامب والحكومة الألمانية عميقة، ووصف ترامب ألمانيا بأنها (سيئة، سيئة جدا) في التجارة، وأتهمها بأنها تستغل الاتحاد الأوروبي بصفته وسيلة للسيطرة على أوروبا، ويعرف عنه أنه يبغض ميركل، كما هاجم المسؤولون في إدارة ترامب ألمانيا بشكل مستمر بشأن نفقاتها الدفاعية، وكشف استطلاع مؤخرا عن أن 14% من الألمان يعتقدون أن أمريكا شريك يعتمد عليه، مقارنة مع 36% لروسيا و43% للصين".

ويقول الباحث: "أما فرنسا، فتبدو العلاقة في الظاهر أنها أفضل، لكن السرعة التي قام بها ترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران، وفرضه تعرفة جمركية على واردات الحديد والألمنيوم، يشيران إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون لم يحصل على شيء مقابل دعمه لترامب، ولذلك فإن فرنسا تعيد تقييمها لسياستها تجاه أمريكا، وتتساءل إن كان الدعم يعني إهمال مصالحها القومية، وعما إذا كانت تحتاج لأن تجد مصادر للضغط وتستغلها".

ويبين رايت أنه "عدا عن هؤلاء الثلاثة الكبار، فإن إدارة ترامب غيرت جذريا الموقف الأمريكي بخصوص التكامل الأوروبي، وقال أكثر من مسؤول في إدارة ترامب في أحاديث خاصة، بأنهم يتبنون مقاربة جديدة مع الاتحاد الأوروبي، ويعتقدون بأن الإدارات السابقة كانت داعمة أكثر من اللازم للتكامل الأوروبي، الذي تبين أنه مصدر عدم استقرار، بحسب اعتقادهم، وأن إدارة ترامب ستترك للأوروبيين اتخاذ قراراتهم".  

ويستدرك الكاتب بأن "الرئيس علق مكررا على سياسات الأوروبيين، في الوقت الذي يتدخل فيه السفير غرينيل في حواراتهم الداخلية، وتحاول وزارة التجارة التأثير على مفاوضات البريكسيت، وحتى لو وضعنا هذا كله جانبا، فإن التغير في السياسة نحو الاتحاد الأوروبي واضح، حيث ينظر في أفضل الأحوال إلى أمريكا على أنها حيادية، وأقل من ذلك ينظر إليها على أنها عدوانية".

ويختم رايت مقاله بالقول إن "المفارقة هي أنه في 5 حزيران/ يونيو 1947 أعلن جورج مارشال في خطابه في جامعة هارفارد عن خطته لمساعدة أوروبا لإعادة بناء اقتصاداتها التي دمرتها الحرب العالمية، وفي مؤسسة التراث أمس لم يشر ميتشيل إلى تلك الذكرى، وأعلن أن الاقتصاد هو من اختصاص الوزارات الأخرى، التي لن تؤدي فيها وزارة الخارجية سوى دور الداعم، وبذلك تم استبعاد إرث مارشال ودين أتشيسونن وجورج شولتز وغيرهم من وزراء الخارجية السابقين الذين فهموا أهمية السياسة الاقتصادية الخارجية".