صعدت الولايات المتحدة الأمريكية من لهجتها تجاه المحكمة الجنائية الدولية، بعد إعلانها أنها تدرس مقاضاة عناصر من الجيش الأمريكي، على خلفية ما قالت إنها "انتهاكات لحقوق المعتقلين في أفغانستان".
ولم يكن الامتعاض الوحيد أمريكيا، من الجنائية الدولية، فقد أغلقت واشنطن مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية لديها، بسبب قرار الأخيرة عزمها التوجه لمقاضاة إسرائيل في المحكمة ذاتها.
وكان الكونغرس الأمريكي أقر في العام 2015 قانونا يربط بين استمرار المساعدات للفلسطينيين وعدم توجه السلطة الفلسطينية للجنايات الدولية.
وتثار التساؤلات حول النظرة الأمريكية للمحكمة الجنائية، وإن كانت تخشى من قراراتها فعليا، على الرغم من أنها لا تقر بالمحكمة وليست عضوا فيها.
وفي هذا الصدد، قالت المحامية السابقة في المحكمة الجنائية الدولية، ديالا شحادة، إن الولايات المتحدة لا تعترف بالمحكمة وقراراتها، لأن القوات الأمريكية ارتكبت جرائم حرب في عدة أماكن كالعراق وأفغانستان وباكستان، بالإضافة إلى أن لديها بما يعرف بالسجون السرية للمخابرات الأمريكية الـ"سي آي إيه"، مضيفة أن للولايات المتحدة اعتبارات خاصة بها في عدم اعترافها بالجنائية الدولية".
اقرأ أيضا: المحكمة الجنائية ترد على بولتون: تهديداتكم لن تردعنا
وبيّنت في حديثها لـ"عربي21"، أن المحكمة الجنائية الدولية، تقف عاجزة أمام الهيمنة الأمريكية الدولية، مشيرة إلى أنها لا تتعامل مع جرائم إسرائيل والولايات المتحدة بجدية، فالملف الفلسطيني استغرق وقتا طويلا فيها، وكذلك الأمر في الملف الأفغاني مع جرائم الأمريكان، وذلك يدلل على أنها لا توجه الجرم للدول القوية وتستخدمه فقط للدول الضعيفة.
وفي السياق ذاته، عزت أستاذة العلاقات الدولية في جامعة واشنطن، عبير الكايد، أن عدم انضمام أمريكا أو إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية، كونها تدقق في جرائمهما وتحد منها، وساقت على سبيل المثال في عام 1986 رفعت نيكاراغوا قضية ضد الولايات المتحدة، واتهمتها بانتهاك القانون الدولي وتسليح المعارضة، ما أدى لمقتل 75 ألف شخص.
وأشارت في حديثها لـ"عربي21"، إلى أن الولايات المتحدة رفضت في حينها الإدعاءات، وبررت أنها "في حالة الدفاع عن النفس"، وأن قرارات المحكمة الدولية غير ملزمة لها، على الرغم من أنها إحدى الدول التي وقعت وساهمت في إنشائها لكنها بقيت غير عضو فيها.
وتابعت الكايد، بأن أمريكا عضو دائم في مجلس الأمن، وأن أي تهمة قانونية من أعلى محكمة فيه، تعني تقويضا لأفعالها العسكرية، وتفتح عليها ملفات أخرى ما زالت مغلقة كالملف السوري وتسليحها لفصائل معارضة، وكذلك اليمن والعراق، وما يترتب عليه من دفع تعويضات لتلك الدول.
ملف أفغانستان مزعج
وحول تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، بخصوص أفغانستان، أضافت المحامية شحادة، أنه بحسب النظام المعمول به في المحكمة يحق لها فتح تحقيق وحماية الدول المصادقة على اتفاق روما.
اقرأ أيضا: هكذا هدد بولتون قضاة "الجنائية الدولية" وبهذا توعدهم
وأضافت أن أفغانستان من الدول الأعضاء في اتفاق روما، ولذلك فأي جناية ترتكب في أفغانستان، أيا كان مرتكبها وإن كانت دولة غير مصادقة على الاتفاق مثل أمريكا وإسرائيل، فإنه يحق للمحكمة إصدار مذكرات توقيف لأشخاص من تلك الدول.
وأوضحت شحادة، أن ملف أفغانستان أزعج الولايات المتحدة، لأنها تدرك أن الجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية كانت بحق مدنيين، وتريد محاولة الدفاع عن نفسها في ذلك الأمر، على الرغم من عدم تعاونها مع الجنائية الدولية.
من جهتها زادت الأكاديمية الكايد، أن أمريكا بحاجة لشرعنة جرائمها في أفغانستان، بدعوى أنها تحتفظ بأيدولوجية "الحرب على الإرهاب"، بعد أحداث 11 سبتمبر 2003، لذلك فهي لن تعترف بارتكابها لجرائمها، وتبرر ذلك بدعوى "مواجهة الإرهاب".
حماية إسرائيل
وحول القرار الأمريكي بإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية، قال الكايد، إن الإدارة الأمريكية الحالية سلكت طريقا مغايرا عن كل السياسات التقليدية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، والقرار بالإضافة للقرارات السابقة من تقليص ثم قطع المساعدات عن الفلسطينيين، ونقل السفارة إلى القدس المحتلة، يعني أنها تنحاز بشكل كامل مع الاحتلال الإسرائيلي.
اقرأ ايضا: عريقات: قدمنا شكوى رسمية ضد إسرائيل للجنائية الدولية
وأشارت إلى أن التهديد الأمريكي للسلطة الفلسطينية إن توجهت لمحكمة العدل الدولية لمعاقبة إسرائيل، دليل على أنها كانت تسعى للتغطية على جرائم الاحتلال، وتضليل العالم.
من جهة أخرى، أوضحت المحامية شحادة، أن "أمريكا تسعى بشكل جلي لحماية إسرائيل، وهناك تلكؤ من مكتب الادعاء بالجنائية الدولية بفتح تحقيق ضد الإسرائيليين".
وأضافت شحادة، أن فتح تحقيق من الجنائية بحق جنرالات إسرائيليين، يعني إصدار مذكرات توقيف لهم، وملاحقاتهم جنائيا، ومنع دخولهم لجميع الدول المصادقة على اتفاقية روما وعددها 130 دولة، ومنها معظم الدول الأوروبية.
ولفتت إلى أنه بعد نشوء المحكمة، فإن الدول الأوروبية دوما ملتزمة باتفاقية روما وجنيف، إما بعدم استقبال أشخاص مطلوبين أو توقيفهم في حال دخولهم إليها.
وأوضحت أن توجه السلطة وما لا ترغبه الولايات المتحدة للجنائية، يعني أن المسؤولين الإسرائيليين لن يستطيعوا زيارة الدول الأوروبية، ما يسبب خسارة لإسرائيل لتلك الدول.
بالعيد الحادي عشر بعد الانقلاب.. ماذا يقول أهالي المعتقلين؟