بعد مُنتصف ليلة الأربعاء الماضي، وبعد "مُشاغبات" حزبية وشخصية، أدى رئيس حكومة بغداد السادسة (عادل عبد المهدي) اليمين الدستورية مع (14) وزيراً نالوا ثقة
البرلمان، فيما تمّ تأجيل التصويت على بقية الوزارات، ومن بينها وزارتا لدفاع والداخلية، إلى السادس من الشهر القادم!
سبق ليَ أن كتبت مقالاً على موقع "عربي21" الأغرّ، يوم 12 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، ذكرت فيه أنّ المهدي " أدْخل نفسه في نفق لا يمكن أن يحدّد نهايته بسهولة؛ لأنّه - وببساطة - غير قادر على إدخال شخصيات "مُستَقِلّة" في حكومته!".
خلال مرحلة تشكيل الحكومة في الأيام العشرين الماضية، بقيَ المهدي يُردد أنه لن يقبل بأيّ مرشح من القوى الفائزة، وفتح بوّابة الكترونية للمُستقلّين للتقديم للاسْتيزار، وأصرّ على تقديم حكومة "تكنوقراط"، لكن الحقيقة المُسَرَّبة من أَرْوقَة العملية السياسية أنّ القوى المُساندة للمهدي أدخلت مُرشحيها عبر البوّابة الالكترونية، وقد تمّ ترتيب القضية بينهم، وكأنها "خُدْعة ديمقراطية" يُراد منها تخدير الجماهير الغاضبة والرافضة للأداء الحكومي غير المثمر منذ العام 2004!
كنّا نتمنى أنّ المعلومة التي وصلتنا (بخصوص الترتيب بين القوى الكبرى الحاكمة والمهدي) غير صحيحة، وكنّا نحاول مُغالطة ما نملكه من تراكمات معرفية حول العملية السياسية، وكنّا نقول ليته يَفْعلها ويقدّم وزراء مُستقلّين، لكنّ المؤلم أنّ الحكومة التي عُرضت على البرلمان كانت "حزبية" من الألف للياء، عدا وزير الصحة علاء العلواني، وذلك على خلاف غالبية التوقعات التي تأمّلت أن يكون نصف الحكومة - على الأقل- من المُستقلّين!
جلسة التصويت على الحكومة مُنعت من تغطيتها وسائل الإعلام، في خطوة تؤكد أنّ العملية تمّت بشكل غير "ديمقراطي"!
بعض التسريبات المصورة أظهرت نوّاباً يَصرّخون خلال الجلسة - ربما - بسبب "الغدر" بهذه الكتلة أو تلك، بعد وعود معسولة من المهدي وغيره بتسنم دفّة بعض الوزارات!
حكومة "التكنوقراط" - بعبارة دقيقة وبسيطة- تعني: حكومة مُستقلّة ومهنية، كلّ حسب اختصاصه، ولا تميل إلا إلى كفّة العلم والعمل، وما يخدم الوطن والمواطن، فهل هذه المعايير موجودة في غالبية الشخصيات التي صوَّت عليها البرلمان
العراقي قبل يومين؟
بمراجعة أسماء الوزراء "الجُدد" لم نجد بينهم أيّ شخصية مستقلّة، عدا وزير الصحة، الذي قيل إنه من المستقلّين، والبقية جميعهم من الحزبيين، ربما بعضهم من الخط الثاني لهذا الحزب أو ذاك، وبالمحصلة صرنا أمام حكومة غير "مُستَقِلّة" بامتياز!
من ناحية التخصصات، وجدنا الغرابة في العلاقة بين التخصصات والوزارات، وسنذكر هنا بعض الوزراء المُصوّت عليهم وتخصصاتهم العِلمية غير المُتّفقة مع وزاراتهم:
- المالية، أدب انكليزي.
- التجارة، مهندس مدني.
- الخارجية، تربية إحصاء.
- الكهرباء، علوم سياسية.
- الشباب والرياضة، فيزياء.
- الإعمار والإسكان، رياضيات.
وأعتقد أن حال بقية الوزراء لا يختلف تماماً عن هذا التناقض بين
الوزارة والاختصاص العِلمي للوزير!
فهل هكذا يَفهَم المهدي التكنوقراط؟ أم أنّ الرجل لا يفرّق بين الدرجة العِلمية والاختصاص الذي يقود لوضع الوزير المناسب في الوزارة المناسبة؟
الحزبية هي السياق المُتَّبَع في عموم تعيينات الدولة العراقية منذ أكثر من عشر سنوات، فكيف سيتمكن المهدي أو غيره من غَرْبلة هذه التراكمات، وسط إصرار غير مرئّي من قبل الغالبية العظمى من سياسيي البلاد بضرورة الحصول على استحقاقاتهم الانتخابية، وهم يقصدون حِصَصهم من الوزارات والتعيينات العامة والخاصة في كافة مؤسسات الدولة الأمنية والخدمية؟
حكومة المهدي - في تقديري - أمام مسارين لا ثالث لهما، فهي إما ستكون أقصر حكومة في تاريخ الحكومات العراقية بعد العام 2003، أو أنها - في حال استمرارها - ستكون أضعف حكومة فِعليّة منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى اليوم!
يبدو أنّ وقت التصويت على حكومة المهدي بعد مُنتصف الليل، الذي يمتاز - في الغالب - بالاسترخاء والخُمول، والاستسلام للنوم، سينعكس على أداء هذه الحكومة التي ستكون الحكومة الأكثر خُمولاً وانغماساً في النوم؛ لأنها مكبّلة بالطائفية والحزبية والمحسوبية وترقيعات التوافقات، والتدخلات الإقليمية العلنية، فهل خَدَعَ المهدي الجماهير العراقية، أم أنّه مَغْلُوب على أمره؟