التنافس الأمريكي ـ الروسي في الشرق الأوسط ـ الأزمة السورية أنموذجًا
الكاتب : سلمان الجبوري
الناشر: الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى ـ بيروت ـ لبنان 2018
بصورة عامة، الدولة العربية مأزومة، واقعة بين شقي رحى الإصلاح الديمقراطي العميق والمطلوب، أو الثورة على الأبواب. والإصلاح بالقطعة لن يَسُدَّ نهم الشعوب المتعطشة للحرّية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية. أما خيار الثورة فهو غالي التكلفة، تتصاعد هذه التكلفة في كل ثورة تالية على ما سبقها.
خيار كارثي
من الملاحظ أيضا أن خيار الثورة يشتبك مع خيار التدخل الأجنبي، وهذا بذاته سيناريو كارثي آخر. كان التدخل الأجنبي في ليبيا هو الدواء المرّ الذي تجرعه الشعب الليبي في بداية ثورته. وها هو الدواء يغدو أشد مرارة في الحالة السورية، ومن قبل في الحالة العراقية. ففي سوريا، الواقعة في "كمين الفوضى العمياء"، حسب تحليل الدكتور عماد فوزي الشعيبي، فإنّ العقبات الأساسية في وجه الحلّ، حسب تحليل الشعيبي، "هي وجود دول لا تريد حلولا شاملة، وأخرى تفضِّل استنزاف الروس والسوريين معا، وثالثة تعتقد أن ميزان القوى يفترض معادلة رابح وخاسر".
كان التدخل الأجنبي في ليبيا هو الدواء المرّ الذي تجرعه الشعب الليبي في بداية ثورته. وها هو الدواء يغدو أشد مرارة في الحالة السورية
ومرّت العلاقات الأمريكية ـ السورية منذ الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003، بأسوأ مراحلها في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، الذي دأبت إدارته على تحميل سوريا مسؤولية زعزعة الأمن والاستقرار في هذا البلد، وإيوائها للقيادات العراقية السابقة، الأمر الذي نفته دمشق على الدوام وأكدت ضرورة التفريق بين العمليات الإرهابية التي تصيب المدنيين والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال. وكانت الولايات المتحدة فرضت على سوريا عقوبات اقتصادية منذ عام 2004، كما أدرجت اسمها على قائمة "محور الشر" حسب ما تسميه.
مرّت العلاقات الأمريكية ـ السورية منذ الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003، بأسوأ مراحلها في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش
مخطط للتفتيت
وما من شك في أن المخطط الأمريكي ـ الصهيوني ـ الخليجي والتركي، من خلال استخدامه أدوات متنوعة ومتباينة (التنظيمات الإرهابية "داعش" و"جبهة النصرة" وأخواتهما من التنظيمات الجهادية الأخرى)، كان يريد تحقيق الاستيطان للإرهاب التكفيري في منطقة الشرق الأوسط، أولا. كما أن هذا المخطط الآنف الذكر أخفق في معالجة جوانب فشل الدولة الوطنية السورية حسب ادعائه، من خلال إحداث تغيير جوهري في بنية الدولة الوطنية السورية، عبر تفكيكها إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية، تحت مسميات مختلفة، لا سيما في ما عدّته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها عوامل فشل في بنية الدولة السورية، خاصة فيما يتعلق بعدم قدرتها على الاستيعاب السياسي والاجتماعي والاقتصادي لجميع مكونات المجتمع السوري، ثانيا.
اقرأ أيضا: صحيفة روسية: هل ينشب صراع عسكري روسي أمريكي بسوريا؟
لقد أسهم مخطط الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، والكيان الصهيوني، وتركيا والدول الخليجية، بشكل كبير في إطلاق عملية زعزعة الاستقرار، وتدمير الدول الوطنية، من خلال توظيف الحركات الدينية الأصولية في المعركة الأولى ضدّ الأنظمة الشيوعية والاشتراكية في الكتلة الشرقية والعالم الثالث على حد سواء. ثم من خلال المراهنة في المعركة الثانية ضدّ الدول الوطنية على تيارات الإسلام السياسي والحركات الجهادية، التي ترفع شعار العودة إلى الدين وتعتمده أداة من أدوات المعركة، لكنّه إنتاج شعار مخادع، كبديل للدولة الوطنية السورية، بعد القبول بمنطق تقسيمها، والعودة الحقيقية إلى البنى التقليدية التي كانت تستند في جزء كبير منها إلى الشرعية الدينية، وقد انهارت من دون رجعة.
إنه رهان خاسر من جانب أمريكا وحلفائها، لأن تيارات الإسلام السياسي على اختلاف مسمياتها، لا تؤمن بالدولة الوطنية القائمة على التنوع، ومن ثم، فإنّ المراهنة على تلك التيارات الدينية التي تستقطب الأتباع والأنصار بدعوى الثأر لتلك البنى التقليدية ما قبل الدولة الوطنية، وباستعمال الشعارات القائمة على تمثلات طوباوية للماضي، مثل شعارات "الإسلام هو الحل" و"الدولة الإسلامية" و"الاقتصاد الإسلامي" و "البديل الإسلامي"، من أجل أن تكون بديلا للنخب الحاكمة في سوريا وغيرها من الدول العربية، لا يعني فحسب، إعادة إنتاج سياسات إقصاء تنتحل سمة القداسة، ولكن يعني أيضا، وبشكل أكثر خطورة، أن هذه التيارات الأصولية لا تقدم أي بديل واضح لما هو سائد، ويمكن بسهولة أن تتخذ مطية لاستبداله بالأسوأ، فضلا عن إهدارها لمعنى الدولة الوطنية بتنوعها، مما يعبد الطريق لمزيد من الحروب الأهلية، وانهيار الدول الوطنية، وانتشار التطرف و الإرهاب.
الصراع على سورية بين أمريكا وروسيا (1 من 4)
باحثة أمريكية تُحذّر من تأثير الإسلاميين في هوليود