نشر موقع "ذي كونفرسيشن" مقالا لأستاذ الدراسات الإسلامية، ومدير مركز الدراسات الإسلامية في جامعة تشارلز ستورت في أستراليا، الدكتور محمد أوزالب، يقول فيه إن شهر كانون الأول/ ديسمبر 2018 شكل نقطة تحول في الصراع السوري.
ويقول أوزالب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "أحداث آخر العام وضعت البلد في اتجاه جديد، اتجاه يجعل الرئيس بشار الأسد يتطلع إلى تكريس سلطته، ويراه تنظيم الدولة فرصة لديمومة وجوده".
ويشير الكاتب إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن أنه سيبدأ عملية عسكرية شرق الفرات، وهي منطقة تسيطر عليها القوات الكردية الموالية لأمريكا.
ويلفت أوزالب إلى أنه خلال سنوات الصراع الثمانية لم يقم الأسد أو داعمته الرئيسي، روسيا، بالاشتباك مع الأكراد، فلم ينظر الأسد أو الروس إلى الأكراد على أنهم إرهابيون أو متمردون، لكن بصفتهم مدافعين عن مناطقهم ضد تنظيم الدولة والقوى الجهادية الأخرى.
ويستدرك الكاتب بأن "تركيا ترى المنطقة الكردية تهديدا وجوديا، ولدى تركيا مخاوف مشروعة: فإن استقلت المنطقة الكردية في سوريا يمكنها أن تتحالف مع الأكراد شمال العراق، وفي المحصلة يطالبون بالأراضي الكردية في جنوب شرق تركيا".
ويقول أوزالب إن "العملية العسكرية التركية المزمعة شرق الفرات لم تتحقق بعد، لكن الإعلان كان تحركا شجاعا، وما جعلها تبدو أكثر واقعية هو حشد القوات العسكرية التركية على الحدود السورية، وهو ما زاد من الضغط على الادارة الأمريكية والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اضطر لاتخاذ قرار: فإما أن يقف في وجه تركيا، وهو ما سيزيد من توتر علاقة متوترة أصلا، أو أن ينسحب من سوريا ويتخلى عن المسؤولية، واختار ترامب الخيار الثاني، وأعلن بسرعة أن القوات الأمريكية ستنسحب من سوريا تماما، وأن يبيع صواريخ باتريوت أرض جو لتركيا لئلا تشتري نظام صواريخ (أس-400) الروسي".
وينوه الكاتب إلى أن قرار سحب القوات الأمريكية على طريقة ترامب جاء بإعلان على "تويتر"، فغرد قائلا: "بعد انتصارات تايخية ضد تنظيم الدولة، لقد حان الوقت لجلب شبابنا الرائعين إلى الوطن".
ويفيد أوزالب بأن "ترامب أوضح منذ نيسان/ أبريل 2018 رغبته في مغادرة سوريا، وبعد إعلانه هذا بعشرة أيام وقع هجوم كيماوي اضطر ترامب للبقاء والانتقام، لكن هذه المرة إما أن يكون الضغط التركي أتى بنتيجة، وإما أن يكون ترامب قد رأى أن الوقت الآن هو الأفضل للخروج".
ويبين الكاتب أن "السياسة الخارجية الأمريكية في سوريا كانت تحت حكم أوباما، هي البقاء هناك حتى يتم القضاء على تنظيم الدولة تماما، وتخرج إيران والقوات المتحالفة معها، وأن يتم التوصل إلى حل سياسي متوافق مع مفاوضات السلام في جنيف، وادعى ترامب أن الهدف الأول تحقق، ورأى أن هناك أرضية كافية للانسحاب".
ويشير أوزالب إلى أن ترامب أعلن في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2018 بأن وزير الدفاع جيمس ماتيس سيتقاعد في نهاية شهر شباط/ فبراير 2019، ونشرت "واشنطن بوست" تقارير، مفادها أن ماتيس عارض بشدة ترامب واختلف معه بشأن الانسحاب من سوريا، وكتب ماتيس في رسالة استقالته: "لك الحق في أن يكون لديك وزير دفاع تكون رؤيته متوافقة بشكل أفضل مع رؤيتك".
ويلفت الكاتب إلى أن "الخلافات السياسية الأمريكية في سوريا سادت منذ بداية الصراع عام 2011، وزاد ترامب من حالة الارتباك، وقراراته الفوضوية تعكس أيضا إحباطه من إدارته".
ويقول أوزالب إن "الخوف على مستوى العالم هو أن يؤدي انسحاب أمريكا إلى ترك روسيا مهيمنة عسكريا وسياسيا في المنطقة هي وإيران وتركيا شركاء لها، وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الملأ بأن روسيا تحترم المصالح القومية التركية في سوريا، وقال إن تركيا كانت مستعدة للتنازل والعمل معا لتحسين الوضع ولمكافحة الإرهاب، ويبدو أن تركيا قبلت بأهداف روسيا في سوريا مقابل سماح روسيا لتركيا بالقيام بما تراه الأفضل لمصلحتها الوطنية في المناطق الكردية".
وينوه الكاتب إلى أن "أحد أهداف روسيا هو ضمان بقاء الأسد رئيسا لسوريا، وقد تسمح روسيا لتركيا بالقيام بعمليات عسكرية محدودة في المنطقة الكردية، ليس فقط للتوصل إلى أرضية مشتركة مع تركيا، لكن أيضا للضغط على الأكراد للقبول بروسيا وبنظام الأسد".
ويبين أوزالب أن "روسيا تنتهج استراتيجية حذرة، إرضاء تركيا لكن ليس على حساب سيادة الأسد في سوريا، وكان أردوغان عدوا قويا للأسد في السنوات الأولى من الصراع، وتعتمد روسيا على اعتراف أردوغان بالأسد للتأثير على الدول ذات الغالية السنية للانضمام لمعسكر روسيا والأسد".
ويورد الكاتب نقلا عن وزير الخارجية التركي، قوله إن تركيا قد تفكر في العمل مع الأسد إن قامت سوريا بإجراء انتخابات ديمقراطية، مؤكدا أن الأسد لن يوافق على انتخابات إلا إذا ضمن أنه سيفوز.
ويذكر أوزالب أن الإمارات العربية المتحدة أعلنت عن إعادة فتح سفارتها في دمشق، وتبعتها في ذلك البحرين، التي قالت إنها لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الادارة السورية، مشيرا إلى أنه مع أن السعودية أنكرت ذلك، إلا أن هناك تقارير إعلامية تفيد بأن وزارة الخارجية السعودية تقوم بإنشاء علاقات دبلوماسية مع الإدارة السورية.
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذه مؤشرات بأن اللاعبين الأساسيين في المنطقة يتحضرون للعمل مع حكومة الأسد، وجاءت الخطوة التركية المهمة في اعتراف تركيا بالأسد خلال اجتماع في 23 كانون الثاني/ يناير بين بوتين وأردوغان، حيث ذكر بوتين أردوغان باتفاقية أضنة بين تركيا وسوريا، وكان ذلك الاتفاق بداية فترة من العلاقات الثنائية غير المسبوقة بين البلدين حتى عام 2011، عندما بدأ الصراع الحالي".
ويشير أوزالب إلى أن أردوغان اعترف باتفاق 1998، وقال إنه لا يزال فاعلا، وهو ما يعني أنه يمكن لإدارة الأسد وتركيا أن تعملا معا ضد الارهاب.
ويقول الكاتب إن "ترامب أيضا قد لا يرى مشكلة في هذه النتيجة، فلم يكن هناك ذكر للأسد عندما تحدث عن الانتصار في سوريا، وهو ما يشير إلى أنه لا يهمه إن بقي الأسد في السلطة أم لم يبق".
ويرى أوزالب أن "المثير الأساسي للقلق هو أن خروج أمريكا من سوريا سيتسبب بعودة تنظيم الدولة، وقد خسر التنظيم مساحات كبيرة ومدنا رئيسية، كالموصل في العراق والرقة في سوريا، ووقعت آخر بلدة كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة، هجين، في يد قوات التحالف في كانون الثاني/ ديسمبر 2018، وبالرغم من هذه الانتصارات، إلا أن من المبكر الادعاء بأنها نهاية تنظيم الدولة".
ويجد الكاتب أن "لدى ترامب حلا أيضا: الاستعانة بمصادر خارجية، فأعلن في تغريدة له في 24 كانون الأول/ ديسمبر، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيقوم (باستئصال ما تبقى من تنظيم الدولة في سوريا)، وهذا غالبا ما يكون ليس محتملا؛ لأن اهتمام تركيا الرئيسي هو المنطقة الكردية في الشمال السوري، حيث في الغالب لن يشكل تنظيم الدولة أي تهديد".
ويقول أوزالب: "بالنظر إلى أن روسيا والأسد سيكونان القوة الرئيسية في سوريا، فإن سياساتهما هي التي ستقرر مصير تنظيم الدولة، ولن يرغب الأسد في أن يرى تنظيم الدولة يهدد حكومته، وفي الوقت ذاته كانت حجة الأسد بان نظامه شرعي خلال الحرب الأهلية، هو أنه يحارب الإرهاب ممثلا في تنظيم الدولة، وإن بقي تنظيم الدولة بأي شكل من الأشكال فإن ذلك سيساعد الأسد في إحكام قبضته على الحكم، وهذا قد يقود إلى ظهور الأسد بمظهر المحارب لتنظيم الدولة، لكن عدم القضاء عليه في الوقت ذاته".
ويذهب الكاتب إلى أن "تنظيم الدولة سيحاول أن يعيش، فلديه عدد كبير من القيادات المخضرمة والمقاتلين الذين بإمكانهم شن حرب عصابات، ولدى التنظيم عناصر في أنحاء سوريا قادرون على القيام بهجمات انتحارية في المدن السورية، مثلما كانوا يفعلون في العراق".
ويشير أوزالب إلى أن إسرائيل قامت بضرب أهداف إيرانية في سوريا منذ أيار/ مايو 2018، وزادت كثافة الغارات الجوية الإسرائيلية في كانون الثاني/ يناير 2019، ووقعت في النهار، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي إن سياسة إسرائيل الدائمة ستكون ضرب القوات الإيرانية في سوريا.
ويعلق الكاتب قائلا: "قد نرى المزيد من الصدامات بين إسرائيل وإيران في عام 2019، خاصة بعد تخلي أمريكا عن مواجهة الوجود الإيراني في سوريا".
ويختم أوزالب مقاله بالقول: "لم ينته الصراع السوري بعد، لكنه يسير في اتجاه آخر، وانسحاب أمريكا سيترك بالتأكيد فراغا ستملؤه القوى الإقليمية تركيا وإيران وإسرائيل تحت رقابة روسية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
بلومبيرغ: هذه هي التطورات المهمة الواجب مراقبتها في سوريا
فايننشال تايمز: انسحاب ترامب سيعبد الطريق أمام الجهاديين
WP: خسر ترامب سوريا فهل يخسر المنطقة كلها أيضا؟