نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمراسلها آدم تايلور، يتساءل فيه عن سبب مواجهة الرئيس دونالد ترامب صعوبة في سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط.
ويجد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أن السبب في ذلك متعلق بالسياسة والقرارات المتعجلة والجدل المتزايد بين المحاربين القدماء، لافتا إلى أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن وجود القوات الأمريكية في العراق وسوريا وأفغانستان لا يستحق هذا العناء كله.
ويشير تايلور إلى أن الرئيس ترامب تعهد بشكل متكرر بسحب القوات الأمريكية من سوريا، فقال في تغريدة: "نقوم ببطء وحذر بجلب جنودنا وجيشنا إلى الوطن"، وقال أمام الصحافيين: "لقد حان الوقت للعودة إلى الوطن"، وقال في تغريدة يوم الأحد إنه "سيحضر الجنود إلى الوطن".
وتعلق الصحيفة قائلة إنه اتضح أن الأمر ليس بهذه البساطة، ففي الوقت الذي قال فيه إنه سيسحب القوات من سوريا أعلنت وزارة الدفاع عن إرسال 1800 من القوات الأمريكية إلى السعودية، ثم أعلن وزير الدفاع مارك إسبر عن سحب ألف جندي من سوريا إلى العراق، ما يعني أنهم لن يعودوا إلى أمريكا، ثم عاد وقال يوم الاثنين إن الجنود الأمريكيين في سوريا لن يخرجوا كلهم منها، وقال أثناء زيارته إلى أفغانستان إنه سيتم الاحتفاظ بقوة صغيرة لحماية حقول النفط من تنظيم الدولة وغيرها ممن سيحاولون استخدام موارده لتمويل نشاطاتهم الخبيثة.
ويلفت التقرير إلى أن التحول المستمر في خطط نقل القوات في المنطقة يأتي وسط النقاش حول طبيعة وجودها هناك، وذلك لأن حياة الجنود تعرضت للخطر دون وجود منافع حقيقية لأمريكا، بالإضافة إلى أن وجودها لم يؤد إلى تغيير الظروف على الأرض وإنهاء النزاعات في المنطقة.
ويستدرك الكاتب بأن قرارات ترامب سحب القوات أظهرت أنها تؤدي إلى تخريب أولويات أمريكا في المنطقة، فقال إسبر يوم الاثنين إن عدد القوات الأمريكية في أفغانستان تم تخفيضه بحوالي ألفي جندي، ومع أن المحادثات مع حركة طالبان قد انهارت، إلا أنها كشفت عن أن واحدا من مطالبها هو رحيل القوات الأمريكية دون اتفاق.
وتفيد الصحيفة بأن سحب الدعم عن المقاتلين الأكراد في سوريا أدى إلى التدخل التركي، وتوسع تأثير الحكومة السورية والروس، وعودة محتملة لتنظيم الدولة، وقال مسؤول بارز إن القوات الأمريكية في سوريا غاضبة جدا من وقف إطلاق النار الذي يتباهى ترامب بتحقيقه.
ويلاحظ التقرير أن استعداد ترامب لتخفيف البصمات الأمريكية في الخارج يمنحه أحيانا حلفاء غير محتملين، ففي نقاش بين المرشحين الديمقراطيين لانتخابات عام 2020 في الأسبوع الماضي دعت السيناتورة إليزابيث وارن لخروج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وقالت "لا أعتقد أنه يجب أن تكون لدينا قوات في الشرق الأوسط".
ويجد تايلور أنه رغم مظاهر الشك لدى الديمقراطيين من الوجود الأمريكي في المنطقة، إلا أن تصريحات وارن كانت الأكثر وضوحا، مشيرا إلى أن وارن، وهي العضو في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، متقدمة في استطلاعات الرأي على بقية المرشحين، وقالت إنها مستعدة لسحب الجنود الأمريكيين من أفغانستان حتى قبل التوصل لاتفاق.
وتنوه الصحيفة إلى أن منافسها جوزيف بايدن انتقدها لمواقفها من الشرق الأوسط، وقال: "لم أسمع كلاما مثل هذا يقوله شخص لديه معرفة جادة بالسياسة الخارجية.. سحب القوات كلها من الشرق الأوسط".
وبحسب التقرير، فإن حملة وارن حاولت توضح تصريحاتها لاحقا، وقالت إنها كانت "تتحدث عن الجنود المقاتلين، وليس الذين ينتشرون في الشرق الأوسط لأغراض غير قتالية"، وأن وارن "تعتقد أنه يجب إنهاء الحروب اللانهائية كلها"، وتريد "سحب القوات بطريقة مسؤولة من الشرق الأوسط".
ويعلق الكاتب قائلا إن هذا التوضيح لا يأخذ في عين الاعتبار تعقيدات الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن هناك عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط ممن لا يشاركون في النزاعات، لكنهم يدعمون مشاركة أمريكا في النزاعات من خلال القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في المنطقة، مثل قاعدة العديد في قطر والقاعدة البحرية في البحرين.
وتقول الصحيفة إنه من غير المعلوم إن كان كلام وارن ينطبق على 2500 من القوات الأمريكية، التي تسهم في دعم وتدريب قوات الأمن العراقية، أو الألف جندي الذين كانوا يدعمون الأكراد، أو 1800 من الجنود الذين تم إرسالهم للسعودية للمساعدة في ردع إيران وجماعاتها الوكيلة.
ويجد التقرير أن فكرة إعادة النظر في الوجود الأمريكي في المنطقة له أسبابه المنطقية، مشيرا إلى قول مدير أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد إيلان غولدنبيرغ: "هل هناك من يعتقد أن ما نفعله منذ 20 عاما يترك أثره؟".
ويشير تايلور إلى أنه قبل ترامب ووارن كانت لدى باراك أوباما أفكاره حول الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، فقال في عام 2007 في شيكاغو: "حان الوقت لأن ننهي وجودنا في العراق"، وقال إنه مصر على جلب القوات من أفغانستان مع نهاية ولايته الثانية، وكرر الكلام ذاته بأن "لا حل عسكريا" للنزاعات حول العالم.
وتلفت الصحيفة إلى أنه مع أنه سحب القوات من العراق عام 2011، إلا أنه أعادها عام 2014 بضغط من تنظيم الدولة، الذي سيطر على مناطق واسعة في العراق وسوريا، ولم ينجز أبدا خطته لسحب القوات من أفغانستان، مشيرة إلى أنه في أثناء حكمه، الذي استمر 8 أعوام، شنت الولايات المتحدة غارات على سبع دول: أفغانستان وليبيا وباكستان والصومال وسوريا واليمن.
ويقول الكاتب إن أوباما ربما نجح في سحب القوات من المنطقة، لكنه تركها منخرطة في نزاعات المنطقة التي بدت مستعصية، فيما بدا ترامب مهتما بالوجود الأمريكي أبعد من الشرق الأوسط، فقد اشتكى من الوجود الأمريكي في كوريا الجنوبية واليابان وألمانيا، إلا أنه كان متناقضا في كلامه.
ويفيد التقرير بأنه في الوقت الذي رمى فيه الأكراد الحجارة والفواكه المتعفنة على الجنود الأمريكيين المنسحبين من مناطقهم، قال ترامب إن أمريكا قد تخوض حربا جديدة، في إشارة إلى التوتر المتزايد مع إيران، مشيرا إلى أن هذا كله يزيد من الضغوط على الوجود العسكري الأمريكي في الخارج.
وتقول الصحيفة إن هذا الوجود واسع أكثر مما يمكن تخيله، فمنذ عام 2015 بلغ عدد القواعد العسكرية الأمريكية 800 قاعدة منتشرة في 70 دولة، وهذا راجع إلى إرث الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة والحرب على الإرهاب.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالقول إن أوباما حاول حل لغز القوات الأمريكية المتورطة في الحروب الخارجية، إلا أن ترامب حاول تجاهلها، و"يبدو أن الحفاظ على القوات الأمريكية في الخارج أسهل من محاولة إعادتها إلى الوطن".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
WP: قرار ترامب الانسحاب من سوريا خطأ فادح وتداعياته خطيرة
بوليتيكو: هل يكافئ الناخبون ترامب على تحركاته في سوريا؟
فايننشال تايمز: قرار ترامب يحول سوريا إلى قنبلة موقوتة